كثيرة هي الأخبار «عن» سورية، لكن وفي المقابل، قليلة هي الأخبار «من» سورية. السبب لا يزيد عن ظروف الحرب القاسية هناك، والتي تمنع تدفق أخبار ذات مصداقية. أما الإعلام الحربي من الطرفين المتصارعيْن (النظام الحاكم والتمرد المسلح)، فهو «إعلامُ حرب» لا «إعلام كلمة»، وبالتالي يصعب تصديقه بشكل تام، إلاَّ بإجراء مقاربات طويلة ومتعددة تمنحنا ولو جزءًا من اليقين الغائب.
قبل أيام، أعلنت عدد من الفصائل المسلحة في المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة السورية في حلب وريفها عن «اندماجها تحت اسم جبهة أحفاد السلاطين». بيان تلك الفصائل لم يأتِ بجديد فيما خصّ «أن هدف هذا التوحُّد هو التصدي لنظام الأسد وإسقاطه بكافة رموزه وأركانه وتقديمه للمحاكمة العادلة» كما جاء، لكن الجديد هو في التوقيع!
فقد مُهِرَ البيان بتواقيع الفصائل المتحالفة وهي: لواء السلطان محمد الفاتح، ولواء السلطان سليمان شاه، ولواء السلطان مراد. وللوهلة الأولى يُدرك المرء أن تلك المسميات هي لسلاطين أتراك من الدولة العثمانية التي حَكَمَت أجزاء كبيرة من المنطقة العربية والإسلامية والأوروبية، وعمَّرت منذ العام 1299 ولغاية العام 1923، أي قرابة الـ 624 عاماً.
وللتعريف بالمسمَّيات فإن السلطان محمد الفاتح هو سابع السلاطين العثمانيين (1429 – 1481). أما السلطان سليمان شاه فهو جد مؤسس الدولة العثمانية السلطان عثمان الأول بن أرطغل بن سليمان شاه. بينما السلطان مراد فهو أحد أربعة سلاطين عثمانيين، الأول بن أورخان وهو ثالث سلاطين الدولة العثمانية، والثاني بن محمد وهو سادسها والثالث بن سليم وهو الثاني عشر والرابع بن أحمد وهو السابع عشر.
وبعيداً عن السَّرد التاريخي لحقبة الاحتلال العثماني لمناطق واسعة من بلاد الشام ومن بينها سورية، فضلاً عن تواجدها في شبه الجزيرة العربية، وبالرجوع إلى البيان المذكور وتفسيرنا لخاتمته، فهو يشير إلى شكل جديد من الصراع الدائر في سورية، يتمحور حول طبيعة النظرة التركية للأراضي العربية وبالتحديد السورية منها، ولمستقبل أي حكم فيها، وهو مؤشِّر خطير تجاه مستقبل قِطْر عربي في مهبّ الريح بعد ذهاب العراق.
في المرحلة السابقة، كان الموقف التركي يُترجَم من خلال الموقف السياسي من نظام الحكم في دمشق، ومن استقبالها للاجئين السوريين كحالة إنسانية «مُقدَّرة»، وتدريب المعارضة المسلحة، وتمرير المسلحين من شتى أنحاء العالم، واستقطاب ضباط الجيش السوري النظامي. أما الآن، وفي ظل «عنونة» تركية جديدة للصراع هناك، وتقديمه على أنه امتداد معنوي وروحي مرتبط بتاريخ الدولة العثمانية وشخصياتها وسلاطينها، فهو أمرٌ آخر تماماً، ويعكس حقيقة المواقف السابقة لأنقرة مما كان ولا يزال يجري في سورية.
خطورة الأمر يتعلق بعروبة سورية ووحدة أراضيها. فالموقف التركي خلال المفاوضات مع الأميركيين كان واضحاً في تثبيت قدمٍ له داخل الأراضي السورية عبر «حجَّة» إقامة منطقة عازلة بعمق ثلاثين كيلومتراً لإيواء وحماية المدنيين. بمعنى أنها ستكون على بُعد 18 كيلومتراً فقط من حلب، لتحيط بكافة المناطق الموجودة كأعزاز وعفرين وصوران ودودبان والراعي وغيرها من المناطق.
وإذا كانت أنقرة تطمع في حلب كأرض مُضافة لها، فإن ذلك يعني أن 18.500 ألف كم ستُقتَطَع من سورية ومعها و4.6 مليون سوري كما حدث للواء الاسكندرون الذي ملَّكهم إياه الفرنسيون. كما أن ذلك سيجعل الأتراك على تماس مع كل من الرقة وحماة وإدلب، وهو ما يعني تضييق الخناق على قطاعَيْ الصناعة والزراعة السورييْن حتى مع وجود حكم ديمقراطي جديد في دمشق، وجعل التحكم في ممرات العبور البرية في يد الأتراك.
هذا الأمر قد لا يكون غريباً في ظل المساعي التركية الحثيثة لتحقيقه في سورية. وقد تحدث العديد من محللي الأحداث في الغرب، أن من بين أهم الملفات المُختَلَف عليها بين واشنطن وأنقرة هي أن الأولى ترى في العراق أولوية قصوى الآن، في حين ترى الثانية أن أولويتها القصوى هي سورية، وكأن الموضوع إعادة تقسيم لإرث تاريخي يجب أن يُسَوَّى.
خلال فترة سابقة ظهر أن الدعم التركي للمعارضة للسورية قد زاد في العام 2012 بهدف إسقاط حلب، مفضِّلين تلك المنطقة على درعا القريبة من العاصمة، أو حتى العاصمة نفسها. وعندما انهارت سيطرة الحكومة السورية على نصف حلب تقريباً، قام الأتراك بدعم الجيش الحر حينها، لتصريف القاعدة الصناعية فيها ما أمكن.
لكن المشكلة التي تواجه الأتراك اليوم أن كرة الثلج التي دحرجوها في حلب قد توقفت إلى حد ما بعد دخول تنظيم «داعش» على خط الصراع في عين العرب وفي حلب وبالتحديد الريف وعموم المحافظات الأخرى.
كما أن المناطق الغربية والشمالية من المدينة، هي في يد قوات الجيش السوري النظامي، وكذلك السفيرة والعزيزية وتل عرن وتل حاصل، وصولاً إلى مطار كويرس العسكري، والنقارين والزرزور وتلة الطعانة، وكرم الراتب والجزماتي والمعصرانية وحي كرم الطراب، وهو ما أدّى إلى اتساع مدى المنطقة المحيطة بمطار حلب الدولي ومطار النيرب العسكري وتأثيره على المحافظة، وهو ما يعني أنها ستكون في حالة اشتباك مباشر مع دمشق لو تدخلت.
في المحصلة فإن تركيا لا تريد أن تعود سورية كما كانت حتى بسقوط النظام فيها، بل هي ترغب أن تعود بأجرٍ هي تحدده. والأجر الذي يظهر أنه شريط من الأرض باتجاه حلب.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4433 - الأحد 26 أكتوبر 2014م الموافق 03 محرم 1436هـ
السؤال هنا اين العرب
السؤال هنا اين اصحاب الكروش العربية المتخمة بالنفط هل تقبل يد واشنطن ام أسرائيل اولا !
ضد العثمانيين و الصفويين
انا ضد تدخل الأتراك في الشأن العربي و لكني في نفس الوقت ضد تدخل الايرانيين في الشأن العربي فكلاهما أعداء للعروبة
حقيقة العهد العثماني
كل واحد ينظر الي امر اوًشخصية حسب رغبته. لا يمكن احد ان ينكر بان العهد العثماني هو الأسوأ علي المنطقة.
السبب هو ظهور الثورة الصناعية في الغرب بينما لاحق العثمانيون القيم التافهة لترسيخ دوام سلطنتهم. وقعوا في الفخ مرتين. الاولي عندما شتتوا المسلمين بإثارة الحروب الطائفية بين الفرس و العثمانيين. الثانية عندما استنزف الصهاينة ثروة الدولة العلية ليؤسسوا كيانهم المصطنع. احياء هذه الأغلاط امر مشين.
متابع
و أيضا لا تخيب رجاءنا أستاذ محمد بالكتابة عن اليمن ، والله العظيم احترنا هناك ! . . . . ماذا يجري ؟
متابع
( إعلام الحرب ) و ( إعلام الكلمة ) موضوع يستحق الكتابة عنه ( خاصة تطبيقه في سورية ) ، أعتقد أنه سيفسر كثيرا من التباينات في وجهات نظر الجمهور سواء عن حقيقة الصراع في سورية وحقيقة طرفيها ، أو عن حقيقة الواقع الميداني و العسكري على الأرض ، سبب هذه التباينات رجوع كل جمهور إلى إعلام محدد من الطرفين وتصديقه بالكامل ، مما أدى لصراع بين الجمهورين كل يظن أنه هو الحق و أن المعلومة الصحيحة عنده ، أكتب في هذا الموضوع أستاذ محمد و لا تتردد !
الاحتلال
با أخي ولى زمن الاحتلال
من قال لك؟؟
الاتراك لازالوا يحتلون لواء الاسكندرون السوري
اختلف معك في
اختلف معك في تسمية ان تركيا آوجت اللاجئين السوريين لدواعي انسانية بل هي لدواعي تجنيد أبناء اللاجئين للعمالة الرخيصة في تركيا وتجنيدهم في وقود الحرب في بلادهم
بطلان شعارهم في سوريا
الاتراك الذين يدعون انهم مع الثورة السورية كانوا ضد الثورة الليبية بسبب مصالحهم ثم رجعوا وانقلبوا على القذافي ووافقوا على الحملة الامبريالية الغربية ضد ليبيا