إلحاقاً بالحلقة التي تم تخصيصها لاجتماعات مناقشة قانون الصحافة في العام 1956، وملف هيئة الاتحاد الوطني وأعضائها في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ البحرين، وطبيعة العلاقة بين طرفي الحكومة ومنتسبي الهيئة، ضمن تناولنا لعام من اليوميات قبل مغادرة المستشار (1956) إلى بلاده في العام 1957، نستعرض بعض يوميات مستشار حكومة البحرين تشارلز بلجريف للفترة ما بين العام 1926 و 1932، تلك التي يتناول في جانب منها معاناة الغوَّاصين، وضمن كتاب “يوميات بلجريف”، الذي أصدره وتولى ترجمته مركز البحرين لحقوق الإنسان في العام 2009، بعضها يحمل تفاصيل مهولة، تكشف حجم العذاب والاستغلال والوحشية التي تم التعامل بها مع بشر كان الاقتصاد البحريني وقتها يقوم على سواعدهم والاستغلال في أبشع صوره، وبعض منه يمكن الوقوف عليه من خلال مضمون وهدف وثيقتين (إعلانين)، واللتين هما بمثابة قانون ملزم وقتها، حاولتا أن تضعا حداً لتلك الممارسات اللاإنسانية ضدهم، لتعود الحال إلى ما كانت عليه، وربما بشكل اسوأ.
أول ما يمكن أن ترصده الذاكرة، أن تشارلز بلجريف، طاف ربما بشكل عابر على ما يعانيه غوّاصو اللؤلؤ في يومياته التي بدأها يوم الاثنين (5 أبريل/ نيسان 1926)؛ بحسب الترجمة التي بين أيدينا، وهنا يجب التنويه إلى أنها لا تشكّل ما يعادل حتى 10 في المئة من اليوميات الأصلية التي كتبها.
كان ذلك بداية عهده بالمهمَّة التي اطلع بها بعد إعلانٍ تم نشره في صحيفة “التايمز” البريطانية، للوظيفة الشاغرة، وتحديداً في أغسطس/ آب 1925.
هذه الإضاءة على هامش يوميات المستشار، تتعزز باستشهادات من مصادر شتى تتعلق بجانب من معاناة الغواصين، وردت فيها تفاصيل، وتقدم صورة قريبة لواقعها وحقيقتها.
الحركة الاحتجاجية الأولى
لن تمضيَ 5 أشهر على ذكْر أوضاع الغوّاصين، لتشهد البلاد “تحرك نحو 200 غواص من المحرق إلى الصخير في حركة احتجاجية سلمية مبكّرة في ديسمبر/ كانون الأول من العام 1926، ومطالبتهم الحكومة والمستشار بزيادة مبلغ (التسقام) التي خفّضتها السلطات إلى 80 روبية للغيص و60 روبية للسيب”، ليتم الامتثال للمطلب و “يعاد رفع مبالغ التسقام العام 1929”، بحسب ما ذكر الباحث والأكاديمي محمد حميد السلمان، وذلك في صحيفة “الوسط” في العدد 4018، الصادر يوم السبت (7 سبتمبر 2013)، في قراءته لوثيقتين (إعلانين) تعودان إلى العام 1929، إلى جميع نواخذة الغوص والجزوي. صدرت الوثيقة الأولى في 8 من شهر ربيع الثاني 1348 هـ (13 سبتمبر/ أيلول 1929م)، والثانية في 15 من شهر رجب 1348 هـ (17 ديسمبر/ كانون الأول 1929م).
ويضيف السلمان “سبقت احتجاجات ديسمبر 1926، إعلانات حكومية أصدرها المعتمد السياسي البريطاني في البحرين الميجور كلايف ديلي، وتحديداً في العام 1923، كانت بمثابة إصلاحات وتنظيمات إدارية تتعلق بمهنة الغوص”. كانت الشكاوى والأعباء والتجاوزات والفظاعات قد وصلت حدّاً لا يطاق؛ وتحولت الممارسات إلى ما يشبه الاستعباد، وإلى نوع من أنواع الرق؛ بل الأمر كذلك.
وثيقة ديلي “حاولت تخفيف شكاوى وأعباء الغواصين وديونهم التي كان السبب الرئيس فيها هو مبلغي (السلف) وكان يُدفع للغاصة في بداية موسم الغوص لتوفير جوانب المعيشة لأسرهم خلال فترة غيابهم في عرض البحر”.
لم تمضِ سوى 9 سنوات على وثيقة العام 1923 الإصلاحية، لتحدث ما عرفت بثورة الغوّاصين في العام 1932، وحينها لم ينتظر بلجريف في اتهام الغواصين بإثارة الشغب والاضطرابات، ووصم المتصدين لها والذين كانوا في الصفوف الأمامية منها بأنهم أصحاب فتن.
المستشار أكد إطلاق النار بضراوة على المتظاهرين من قبل الشرطة والذين كان بينهم جنود أجانب (هنود) وأسفرت المواجهات عن قتل عدد من المتظاهرين الغواصين وجرحى في صفوف الشرطة.
بلجريف: يُباعون ويُشترون
كتب بلجريف يوم الاثنين (5 أبريل/ نيسان 1926): “غواصو اللؤلؤ - الذين هم مصدر كل الثروة بهذا البلد - هم في الواقع عبيد يتلاقفهم ربابنة السفن (النواخذة) العرب وغيرهم، ويباعون ويشترون. حقاً لقد كان السائد أمراً مروّعاً حتى شن (دالي) (ديلي) هجومه وقاوم بعض هذه الانتهاكات”، في إشارة إلى الوثيقة التي صدرت قبل 3 سنوات من تسلّمه مهامه؛ لتحظى فترته بتحرّكين للغواصين؛ وإن كان الثاني جاء مع بداية اضمحلال قطاع اللؤلؤ الطبيعي، مع اكتشاف الصناعي (المستزرع) في اليابان في العام 1929؛ وبداية عصر الثروة النفطية، ودخول مرحلة جديدة لقطاعات سيُبنى عليها شكل ومضمون الاقتصاد في المنطقة، وما سيتمخض عنه من تحولات تطول كل مناحي الحياة.
في 18 مايو/ أيار 1926، يكتب عن لجوء ربابنة السفن للشكوى ضد الغوَّاصين، في المقابل، لا يتردد الغواصون في التقدم بشكاوى إلى المحاكم وتكدّس القضايا ضد النواخذة، بعد أن طفح بهم الكيل، ولم يعد هنالك مجال لتسوية أوضاعهم، ووضع حد للانتهاكات التي يتعرضون لها، مما سنُبرز جانباً بسيطاً من شواهده وفظاعاته، ضمن مصادر أخرى.
يقول بلجريف: “الآن ومع بدء موسم الغوص خلال بضعة أيام، هناك الكثير من القضايا في المحاكم. ربابنة السفن يقاضون غوّاصيهم البائسين، وبضعة غوّاصين يتجاسرون بالشكوى على سادتهم. قلت لعجوز يهودي ذي لحية بيضاء بأنه محتال - فبدا مسروراً بالفكرة! (ضمن ضعف الترجمة اختيار مفردة “الفكرة” السياق يُفهم منه: فبدا مسروراً بالنعْت لا الفكرة) بإمكان المرء معرفة النواخذة (ربابنة السفن) وبدرجة أكبر نواخذة الأرض، وهم ملّاك السفن الفعليّون من على بعد ميل واحد، إنهم شخصيات بارزة ترتدي بشكل رائع وممتلئي الأجسام، مع شيء من مظهر الشخص الدائن للمال. هم في الحقيقة تجّار عبيد...”.
في مرضهم: علاجهم موتا في البحر
التوحش كان في سباق مع الابتداع في أشكال التعاطي مع الغوّاصين، وحتى غيرهم من أصحاب مهن وحرف على اليابسة، وذلك ليس موضوعنا. ربما يظل البحر شاهداً، لو قدّر له أن يسرد جانباً يسيراً من قصص أولئك الذين قادتهم أقدارهم لكي يكونوا فقراء وتحت رحمة العوز، أولئك الذين ظلوا مرتهنين إلى بعض من المحسوبين على البشر، وقد اكتظت أنفسهم وقلوبهم بكل تلك القسوة والإمعان في الظلم والإذلال.
في يوم السبت (12 يوليو/ تموز 1930): “كانت لدينا قضية غوّاص مريض جداً في عرْض البحر، وأشار عليه ربان السفينة (النوخذة) بالقول، إن عليه أن يغوص، ولأنه لم يقوَ على ذلك جعله يبقى على حافة السفينة طوال النهار على نهاية الحبل في البحر أثناء قيام الرجل الآخر بالغوص. إنها أكثر نماذج الممارسات غير الإنسانية وحشية”.
ويتبع بلجريف القصة تلك، بأخرى بعد شهر، وتحديداً يوم الثلثاء (19 أغسطس/ آب 1930) قد تبدو أقل وحشية لكنها لا تقل عن نموذج القصة الأولى، ففي حين يُترك المرضى في عرض البحر عرضة لأسماك البحر حين يتحول إلى قبر لهم، نجد في النموذج الثاني من التعامل والممارسات، ما يشي برغبة ترك أولئك يموتون ببطء. يكتب “ناقشتُ قضية أصحاب السفن الذين يأتون برجال مرضى من مناطق صيد اللؤلؤ، ويُلقون بهم على الساحل تاركوهم ليموتوا (هكذا وردت في الترجمة... والمقصود وقد تركوهم “ليموتوا” أو يتم انتشالهم صدفة غير آبهين بهم أبداً.
لا تسقط الديون بالموت
في كثير من المراجع، سنقف على تكرار كثير من الممارسات وبالتفصيل المؤلم، تلك التي يتعرض لها الغواصون في حياتهم وفي مماتهم أيضاً. فقط يكفي أن نعرف، أن ديْن الغوّاص لا ينتهي في حال الوفاة؛ إذ يرث أبناؤه الدَّين، وإن كانوا سيّئي حظ بعدم التمكن من الوفاء بالدين سيكونون أمام واقع هو أشبه بالجحيم إن لم يتجاوزه بمراحل.
قد يتزوج بعض الطوّاشين أو النواخذة زوجة البحار بعد تطليقه منها جبراً، وقد حدثت حالات مشهودة تتجنب المصادر الإشارة إلى أسماء، لما تمثله تلك الطبقة من ثقل وتأثير في بيئاتهم ومجتمعاتهم.
يصل الأمر أحياناً إلى طمع الطواش أو النوخذة في الزواج من ابنة المدين، ولا يهم بعد ذلك صغر سنها، وفي حالات أخرى لا يتردد الدائن في الاستيلاء على البيت. وشهدت منطقة السنابس طرد عائلة من بيتها، وتركها نهباً وعرْضة للطريق، باستيلاء أحد تجّار اللؤلؤ في العاصمة (المنامة) على البيت.
هنالك أيضاً عمليات انتقال الغوّاص أو البحار من نوخذة إلى آخر، كما تنتقل السلع لسداد دين.
