استضافت صالة أبعاد للفنون التشكيلية معرضاً مشتركاً للخط العربي، أنجز لوحاته خمسة من الخطاطين هم: حسن الساري، ومحسن غريب، وياسر ضيف، وحسين فتيل، وأمير العويناتي، وذلك في الفترة 14 - 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2014. حضر المعرض مجموعة من الفنانين التشكيليين والمهتمين، الذين أبدوا تشجيعهم لصالة «أبعاد» وصاحبها الخطاط عبدالشهيد خمدن، على الاهتمام بالخط العربي والاحتفاء بالخطاط البحريني، كما أشادوا بمستوى المعروضات الفنية وإنجازات الخطاطين في هذا المعرض.

وخلال تسعة أيام ازدهت الصالة بثلاثين لوحة فنية، يتجلى فيها الحرف العربي بجمالياته المتعددة، متخذاً أبعاداً مختلفة من لوحة لأخرى ومن يد خطاط لآخر، حيث أنجز حسن الساري خمس لوحات مزج فيها الكولاج باللعبة اللونية، أما محسن غريب فقدم خمس لوحات أخرى تعكس الجرأة في التعامل مع اللون واللعب بالحروف، فيما قدم ياسر ضيف ست لوحات تشتغل على جماليات التشكيل وتداخل العبارة، أما حسين فتيل فكان نصيبه سبع لوحات تجسد الأجواء الروحية والنفسية التي يشيعها الخط العربي وروحه في الأشكال والكلمات، بينما توجّه أمير العويناتي في لوحاته السبع للتقشف في اللون ليسرجها بروح خالصة من الخط الكوفي القيرواني القديم.

ياسر ضيف: تداخل الحروف

في لوحاته الست المستطيلة وباللعب على جمالية التشكيل وتداخل الحروف، وظّف ضيف ثلاثة خطوط أساسية هي الثلث بتداخلاته الموسيقية، والفارسي برشاقة قوامه، والديواني بتقوساته الأنيقة، وراح بحرفية آخذة يسرج هذه الحروف بألوان مضيئة وخلفية قاتمة ليبرز ألق الحروف وهي تتوسط اللوحة، حتى تمنحه الآيات القرآنية التي خطها في شيء هالة المعنى. وبآية «تبارك الله أحسن الخالقين» تشرق اللوحة ويزدهي اللون الأبيض بنصاعته ووضوحه من بين غموض اللون البني القاتم، ليشكل حالة من التضاد الموحي.

ويبرع ضيف في توظيف الأزرق وإبراز جمالية خط الثلث عبر كتابة آية «ولله في خلقه شئون» حيث تبرز الآية باللون الأصفر والبرتقالي الساطع وسط الأزرق القاتم حد الإظلام ما يسهم في ظهور الآية المكتوبة بشكل جلي وواضح، وتبدو الحروف متداخلة في الأسفل بلون بحري كقاعدة أو كموج متداخل بعضه في بعض تستكن عليه الآية كسفينة تسير مخفورة بالسلامة إلى حيث يوجهها الله.

حسين فتيل يستوظف شكل التعويذة

يجتهد فتيل في لوحاته الست ليجسد الأجواء الروحية التي يشيعها الخط العربي في التشكيل حين تتداخل الحروف في بعضه البعض، وذلك من خلال كتابة، بعض الآيات القصيرة استنهالاً للبركة والخير كما في آية «رب اشرح لي صدري» التي تم كتابتها بما هو أشبه بالقلب بألوان دافئة جداً، حيث يختلط الأصفر مع الأبيض والبني مع السطح البارز أحياناً ليعطي الإحساس بالتعتق والقدم والهدوء والسكينة. وفي نفس هذا الإطار تسير بقية اللوحات حيث يكتب فتيل بعض قصار السور ويسير بالشكل والألوان مع نفس أجواء الآيات كما في كتابته وسورة الفلق «قل أعوذ برب الفلق» في صورة يستوظف فيها شكل التعويذة من حيث تداخل الحروف واشتباكها كما يكتبها مدعو السحر. هكذا يتحول العمل السحري إلى سحر آخر هو سحر جمالي حيث تحاول اللوحة فك العمل السحري بسحر فني، أو إشاعة أجواء الاطمئنان بما يمنحنا إياه العمل الفني من هدوء وتأمل وسكينة يبعثها في النفوس. ففي حالة كتابة سورة الناس «قل أعوذ برب الناس» ترى في تداخل الحروف وشفافية الألوان ما هو أشبه بحالة فنية تستوظف الأجواء النفسية التي رسمتها الآيات لتبديد الخوف من المس والوسوسة بالسكينة والاطمئنان القلبي، كذلك بقية الاختيارات بما يحيلك على أن ثمة اقتناصات محددة للكلم الطيب حيث تتلاشى الألوان كلما اتجهت الريشة لأعلى اللوحة انجذاباً للبياض ولهالة النور العليا كما في لوحة «وقل رب اغفر وارحم».

