إن متابعة ما يجري هذه الأيام في المشهد التونسي تدعو إلى إعادة قراءة المشهد برمته في المنطقة العربية التي تشهد قلاقل وحروباً لا يبدو أنها ستنتهي إلا بعد مرحلة زمنية مرهقة.
ولكن البداية كانت بسبب تونس، البلد الذي أحدث التغييرات الجذرية في المناخ السياسي العربي وأدى إلى هبوب رياح الربيع العربي في العام 2011. وتونس «الثورة» هي تونس «الحرية»، كما يحلو للبعض أن ينعتها، وهي اليوم تسير نحو تحول ديمقراطي حقيقي أفضل حالاً من البلدان العربية التي إمّا سقطت في قبضة سياسات أمنية صارمة أو أصبحت ضحية صراعات وحروب ضروس.
ولعلّ السلاسة في العمل السياسي المدني في مناخ يحترم التعددية السياسية، الحراك النقابي، الوعي، التعليم... جميعها عوامل ساهمت دون شك في تشكيل قدرة شعبية بتونس تسمح للشعب بالاختيار لأن يمارس حقه في إطار دستوري، يحفظ الحقوق المدنية والسياسية، لجميع التونسيين دون استثناء. وهذا بالضبط ما حدث؛ فعندما انتصر العلمانيون أقر الإسلاميون أمس الأول (الاثنين) بهزيمتهم في الانتخابات التشريعية التي سينبثق عنها أول برلمان وحكومة دائمين في تونس منذ الإطاحة مع مطلع العام 2011 بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي داعين إلى حكومة «وحدة وطنية».
هذه الروح وهذا الموقف الراقي في التعامل عند التونسيين يعكسان حقيقة المناخ الحر في تونس، هذا البلد العربي الوحيد الذي يسير حالياً نحو تحقيق دولة مدنية حرة، تسعى إلى تأسيس مجتمع حر. وهو أمر ليس صعب المنال في ظل الوعي الكبير والوطنية العالية عند التونسيين الذين لا يمكن أن يقارنوا بشعوب وبلدان المنطقة العربية الأخرى التي مازالت للأسف أسيرة بيئة تسيطر عليها أعراف بعيدة عن السياسة المدنية الحديثة.
التونسيون هم أول من أطلق شرارة التغيير في المنطقة العربية، وهم أول من يقلبون موازين من يحكمهم عبر انتخابات نزيهة من خلال تحول ديمقراطي وعدالة انتقالية لا مثيل لها حتى هذه اللحظة في المنطقة.
أوضاع المنطقة تفاقمت بعد احتجاجات وثورات العام 2011، وسعى البعض لمقاومة مبادئ الربيع العربي من خلال تفعيل الأحقاد الطائفية بين الناس، ومن أجل سلب حلم الشباب العربي.
الملاحظ أيضاً، أنه وبينما سقط الإخوان في تجربة مصر وساهم ذلك في الانقلاب عليهم، فإن إسلاميي تونس المتمثلين في «حزب النهضة» أقروا بهزيمتهم في هذه الانتخابات وهنأوا منافسيهم العلمانيين المتمثلين في حركة «نداء تونس».
ولذا فإن متابعة المشهد التونسي تبرهن أن التغيير لا يبقى أسير الحزب أو الجماعة أو الفرد الواحد، كل شيء يحدد من خلال التصويت والانتخاب وعبر عملية دستورية توافقية.
إن انتصار السياسة المدنية في مناخ تونس الحر قد يكون بداية لتشكيل الدولة التعددية التي تسعى للحفاظ على قيم الحداثة والتقدم مع الالتزام بنهج التسامح والاعتدال.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4435 - الثلثاء 28 أكتوبر 2014م الموافق 05 محرم 1436هـ
شكرا
شكرا على هاده المقال والله اوفق شعب تونس وحقق مراد شعب البحرين وخلص الشعب من ظلم الحكومة