على الهامش: قضايا غش وتُهم
وبالعودة إلى بلجريف في يومياته، يكتب على هامش ما يحدث في ذلك القطاع (قطاع اللؤلؤ) عن عمليات وقضايا ترفع وتحقيق يتعلق بعمليات غش أو اتهام. نجده في يوم الأربعاء (2 يوليو 1930)، يكتب حول مناقشة قضية اللؤلؤ الصناعي التي حدثت العام الماضي (1929). “كان (...) قد حاول معه لأن يسمح للرجل بالمتاجرة هنا ثانية وذلك لأنه أخ لزوجته (أو زوج أخته). قلت بأنني سأحيل القضية إلى الشيخ لينظر فيها بنفسه. لقد كان متعباً إلى حد ما. أقام الرجل دعوى ضد الهندي الذي باعه اللؤلؤة في بومبي، وقد توصل القاضي إلى أنه لا يوجد دليل على أن الرجل الذي باعه اللؤلؤة كان بالفعل على علم بأنها مزيفة، وهذا لا يؤثر على القضية ولكنهم أرادوا منا إلغاء الحكم...”.
في المقابل هناك غش صريح يتم الوقوف عليه وكشفه، وهو ما يتطرق إليه بلجريف يوم الثلثاء (5 يوليو 1932)، بالقول: “جلست بجانب الينبوع (العين) أتحدث مع غوّاص من إحدى القرى القريبة، والذي كان قدم لتوه من البحر، قال، إن اللآلئ كانت أفضل هذه السنة. كان على متن السفينة العائدة إلى (...)، وقال، إن الغوَّاصين قد عرفوا بأنه غشّهم ولم يعطِهم قسطاً عادلاً من مدخول اللآلئ. تكلّم كثيراً حول الغوص وقال، بأنها لعبة حقيرة الآن، ولا تعود على الغوّاصين بأي ربح”.
يذكر، أن تشارلز بلجريف، وصل إلى البلاد في مارس/ آذار 1926، وبدأ بعد شهر من وصوله البحرين كتابة يومياته. من مواليد العام 1894، وشغل منصب المستشار الخاص ومستشار الشئون المالية لحاكم البحرين سمو الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة في العام 1926، براتب سنوي يقدّر بـ 720 جنيهاً إسترلينياً. أصبح مستشاراً للحكومة البحرينية في العام 1933. درس اللغة العربية في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في العاصمة البريطانية (لندن).
ساهم في الكثير من الإصلاحات الإدارية الحكومية، كما عمل على تحديث وتنظيم قطاعات، الصحة، التعليم، الجمارك، الشرطة، الجهاز القضائي والبنية التحتية للبلاد.
العدد 4437 - الخميس 30 أكتوبر 2014م الموافق 06 محرم 1436هـ
زمن النوخدا ولي بدون عوده
فترة الغوص الحمد لله ولت بفضل اليبان عندما صنعت اللؤلؤ رحمة للناس خلصتهم من زمن الأستعباد من قبل تجار اللؤلؤ وكثير من الغواصين ماتوا وهم مدانون للتجار والبعض سلبت حتي منازلهم
هل هنت بحريني؟
ليس باستطاعتك تشبيه الؤلؤ البحريني ب الؤلؤ الياباني الاستطناعي. هذا شيئ و ذلك شيئ آخر. و سبب موت و فقدان الكثير من الغيص في ذلك الزمن هو فقدان ابسط معايير التي تخوّلك للقدوم على ذلك. ما كان في بدلة و اوكسيجين و لا اجهزة تنبية و حماية ضد اسمك القرش المفترسة. و لعدم وجود وسيلة سريعة للنقل او اسعافات اولية, يكون من الصعاب انقاذ حياة الغيص. هذه كانت و لا زالت مهنه شريفة, و الحكومة سمحت لأي بحريني صيد و بيع الؤلؤ من غير تصاريح و عواقب. الشتاء على الأبواب و الهيرات تنادي.
sunnybahrain
السلام عليكم ،،ماشاء الله بلدنا البحرين كانت مشهوره ولها صيتها في البر والبحر من قديم الزمان ،،وكن للاسف ،،بدل ماكانت تسمى ببلد اللؤلؤ ،،وبلد المليون نخله ،،الان تسمى ببلد المليون { مج..... } السلام عليكم ،