أكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن على الجميع استثمار المناسبات التي شهدها شهر محرم الحرام، ومناسبات عاشوراء، لوضع حدٍ للنزاع والفوضى، ولتمضي البحرين في تماسك وحدتها واستقرار أواضاعها.

وفي خطبته يوم أمس الجمعة (31 أكتوبر/ تشرين الأول 2014) تحدث القطان عن الحوادث التأريخية والمناسبات الإسلامية، ومن بينها نجاة النبي موسى وقومه من الموت، واستشهاد الإمام الحسين (ع) في كربلاء، وقال: «حري بنا جميعاً استثمار هذه المناسبات لبداية عهد جديد يضع حداً للنزاع والفوضى في المجتمع، ويسمو نحو العطاء؛ لتمضي البحرين قدماً في تماسك وحدتها، واستقرار أوضاعها، وتحقيق أمنها، وأن يعمل الجميع من أجل الدفع نحو مزيد من التطوير عبر المؤسسات المشروعة حتى تعيش أطياف المجتمع كافة في أمن وأمان وتعاون وتماسك واستقرار».

وأوضح أن «في تاريخ شهر الله المحرم، يومين في العاشر منه، يوم صالح نجّى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من الموت والغرق، وأهلك الجبار العنيد فرعون وقومه، فكان يوم عاشوراء، يوم نصر رباني، وشكر لله تعالى على هذه النعمة الجليلة».

وأضاف «يوم عاشوراء له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة، وكان موسى عليه الصلاة والسلام يصومه لفضله، وليس هذا فحسب بل كان أهل الكتاب يصومونه، وكذلك قريش في الجاهلية كانت تصومه... وقد صامه (ص) وحث على صيامه فقال: (صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) وثبت صيامه أيضاَ عند الشيعة الأمامية: ففي تهذيب الأحكام والاستبصار للطوسي، والوسائل للحر العاملي، والحدائق الناضرة للشيخ يوسف البحراني، صح عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة) وعن أبي الحسن رضي الله عنه أنه قال: (صام رسول الله يوم عاشوراء).. كما صح عن جعفر بن محمد عن أبيه (ع)، أنه قال: (صيام يوم عاشوراء كفارة سنة) وهذا يدل على أن صيام عاشوراء شرع قديم ولا علاقة له باستشهاد الإمام الحسين رضوان الله عليه.

وذكر أن «السنّة في صيام عاشوراء أن يصام قبله يوم أو بعده يوم مخالفة لأهل الكتاب، كما تمنى ذلك نبيكم (ص) أن يفعله قبل موته، فاحرصوا رحمكم الله على صيام هذا اليوم العظيم لفضله، اقتداءً بأنبياء الله، وطلباً لثواب الله تعالى».

وأشار إلى أن «يوماً آخر وقع في العاشر من المحرم، يوم حزين وأليم، أزهرت فيه الشهادة من دم الحسين بن علي رضوان الله تعالى عليه، سيد شباب أهل الجنة، وريحانة رسول الله (ص)، الشهادة التي ظفر بها، بسبب رفضه لظلم الظالمين، من الطغاة البغاة في كربلاء»، مبيناً أن «ذلك كان في يوم الجمعة، العاشر من المحرم، سنة إحدى وستين من الهجرة».

ولفت إلى أن «مسير أبي عبد الله الحسين رضي الله تعالى عنه وعن آله الطيبين الطاهرين، لم يكن مسيره إلى كربلاء، لملك تليد يطلبه، ولا لدنيا يصيبها، وهم أهل بيت النبوة، معدن الزهد في الدنيا، والترفع عن دناياها، كيف وطالما ناداها أبو الحسن والحسين، علي رضي الله تعالى عنه: (يا دنيا غري غيري، قد طلقتك ثلاثاً) فكان طلاقها بائناً منه، ومن كل بر تقي من ذريته الأبرار الأطهار».

وتابع «كانت محنة الحسين في كربلاء، بين قلوب الناس وسيوفهم، فأراد رضي الله عنه، أن يلقن (محاربيه) و(خاذليه) وهما في دمه الطاهر سواء، أن يلقنهم، أن العاجز هو من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني».

وفي السياق نفسه، بيّن القطان أن «حب العترة الطاهرة من آل بيت النبوة، والوقوف على ذكرى الحسين وآل البيت رضوان الله تعالى عليهم، يكون في التأسي والاقتداء بهم في مقاومة الباطل، وإنكار المنكر، والثبات على الحق».

