العدد 4431 - الجمعة 24 أكتوبر 2014م الموافق 30 ذي الحجة 1435هـ

الروائي سيلف: جورج أورويل منغلق... وإمكاناته متوسطة

سيلف-جورج أورويل
سيلف-جورج أورويل

معارك الكتّاب لا تنتهي، ولن تنتهي. في كل بلد متصيّد ومتذمّر، ومشاكس. يناور بالطريقة التي يتناول فيها كتابات أو مستويات الكتابة لدى نظيره؛ وخصوصاً إذا كان النظير قد احتل مكانة كبرى ومتميزة في المشهد الروائي والإبداعي ليس في بلده فحسب، بل في أنحاء مختلفة من العالم. المناورة تأتي في كثير من الأحيان في تلبيس التقييم، ما يشبه مع/ ولكنني ضد!

هذه المرة، خرج الروائي البريطاني ويل سيلف، واسمه الأصلي، ويليام وودارد سيلف، على القرّاء بعدد من التصريحات والتقييمات، والتناولات التي كانت في كثير منها صادمة، تلك التي تتعلق بمكانة الروائي والكاتب البريطاني الأهم في بريطانيا منذ العام 1945، جورج أورويل، صاحب أشهر روايتين في الـ 75 عاماً الماضية «حديقة الحيوان» و «1984». ربما يكون وصفه لإمكانات أورويل بأنها متوسطة، من حيث جودتها، على مقياس الإمكانات الكبيرة والعليا! من دون أن ننسى وصمه بالانغلاق، والحكم على أهم عملين له، بأنهما مرة يفتقران إلى النزعة التعليمية، وفي موضع آخر، هو ذو نزعة اجتماعية.

الكاتبة والصحافية أليسون فلود، كتبت تقريراً، رصدت فيه آراء وتناولات سيلف، يوم الاثنين (الأول من سبتمبر/ أيلول 2014).

تدخل اليسون في مجاراة لذلك الهجوم في مقدمتها. مجاراة متصوّرة في تعداد سيرة أورويل بلغة لا تخلو من التهكّم. تذكر إنجازاته لتختم كل ذلك السرد بالقول: ولكنه لم يكن رجلاً فاضلاً!: «حسناً، أنا أعرف من يكون جورج أورويل؟ التحق بمدرسة إيتون. أصبح اشتراكياً. تظاهر بأنه متشرّد. كتب عن الفقراء. حارب ضد فرانكو في إسبانيا. كتب (مزرعة الحيوان) المسيئة إلى الاتحاد السوفياتي، كتب رواية (1984)، التي حذرت من طغيان الدولة. مات بعد معاناة من السلّ. أصبح أكثر كاتب بريطاني مبجّل فترة ما بعد الحرب. هل فاتني شيء؟ كلا، ذلك يغطي كل الأساسيات في سيرته؛ على رغم أنك نسيت (الكلام موجّه إلى سيلف) أن تذكر أنه لم يكن فاضلاً!

ماذا؟ نعم، لقد اهتم بشكل واضح بالقضايا النبيلة، وخاطر بحياته من أجل تلك القضايا، كما لاحظ بذكاء أن الفاشية والشيوعية والفقر كل ذلكم سيئ، ولكن ككاتب ... تعلمون، أنه بذل قصارى جهده، ولكنني لا أريد أن أكون فظّاً (بذل قصارى جهده هنا بمعنى كل الجهد ذاك لا يمنحه المكانة التي تحققت له وتحصّل عليها!).

كيف تجرأت؟ تتساءل أليسون فلود. مهما عنيتُ ما عنيتُ! لستُ أنا فحسب. ويل سيلف يجرؤ على ذلك، وبشكل أقل مباشرة. ذكر أورويل، في مقالة له، سجّلها في القناة الرابعة التابعة إلى شبكة «إم بي سي» هل بريطانيا «متوسطة المكانة».

تنوع هجوم سيلف، ضد أكثر كتاب اللغة الإنجليزية تبجيلاً ومكانة لدى القرّاء اليوم في مختلف أنحاء العالم، حين وصفه بأنه «منغلق وذو نزعة اجتماعية لا تغيب عن ذي بال، يمكن الوقوف عليها في روايتيه، «مزرعة الحيوان» و «1984»، ولم يوفر سيلف مقالاتِ أورويل السياسية، واللغة الإنجليزية التي يكتب بها بالقول إنهما «خطئان صِرْفان».

بتتبّع هذا النوع من الهجوم والصِدام الذي يبدو استهدافاً لشدّته وحدّته، يمكن الاطمئنان إلى أنه لن يُكتب له أن يدوم طويلاً. أورويل في اللبّ ومصدر رئيسي وسائد في كثير من الاستشهادات، وخصوصاً مقولته «لا تستخدم أبداً كلمة طويلة حيث يمكن لكلمة قصيرة أن تؤدي الغرض».

سيلف مؤلف لم يشعر بالخجل، ولم ينأَ بنفسه عن تجيير مفرداته بشكل كبير. الآن، ومن خلال مقالاته الاستفزازية التي كتبها إلى «بي بي سي» وتحديداً برنامج «وجهة نظر»، وضع بالتفصيل الأسباب التي دفعته إلى مهاجمة كاتب بهذه المكانة العالية في المشهد الأدبي.

كتب سيلف، في واحدة من عمليات التحدي تلك، متناولاً قواعد أورويل للإنجليزية: «لا تستخدمْ أبداً عبارة أجنبية، كلمة علمية، أو مفردة برطانة إذا كنت تستطيع تخيّل ما يعادلها في اللغة الإنجليزية اليومية». يستمر سيلف بالقول: «إن الشيء الغريب هو أنه خلال فترة ما بعد الحرب كان لدينا العديد من القادة السياسيين، وحصلنا على واحد من متوسطي الإمكانات - في هذا المجال - فحسب، إنه جورج أورويل».