أمير العويناتي احترام بكل اللغات

العويناتي فضل أن يتجه لشكل الخط العربي القديم الذي تفرعت منه الخطوط واقتصر في لوحاته السبع على الخط الكوفي، مع شيء من الزخرفة الفنية أحياناً ولعبة لونية متقشفة ولكنها متنوعة من لوحة لأخرى، فمرة يكتب آية «وبينهما برزخ لا يبغيان» ويضعها وسط الأزرق والأخضر لينقلنا إلى أجواء المعنى وسط البحر، ومرة يخط «نون والقلم وما يسطرون» وسط تمرينات مختلفة للحروف، ومرة يكتب كلمة احترام بمجموعة مختلفة من اللغات من العربية إلى الإنجليزية إلى الفرنسية إلى الإسبانية إلى اليابانية وغيرها. هكذا يقدم الفنان في لوحته تحية لهذه القيمة العابرة للأجناس واللغات، وكذلك هي رسالة الفن قادرة على العبور دائماً، بما يحيلك إلى أن لدى الفنان مجموعة من الأفكار قابلة لأن يكون لكل منها معرضاً يختص بها في يوم من الأيام بحسب ما تتفتق به الموهبة وتتجه إليه العزيمة.

محسن غريب: رشاقة الحروف

غريب فضل في هذا المعرض أن يغيب الكلام ليترك للحرف العربي في خمس لوحات أن يتجلى بلعبة لونية تعكس القدرة الفنية على التشكيل والجرأة في تحريك الحرف على اللوحة بكل رشاقة، حيث تتباهى الحروف في لوحاته بتقوساتها، وسط خلفية زرقاء أو صفراء. ودائماً ما يبرز الديواني والثلث أو النسخ لتتجلى من خلال هذه الخطوط الثلاثة جماليات الخط العربي وقد اقترن باللغة اللونية، التي يريد من خلالها أن يبرز مهارته في اللعب باللون واللعب بالحرف كما يشاء، أو كما تشاء له الريشة ويشاء له اللون، بما يشعرك أن ثمة شيء من التخطيط والتصميم السابق للوحة مع الكثير من التلقائية التي لا تنبِّئنا بما سيؤول إليه الشكل النهائي في اللوحة الفنية.

حسن الساري: كولاج يبحث عن معنى

الساري في لوحاته الخمس يستوظف الكولاج مع اللعبة الفنية وبقايا الحروف وهكذا تتشكل لديه اللوحة، حيث يبدو الفنان في لوحاته كمن أغمض عينيه وترك لمشاعره أن ترسم اللوحة وتستحضر من الكلمات الحروف ما تبقى من طيف، فثمة قصاصات نثرها في اللوحة، وثمة بقايا من حروف، وثمة خافية لونية فارهة تحيط هذا المزيج لتشكل مجموع اللوحة مرة في شكل مربعي ومرة في شكل المستطيل بما يمنح العين شيئاً من التأمل للتنقيب عن التفاصيل التي تركها الساري في لوحاته للبحث عن معنى الذي ربما هو في اللوحة أو في خارجها أو المشاهد ذاتها ربما أو فيما حوله وكل بحسب قراءته، وتلقيه، بما يمنح المحملق في اللوحة فسحة للبحث عن المعنى أنى شاء وكيفما شاء.