وأردف قائلاً إن: «التأسي بآل البيت، يجب أن يكون كما كان بين القرابة والصحابة من التراحم والتآخي والتواد، والتناصح والتواصل، وحب الخير لجميع المسلمين، والبعد عن الشر والحقد والبغضاء، والتعاون على البر والتقوى، والحرص على الوحدة الإسلامية، ووحدة الصف والوطن والمجتمع والأمة».

ونبه القطان «أننا اليوم كأمة إسلامية واحدة، على اختلاف مذاهبنا وطوائفنا، نواجه أعداء كثيرين للإسلام والمسلمين، ونواجه خصوماً عديدين، يتربصون بنا فتكاً، وبمقدراتنا ومقدساتنا وأوطاننا سلباً ونهباً، والواجب يقتضي أن نجعل من الهجرة وعاشوراء، وغيرها من المناسبات، محطة للتخطيط والتطبيق لمستقبل أكثر اتحاداً وتآلفاً ومحبة وتعاوناً وتكاتفاً؛ من أجل عزة وكرامة ورفعة هذه الأمة، وأوطان المسلمين».

هذا، وتحدث إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، عن القدس الشريف، مؤكداً أنه «في خطر حقيقي: فلا يزال الطوق الأمني الذي فرض عليها منذ عشرات السنين مستمراً حتى الآن؛ مما أدى إلى عزلها عن الضفة الغربية، وتخريب الحياة الاقتصادية فيها، وحرمان كثير من الفلسطينيين المسلمين من حق العبادة والصلاة في المسجد الأقصى، والتضييق على المدرسين والطلاب في وصولهم إلى مدارسهم، مما يؤدي إلى تركها نهائيًّا».

وأفاد بأن «سياسة تشتيت شمل الأسر المقدسية باتت سائدة؛ حيث يضطر العائل في النهاية إلى سحب عائلته من المدينة، وهو ما يؤدي إلى تفريغ القدس من سكانها المسلمين ليصفو الجو بعد ذلك للصهاينة».

وقال: «هؤلاء الصهاينة المتطرفون يعملون ليل نهار لإقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، وهم يرون أنه قد حان الآن موعد إقامته، مشيراً إلى أن «القدس في خطر يتهدد تاريخها وحاضرها ومستقبلها، ويتهدد مقدساتها عامة والأقصى المبارك خاصة، ويتهدد الإنسان ودينه ولقمة عيشه، إنها تسير في طريق التهويد اسماً ورسماً؛ لأنها بإجماع صهاينة الأرض يجب أن تكون عاصمة أبدية لدولتهم اللقيطة».

وشدد على أن «القدس الشريف والمسجد الأقصى أمانة في أعناق كل المسلمين في العالم، وإن التفريط فيه تفريطٌ في دين الله، وسَيسأَل الله تعالى المسلمين عن هذه الأمانة إن فرَّطوا في حقِّها أو تَقاعَسوا عن نصرَتها وإعادَتها... نعم عباد الله، على كلِّ مسلمٍ أن يعرفَ للأقصى المبارك قدرَه، وأن يرتبطَ به ارتباطَ حبٍّ وإيمان، مدافِعاً عن طهره، منافِحاً عن كرامَتِه، باذلاً الغاليَ والرخيص في سبيل نصره وعزِّه.

وطالب القطان «قادة العالم الإسلامي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمجتمع الدولي، بضَرورة التدخُّلِ الفوري لوقفِ هذا العمل الإجرامي الذي يكرس للصراع الديني، ويؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة، ونحملهم تبعات ما يحدث، ونطالبهم بضرورة وضع حد لهذه الانتهاكات الخطيرة، والمتكررة وإلزام الكيان الصهيوني بوقف هذا العمل الهمجي واحترام الأماكن المقدسة.

وعبر القطان عن ثقته ويقينه بأن «الطغيان الصهيوني إلى زوال، وإن صال وجال ردحاً من الزمن، فإنّه لا بدَ زائل. وهذا البيتُ المقدَّس الأقصى بقِي وسيبقى على الرّغم من المِحَن التي عصَفَت وتعصِف بالمسلمين حصنَ الإسلامِ ومعقِلَ الإيمان إلى قيامِ الساعة.