العدد 4438 - الجمعة 31 أكتوبر 2014م الموافق 07 محرم 1436هـ

«الصواري 2014» يكشف الستار عن 11 عرضاً مسرحياً متنوعاً

من مسرحية «كوميديا ترجيديا»
من مسرحية «كوميديا ترجيديا»

سنة بعد أخرى ومسرح الصواري ينجز ذاته الخارجة من رحم التجريب، وورشه التدريبية المفتوحة على كل احتمال، مأخوذاً بإبداعات شبابية يسلم لها كل تاريخه وزخمه مراهناً على إضافاتهم مهما كانت بسيطة، تاركاً لها أن تنضج على طريقتها، لنكون على موعد سنوي أمام مسرح بحريني شبابي بامتياز، يشرع صواريه للأفق ويبحر متحدياً زرقة البحر العميق وتلاطم أمواجه.

حيث دشن الصواري مهرجانه المسرحي للشباب في نسخته العاشرة بأحد عشر عرضاً مسرحياً متنوعاً من البحرين، داعياً بحسب إمكاناته المسارح والفرق الشبابية بدول الخليج الشقيقة. شاركته هذه المرة العربية السعودية بثلاثة عروض مسرحية، وذلك ابتداءً منذ 18 حتى 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2014 على مسرح الصالة الثقافية بحضور ملفت ونشاط استمر على مدى اثنتي عشرة ليلة مسرحية ضافية تعانق فيها التمثيل بالموسيقى بالشعر، بإبداعات شبابية واعدة ومواهب ماثلة وطاقات منجزة.

وقد تشكلت لجنة تحكيم العروض المسرحية لهذا العام برئاسة الفنان ياسر سيف وعضوية كل من الفنان جمعان الرويعي والناقدة المسرحية زهراء المنصور.

في هذه الأسطر أشرع في قراءة أربعة عروض تاركاً الفرصة في استكمال قراءة البقية إلى طلة أخرى في «فضاءات» الوسط.

الكوميديا من رحم التراجيديا

في «كوميديا ترجيديا» لمخرجها إسحاق عبد الله، ومع مجموعة شبابية جريئة وممعنة في الحضور والأداء، والاستعراض، عشنا الليلة الأولى ساعة مع عرض كأنه يتوازى مع حركة الشارع الشبابي خلال فترة الربيع العربي الذي كان حينها في أوج زهوه وزخمه، حيث شاهدنا كيف تتفجر الضحكات من عمق المأساة، وكيف يتحكم الآخر في الذات في فترة الانتظار والترقب، فأي حركة وسط الجموع لا تمر عابرة، بل لابد أن تتبع بما بعدها من ردّات الفعل التي قد لا تحمد عقباها، ويبدأ سلم النهايات والانهيارات تماماً كأحجار الدومينو في تساقطها، واحدة إثر واحدة، وفي جلسة الانتظار والترقب حين يرفع أحدهم يده فيتبعه الآخرون بوعي أو بغير وعي، أو حين يتحدث أحدهم ضاحكاً أو باكياً فيتبعه الآخرون بكل بساطة، ويسلمون أنفسهم للسرد، تصبح كأنك تتمثل سيكولوجيا الجماهير كذات ماثلة، فأنت لا تكون نفسك وسط الجمهور بل تكون ذاتاً جديدة هي جزء من ذات المجموع بعد تشكلها كجسد جديد بخصائص جديدة. هكذا تبدو الجماهير لحظة الصمت أوالكلام وهم كذلك لحظة الثبات أو الحركة، فقد رأينا كيف تنطلق الجموع بشكل الكورس المتحدي وهم يطرقون على الأرض، ولا يهتز لهم جفن في صلابة، بصخب موسيقي باهر، وكان كل ذلك بحالة استعراضية أخذت من العمل مأخذاً كبيراً وذهبت به في اتجاهٍ آخر، ربما خرجت به من فضاء التمسرح إلى تخوم الاستعراض.

ملاك يهبط للأرض

في «هبوط الملاك» لمؤلفها الفنان عبد الله السعداوي، هذا الرجل المنذور للمسرح ورهين محبسه، كنا أمام معادلة صعبة صاغها السعدواي كعادته جامعاً بين الثنائيات المتضادة الرجل أم المرأة، الحياة أم الموت، الماضي أم الحاضر، الحب أم الكره، حيث رمى بشخوصه وسط ركام اللاتوازنات تاركاً لهم السير والتخطي بالمحاولة والخطأ وسط هذه الحياة في عبثيتها المتواصلة، فهل استطاع مخرج العمل ياسر القرمزي أن يخرج من هذه الفوضى باللحظة الخلاقة.

