في المطار تمر بوجوهٍ مختلفة، بحالاتٍ متباينة، بأمزجةٍ تتنوع كتنوع الأمتعة والحقائب التي تنتظر الأيدي كي تمتد لانتشالها من أماكنها المخصصة والمضي بها إلى حيث المكان الصحيح.
في المطار تتعرف على حالاتٍ بشريةٍ عابرة، بعضها يترك في وجدانك الكثير، لدرجة أنك تحمل طيفه إلى موطنك بكل ما احتوته تقاسيمه ومشاعره وبشريته من توافقاتٍ وتناقضاتٍ واختلافٍ وتشابهٍ بك وعنك ومنك، ليكون نواة مشروع فني أو أدبي أو إبداعي مهما كان جنسه.
العابرون الذين تصادفهم في المطارات ابتداءً من عامل النظافة الذي ينتظر الغبار ليحين موعد عمله، وصولاً للموظف خلف منضدة شركات الطيران الذي يتفحص تذاكر السفر جيداً ويسألك: هل تحب الجلوس بالقرب من النافذة؟ ليحجز مقعدك وكأنه يهبك المدى خصوصاً حين تكون رحلتك طويلة، وليس انتهاءً بموظف الجوازات الذي يتفحص الوجوه ليمرر الأسماء مبتسماً أو متململاً في أوقات الذروة من المواسم. هؤلاء هم العابرون بذاكرتك، المقيمون في مواقع عملهم، لكنك العابر بهم جسداً وروحاً، أما العابرون في المطار - كأنت- فهم المعنى الآخر لاستكشاف ميول وأمزجة البشر؛ فموضات الملابس مختلفة، وقصات الشعر تكاد تأخذك إلى عالمٍ كرتونيٍّ أحياناً لغرابتها، وطريقة الكلام واللغة واللهجة، أمور شكلية قد تقرأها يوماً وقد تشاهدها عابرة على شاشات التلفاز أو السينما، لكن الاستكشاف الحقيقي يكمن في معرفة حالات العابرين النفسية، وانتظارهم، وكيفية قضاء أوقاتهم في المطار وصحبتهم وطريقة اختيارهم للأماكن وتعاملهم مع من حولهم.
باستخدام انتباهك لما حولك، تتعرف على قصص العابرين الكثيرة التي منها تتعلم وتترك العنان لمخيلتك كي تزهو بها وترتب أحداثاً وتختلق أخرى، ربما لا صلة لها بالواقع إلا حين تتحدث إلى العابر أو يتحدث إليك بحكايته بكل تفاصيلها؛ فما تلك التي تنظر لساعتها كل دقيقتين إلا واحدة ممن يحاولون قتل الوقت بالقلق متناسين أن القلق هو العامل الأول الذي يضاعف الوقت ويعثّر عقارب الساعة كي لا تسير بسرعة، فيما يقطع اندماجك بهذه القصص صوت صراخ يعلو من أحد المقاعد لطفل لا يتجاوز العام ترك وحيداً على المقعد لتبدأ لديك قصة جديدة حول مكان والديه ولماذا تركاه من غير حماية.
الحقيبة الكبيرة التي يحملها الآسيوي على ظهره المحني لكثرة ما حمل من متاع وكثرة ما احتطب من هموم، تجعلك تفكر في طبيعة عمله وموطنه وسبب عدم ترك الحقيبة مع بقية الحقائب في بطن الطائرة.
كل هذا التوغل في ما حولك من تفاصيل يمنحك ضوءاً يختبر إحساسك بالحياة بكل ما بها من مكونات. ضوءٌ يغريك لأن تتوغل أكثر وتعرف أكثر عن هؤلاء، لا فضولاً وإنما توسيعاً للمدارك والمعلومات.
ملاحظة: كُتِب هذا المقال وأنا في المطار في انتظارٍ طويلٍ لرحلة قصيرة، عرفت خلاله جمالية الالتفات إلى العابرين في المطارات.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4430 - الخميس 23 أكتوبر 2014م الموافق 29 ذي الحجة 1435هـ
نفَس شعري
نَفَس شعري تَرْشَح به مَسامّ المقروء فَيُغوي بالقراءة كَرّة بعد كَرّة، و قدرة على التقاط للتفاصيل الصغيرة ـ و هي في متناول إدراك الناس جميعا ـ وإعادة صَوغها بِبَنان المبدع
لتَعذُب في ذائقة المتقبّل . طبعا لولا بسيط الهنات .
حس الصحافي
الالتفات لما حولك له جمالية خاصة
و لكن تفتح مدارك عقول البشر لتذوق
و الحس الصحافي لمتسه من خلال كلماتك
موفقه أختي
ليس المطار وحده
أسألي صغارك عن حكاية جميلة وهم يتصفحون الوجوه متنقلون في حافلة المدرسة فهناك الكثير