مسئول رئيس لتصميم البرامج وميسّر في منظمة «سوليا» المقال ينشر بالاتفاق مع خدمة «كومون غراوند»
شهد العالم أحداثاً إرهابية مسيئة لصورة الدين الإسلامي من خلال أشخاص يدّعون أنهم يمثلون الإسلام، كتفجير ماراتون بوسطن مثلاً، أو خطف منظمة «بوكو حرام» لطالبات مدرسة، والآن تنظيم «الدولة الإسلامية « (المعروفة أيضاً بالدولة الإسلامية في العراق والشام).
ومن المتوقع، مع كل هذه العناوين اليومية، ملاحظة تفاقم ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الغرب، فقد انتشر هذا الشعور كذلك من خلال شبكات التواصل الاجتماعي بين شباب الدول الغربية، وشباب الدول ذات الغالبية المسلمة، الذين تنتهي حواراتهم عادةً بتلقيب بعضهم بعضاً بالفاشيين.
وقد شهدت السنوات الأخيرة وفي ظل تفاقم هذه الظاهرة، بروز أشخاص يحاولون القيام بشيء مختلف، مبرزين وجود بديل للمواجهات القائمة على شبكة الإنترنت.
ويعتبر هذا البديل القائم على حوار مباشر وبنّاء حول القضايا الساخنة بين شباب من أوساط متنوعة، أساسياً إذا أردنا تمكين الشباب من التعبير عن قضايا تهمهم دون إحداث تصادم فكري.
ولعل من بين المبادرات التي تستحق الإشارة إليها، منظمة «سوليا»، وهي منظمة غير حكومية تستخدم التبادلات عبر الإنترنت لتحسين الفهم الثقافي بين الشباب في دول الغرب والدول ذات الغالبية المسلمة، من خلال برنامجها «إتصل» (Connect)، الذي يحث على التسامح والاحترام المتبادل بين المجتمعات لمحاربة «الإسلاموفوبيا» والمشاعر المعادية للغرب، من خلال مشاركة 500 طالب في كل فصل عبر شبكة الإنترنت ليتعلموا من بعضهم بعضاً.
صوفي مشاركة من فرنسا، كانت مقتنعةً بأن المرأة التي تلبس الحجاب مقموعةٌ وغير متسامحة، كما شعرت مريم من تونس بالسعادة لاغتنام فرصة إعلام صوفي أن لبس الحجاب كان خياراً شخصياً لها، احتراماً للمبادئ الإنسانية، حتى ضد رغبة أسرتها، كما أنها تحترم تقاليد ومعتقدات الديانات الأخرى.
بعد حوارٍ دار بين الفتاتين، شعرت صوفي أنها تعرف المزيد عن مريم، وأكثر تفهماً لديانتها. ومازالت الفتاتان على اتصال، تبحثان عن مجموعة متنوعة من المواضيع للحصول على المزيد من التوضيحات حول ديانة وتقاليد كل منهما، حتى تتمكنا من وقف التعليقات المتهكمة على شبكات التواصل الاجتماعي، وحتى لا يربط الجيل الجديد الإسلام بالإرهاب.
آية شابة أخرى من مصر، وعضوة في برنامج «إتصل» (Connect)، وهي مسلمة متدينة، فخورة بهويتها، لا تخاف من انتقاد ما أسمته بـ «الغطرسة الغربية». وهي أمور اعتبرها جيسون (مشارك أميركي) مُحبِطةً جداً، ولم يكن يعتقد أن هناك ما يمكن أن يفخر به المرء في الإسلام، وهو دينٌ -حسب رأيه- ينادي بالعنف ضد غير المسلمين.
احتاج الأمر إلى أسابيع من الحوار الميسّر بينهما لاكتشاف سبب وجود اختلاف وجهات النظر بينهما حول قيمهما. فقد شرح جيسون تركيز وسائل الإعلام الرئيسية التي يشاهدها على الإرهاب والأعمال المعادية للمسيحية في الشرق الأوسط، إضافةً إلى التصريحات المعادية للغرب من قبل بعض القادة المسلمين.
في فترةٍ لاحقةٍ من البرنامج، فَهِمَ كلاهما في حوار حول المعارف الإعلامية، كيف تنزع وسائل الإعلام التقليدية إلى إظهار جزء من الحقيقة فقط. نعم، الإرهاب وعدم التسامح موجودان في بعض أنحاء العالم الإسلامي، تماماً كما هما موجودان في العديد من المجتمعات الأخرى، ولكن هل يمكن أن يمثّل ذلك 1.5 مليار مسلم؟
وقد تغيّرت أفكار جيسون وتصوّراته المسبقة عندما أخبَرَت آية المجموعة كيف كانت جزءًا من حركة ناضلت من أجل منع ترهيب الأقليّة القبطية في مصر. وسمح ذلك أيضاً لجيسون لأن يتحدث عن بلده، بعيداً عن تركيز آية على سياسة الولايات المتحدة الخارجية، ولافتاً انتباهها إلى تاريخ طويل من حركة السلام الأميركية. ولم يحتج الأمر سوى التعرف على أسباب تلك الأفكار، وسرد تجاربهم الشخصية ليدرك هؤلاء أنه في نهاية المطاف، لم تكن هناك اختلافات كبيرة بينهما.
لدى الشباب الكثير من الأفكار، ولكن هناك قلة من الناس الذين يفهمونهم. فمن السهل الاعتقاد أنه من غير المحتمل أن يتحاور المرء بشكل بنّاء وباحترام حول مواضيع مثل نتائج الهجرة على المجتمعات الغربية، أو أثر العبارات الاسلاموفوبية على المسلمين. ما يجعل تقديم بديل للمواجهات التي تحدث في شبكات التواصل الاجتماعي ضرورياً. وتوفير أساليب سلمية للناس للتفاعل مع الشخص الذي يختلفون معه، لا يشكّل فقط أسلوباً للشعور بطمأنينة أكثر مع أنفسهم. وهذا ضروري إذا أردنا أن نتوقف عن تضخيم النزاعات، ومباشرة العمل من أجل السلام.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 4432 - السبت 25 أكتوبر 2014م الموافق 02 محرم 1436هـ