يقول الروائي سيلف، إنه يحب كتابة أورويل «بقدر حبه لكتابة الذين سيأتون من متوسطي الموهبة»، وقد قرأ بعضاً من كتبه «عدّة مرات»، ولاسيما «شبه ريبورتاج» الطريق إلى ويجان بيير ونزولاً وخروجاً من باريس ولندن من حيث صنع أورويل اسمه. «الخيال يقف هناك بوضوح أقل أيضاً، ولكن أنا لا أزال أجد الفضائل الراسخة من بين النقيض لها، في المشوَّهة والمسيئة. مشيراً إلى أن «مزرعة الحيوان» و «1984» تفتقران، وبشكل أكثر وضوحاً إلى النزعة التعليمية.

وكتب سيلف «أما بالنسبة إلى المقالات فإنها يمكن أن تعاد مراراً وتكراراً، إن لم يكن للمادة وحدها، فبالتأكيد لعدم بساطة النمط الأنجلو - سكسوني الذي ميّزها».

«مثل كل الزعماء طوال التاريخ، كانت لديه أيديولوجية لتبرير قاعدته»، كما قال سيلف. وكتب، نقلاً عن مقالة أورويل السياسية، واللغة الإنجليزية، والتي وضعت صاحب «مزرعة الحيوان» خارج القواعد المتبعة كثيراً، بما في ذلك «أبداً لا تستخدم المجاز، التشبيه، أو بنية أخرى من الخطاب الذي استخدمته». «لا تستخدم أبداً كلمة طويلة حيث يمكن لكلمة قصيرة أن تؤدّي الغرض»، و»إذا كان من الممكن أن تحذف كلمة، افعل ذلك دائماً».

«أورويل - يقال نقلاً عن مريديه - أنه أسّس مرة وإلى الأبد في أحد مقالاته، إلى أن أي شيء يستحق القول في اللغة الإنجليزية، يمكن أن يُعزى استحقاقه إلى الوضوح التام بحيث يكون مفهوماً لجميع القراء من ذوي الذكاء المتوسط»، ويقول سيلف: «المشكلة الوحيدة هنا، أن ذلك ليس صحيحاً؛ علاوة على أن أورويل كان مخطئاً بوضوح».

يُذكر، أن ريك آرثر بلير، هو الاسم الحقيقي لجورج أورويل، وهو الاسم المستعار له والذي اشتهر به. صحافي وروائي بريطاني ولد في 25 يونيو/ حزيران 1903، وتوفي في 21 يناير/ كانون الثاني 1950.

اشتهر عمله بالوضوح والذكاء وخفة الدم والتحذير من غياب العدالة الاجتماعية ومعارضة الحكم الشمولي وإيمانه بالاشتراكية الديمقراطية.

يعتبر القرن العشرون أفضل القرون التي أرّخت الثقافة الإنجليزية. كتب أورويل في النقد الأدبي والشعر الخيالي والصحافة الجدلية. أكثر شيء عرف به هو عمله الديستوبي رواية «1984» التي كتبها في العام 1949، وروايته المجازية «مزرعة الحيوان» العام 1945، واللتان تم بيع نسخهما معاً أكثر من أي كتاب آخر لأي من كتّاب القرن الحادي والعشرين.

كتابه «تحية لكتالونيا» في العام 1938 كان ضمن رصيد خبراته في الحرب الأهلية الإسبانية، والمشهود به على نطاق واسع على أنه مقاله الضخم في السياسة والأدب واللغة والثقافة. في العام 2008 وضعته صحيفة «التايمز» في المرتبة الثانية على قائمة «أعظم 50 كاتباً بريطانياً منذ العام 1945».

استمر تأثير أعمال أورويل على الثقافة السياسية السائدة ومصطلح أورويلية الذي يصف ممارسات الحكم الاستبدادي والشمولي والتي دخلت في الثقافة الشعبية مثل ألفاظ عديدة أخرى من ابتكاره مثل الأخ الأكبر، التفكير المزدوج، الحرب الباردة وجريمة الفكر وشرطة الفكر.

يُشار إلى أن ويل سيلف، واسمه الأصلي، ويليام وودارد سيلف، مؤلف إنجليزي من مواليد 26 سبتمبر/ أيلول 1961، كتب للصحافة، وهو شخصية تلفزيونية معروفة.

له تسع روايات، وخمس مجموعات تضم قصصاً قصيرة في مجال الخيال، وخمس مجموعات قصصية قصيرة تحوي موضوعات أخرى. تُرجمت أعماله إلى 22 لغة. دخلت روايته «مظلة» ضمن القائمة المختصرة لجائزة مان بوكر. معروف لكونه صاحب خيال ساخر، وبشع، وخيالي، وتدور أحداث قصصه في الغالب داخل العاصمة (لندن)، وتتضمن موضوعاته غالباً المرض العقلي والمخدّرات والطب النفسي.

مساهم منتظم في الكتابة إلى عدد من الصحف ودور النشر، من بينها «الغارديان»، «هاربرز»، «بلاى بوي»، «نيويورك تايمز» و «لندن ريفيو أوف بوكس». يكتب حالياً عموداً في «نيو ستايتسمان»، وعلى امتداد سنوات كان كاتب عمود في صحيفة «الأوبزرفر»، و «التايمز» و «إيفيننغ ستاندرد».

العدد 4431 - الجمعة 24 أكتوبر 2014م الموافق 30 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً