لن يُصغي إليك أحد في هذه الهستيريا. أعني مَن صَنَعها أو ساهم في ما آلت إليه الأمور. هستيريا بعض المثقفين الذين تحوّلوا من كتابة الشعر والقصة والرواية والمقالة، ومارسوا الفنون، إلى ممارسة الوشاية والتخوين والنباح اليومي لسبب أو من دون سبب. ولكلٍّ ثمنه. للصمت ثمنه الأقل. للاصطفاف ثمنه وبالعملة الصعبة؛ بل سلّة من العملات!
يرحل مثقفٌ بوزن وحجم وتعدُّد اهتمام الراحل عبدالله خليفة، لتبدأ نصَّ نعْيه جهات ضيّقتْ عليه الرزق، ومارستْ عليه أشرس أنواع الرقابة المرئية وغير المرئية.
لم ينجُ الراحل من الانحياز إلى طرف دون آخر بداية الأمر. لأنه لم يكن معصوماً من الالتباس، وكلّنا كذلك؛ ولكنه يظل الأقل تأثراً بالتحريض، والنأي عن ممارسته؛ قياساً بالذين أداروا جانباً من «الزار» في «استوديوهات» أُعدّتْ لذلك، وعلى الهواء مباشرة.
لن تطمئن جهة له وقد وصفها بنعوت استقاها من شواهد وممارسات وعى عليها في الفكر الذي تأسَّس عليه وقرأ العالم من حوله تبعاً لمنهجيته. لن تطمئن الجهة نفسها، حتى وإن ذهب بعيداً قبل قرن أو يزيد، وهو يتناول صوراً ومشاهد ونماذج من نظام السخْرة الذي عانى منه الإنسان، قبل ما يطلق عليه وهْماً بداية تشكّل «الدولة الحديثة».
لم يكن الراحل مثالياً؛ ولكنه كان عصيّاً على التحكُّم فيه بالبرمجة التي شهدنا ونشهد. برمجة التقسيم والتحريض وترحيل مكوّن إلى البحر أو المريخ؛ كي لا تنكشف عورة «المواطن» متعدِّد الجنسيات، الذي اتخذ من هذه الأرض ابتداء لتاريخه المفقود والمُرحَّل، والتاريخ الذي يُراد كتابته بحسب المزاج، وبحسب الشعور الطاغي والمُتوهَّم بالمؤامرة؛ وعلى أهل الأرض أن يمارسوا احتجاجهم مادامت آلة تحويل التاريخ وكتابته تعمل على مدار الساعة لتغيير الواقع على الأرض.
لم يرقْ لكثيرين تعاطيه مع أداء أطراف التحوُّلات التي شهدتها البلاد منذ ما قبل إرهاصات مطلع العام 2011. وبطبيعة الحال لم ينْجُ من سخط وتخوين أحدها له؛ لكنه ظل يقرأ الحالة من دون ثبات في الرؤية؛ بل برؤية متحوِّلة تبعاً للتحوُّلات على الأرض. ولم تخْلُ تلك القراءة من التصحيح والاستدراك؛ وأحياناً التراجع؛ وإن وجد فيه أحد الأطراف اصطفافاً مع العناوين العريضة للمطالب؛ واختلافه مع المؤدِّيات والأساليب، وإن لم يستوعب طرف أيضاً مثل ذلك التصحيح والاستدراك والتراجع.
ولم يكُ ينتظر من أي من الأطراف تلك ثناءً يستدرجه؛ أو هجاءً يفتح شهيَّة الرد ببذاءة.
كان بمنأى عن الأطراف تلك، ضمن مسافة ارتأى أنها تتيح له رؤية أعمق وأشمل. وبعين الباحث والقارئ؛ لم يكُ ينتظر أيضاً أن يتطابق معه الواقع فيما استجد وسيستجد. ذهب في اجتهاده وهو محاصر بالقلق الذي يسكنه بشكل دائم. وفي الأوقات التي وجد فيها الحصار مُحْكماً، والرقابة ساهرة على «مدار الأنفاس»، لجأ إلى التاريخ من بوابة الرواية ليلتفَّ على الرقيب المشغول باللحظة والحاضر الموكول بمراقبته! كثير منهم يرى أن التاريخ ليس من اختصاصه؛ ربما لأنه من دون تاريخ!
انتقالاته بين الأشكال التعبيرية التي برع فيها وأجاد، أتاحت له قدرة على المناورة؛ والالتفاف على الرقيب؛ وتضمين الممنوع ما سمحت به موهبته من مباشرة الفعل والنقد والإدانة، والقليل من الثناء في القليل من حكيم الأداء؛ إذ في الكتابة فعل موجع لا يراه إلا الذين لا يكترثون بالخسارات.
قد يُصغي إليك أحدهم الآن وأنت في حلّ من السهر على المحاولة. محاولة الفهم، ومحاولة تدريب روحك على شجاعة التراجع والاستدراك؛ ولكن لا وقت لديك لتصغي إلى الاعتذارات المشروطة والمتأخرة، والإصغاء إلى مبعوثي الصفقات والإغراءات، وما يتيحون من النعيم المؤقت؛ تماماً كاللحظة المؤقتة!
لن يُصغي إليك أحد؛ لأنه لا وقت لديهم بانشغالهم في ترتيب النسخة الجديدة من الهستيريا مع كل خريف، اتقاء شرِّ ربيعٍ لم يتم حذفه بَعْد من دورة الفصول!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4433 - الأحد 26 أكتوبر 2014م الموافق 03 محرم 1436هـ
رحم الله عبدالله خليفة
رحم الله عبدالله خليفة ............ اني احترم موقفه من عدم الانصياع للكهنوت كبقية مدعي اليسارية في البحرين
المتمردة نعم
كل ما ناسف عليه انا حتى نحن اصابتنا هذه العدوى فاصبحنا اوتوماتيكيا وعميانيا مبرمجين ان كل معارض على حق وكل موالي فهو مخطيء .هذا الانقسام والتحيز سيفقدنا الكثير من المصداقية والبريق على مدى الايام المقبلة .الجميع مصطف مع من يعتقد انه سينقذه مما هو فيه حتى لو كان هذا الاخير مخطيء .وفي كل الاحوال لا زلت يا استاذ لاعب محترف تلعب على الحرف دون شخصنة وانحياز .كن كما انت والى الامام دوما
عادي جدا
الثقافة العامة هي ثقافة الموت. موروثة عبر الأجيال. عندما يكون الشخص حيا لا يسأل عليه احد. ينتظرون ليموت و ثم " يقومون بالواجب". الواجب يبدأ بعد الوفاة. يشيعون. ينتظرون ساعات لتحضير الميت و تكفينه ثم المشاركة في الدفن و تقديم العزاء لأهل المتوفي. بعد ذلك حضور الفاتحة لتقديم العزاء. الحضور بمناسبة كسر العزاء. الحضور في الأربعين. ثم السنة. يضاف اليه كتابة النشرات مدحا للمتوفي. اما عندما كان حيا لم يتصل احد به حتي هاتفيا ليسأل عن حاله. اليس هذا هو الواقع؟؟؟
رحمه الله وأحسن اليه
لم يترك احد ولم يترك هو رحمه الله لقد وصفت حالته وذهب لمليك مقتدر يغفر له ذنوبه وارتاح من الحالة التي ضع فيها يا تكون عبدا او لا مكان لك لكن الشرفاء لا يبيعون شرفهم بمال قارون