في هذا العرض الذي قدمه القرمزي مع ممثليه كنا أمام اختبار للعبة المصير، حيث اختبر المخرج مدى قدرة الملاك وقد هبط للأرض بأن لا يتلوث ويحافظ على بياضه، والذي انعكس من تقديم الممثل لذاته ببراءة، وما أسبغ عليه المخرج من هالة بيضاء. وفي الوقت الذي كان الملاك ضحية للمرأة التي مرةً ساعدته ولكن بجرأة ونزق وتبجح، ومرةً عوضت به فقد ولدها واتخذته سلوةً تؤنس به وحشتها، ومرةً استغلته وتلهَّت به في شيء من الخداع واللعب، نجده قد صنع منها ضحية أخرى في تركها تصارع الانتظار والوحشة أماً أو حبيبة.

حين تسلم الذات نفسها

في «الدنيا دوارة» لمؤلفها إبراهيم بحر، وبإخراج جماعي، وتقديم مركز الشاخورة، كنا مع مجموعة شبابية تريد تقديم مسرحية وتتوزع الأدوار فيما بينها. وهنا يكمن الصراع حول الدور النسائي، الذي يتم إسناده لأحد الممثلين رغماً عنه، ثم تبدأ المسرحية، ويبدأ معها صراع الزوجين على مُجرايات الحياة وتربية ولدهما الوحيد. ويبدأ الزوج في الاستسلام لرغبة زوجته، وطاعة ولده طاعة عمياء، خوفاً من غضب زوجته وتهكمها ولسانها اللاذع، ويبدأ في اللهث وراء لقمة العيش والجري خلف المتاعب المضنية، والمشاوير التي لا تنتهي، حتى لحظة السقوط.

هكذا كنا أمام مسرح داخل المسرح من «حكاية التمثيل إلى تمثيل الحكاية» التي جنح فيها مخرجو العرض وممثلوه لأن يقدموا لنا أمثولة تؤكد على أن من لا يخطط لحياته يضيع وسط خطط الآخرين وبرامجهم. أمثولة حية على أن من يُسلم قياده للآخرين فلن يكون لديه قدرة على التحكم في ذاته، سواء من خلال الزوجة أو الأولاد أو حتى الممثلين الذي سيلبسونه دوراً غير دوره. عشنا كل ذلك عبر صور ومشاهد كاريكاتيرية، حيث كنا نلهث فيها مع الممثلين إلى حد التعب والضنى والألم من مشهد لآخر. كان ممتعاً عرض الممثلين خصوصاً حين كسروا حاجز الوهم منذ البداية في الدخول بزفة العرس وأهازيج الفرح البحريني والمباركة للعريسين وسط تعليقات أصدقائه، وتهكمهم منه، ثم في الدخول للمسرحية والتورط بأدوارهم حتى آخر العرض.

الرجل الذي تحول إلى تشيخوف

في «الرجل الذي تحوّل إلى تشيخوف» تأليف طلال نصر الدين وإخراج عيسى الصنديد كنا أمام ممثل مقنع استطاع أن يتقمص ثلاث حالات، الأولى أنه كاتب مغمور، والثانية أنه مريض نفسياً، والثالثة أنه الكاتب الروسي الشهير تشيخوف. واستطاع هذا الممثل وهو عمر السعيدي أن يدخلنا في عالم الوهم الذي صنعه لنفسه وتورط به فانطلت علينا اللعبة وبدأنا ندخل معه وسط أتونها، كما انطلت على زوجته فلم تستطع هي أيضاً مغادرته ولا تركه لحظة واحدة بل لقد جارته في الحكاية من أنه فعلاً تشيخوف، وهي تعرف أن ذلك مجرد ادعاء شخص مريض نفسياً، لكن الحب أدخلها في الحكاية وكذلك الرغبة في مجاراته ليشرب الدواء ويشفى، بل وانطلت الحكاية حتى على الطبيب الذي جاء ليعالجه فدخل في عالم تشيخوف وإن كان ذلك في البداية بحجة العلاج وإقناع نفسه أهمية الاطلاع على كتب تشيخوف لعلاج هذا الرجل المريض إلا أن الطبيب نفسه وهو الرجل السليم خرج من اللعبة متورطاً بعالم تشيخوف ودخل في عالم الوهم الذي أوقد لديه وعياً آخر؛ فلم يعد يستطيع كما يقول أن ينظر للناس كحالات أو أرقام بل هم بشر لهم أهل وحكايات وقصص، لا بد من وضعهم في إطارها وأخذها في الحسبان حين التعامل معهم فنحن لا نكون ولا تكتمل هوياتنا إلا بدخولنا في الحكاية ولعبة السرد والتمسرح في هذه الحياة.

العدد 4438 - الجمعة 31 أكتوبر 2014م الموافق 07 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً