ما بين الإغفاءة والصحوة والنوم، تراءت لي صفحات الصحف والمجلات ومشاهد تلفزيون العائلة وهي تعزف سيمفونية على آلات موسيقية متعددة، وأصوات الكورس تتابع حركات قائد الاوركسترا: أنت تعيش في حلم، أنت في دولة ديمقراطية، دولة المؤسسات والنظام والقانون، الكل متساوون أمام القانون، أما أي قانون فعلمه عند ربي! فلكلٍّ قانونه، ألا ترى الدستور الذي هو خلاصة التجربة الدستورية العالمية؟
ألا ترى مجموعة مجلدات القوانين، التي أحاطت بكل شيء من ثقب الأوزون إلى باطن الأرض الحراري؟ ألا ترى مشروع مبنى المجلس الوطني الذي سيضاهي برلمان ويستمنستر البريطاني؟
ألا ترى اننا حققنا إنجازاً عجزت عنه باقي الدول وهو تقديم 1300 متهم للمحاكمة في يوم واحد لشعب تجاوز قليلاً نصف مليون، وهو إنجازٌ يسجل في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية.
ألا ترى بأننا نقيم أحدث السجون حتى تستوعب براحةٍ الآلاف من السجناء في حين تعمد دول ديمقراطية، إلى التعاقد مع شركات لسجون خاصة؟ ألا ترى، الفصل الكامل للسلطات وتعاونها الناعم كساعة سويسرية بحيث لا يتخذ قرار إلا من خلال الشرعية الدستورية، وبعد دراسة وتمحيص ومشاركة الجميع في القرار، من أحزاب وجمعيات وخبراء وعصارة الشعب... أي النواب والشوريين؟
ألا ترى المعجزة الاقتصادية التي حققناها ونحن بلد قليل الموارد ولكن الغني بموارده البشرية الخلاقة والتي لم تكفِ لسد احتياجات التنمية المتسارعة، فجلبنا ضعفهم من العمالة الأجنبية كعصارة للكفاءات العالمية؟ ألا ترى أننا تغلبنا على صغر مساحة البحرين رغم أن ثلاثة أرباعها محجوز لاحتياجات أجيال المستقبل، وذلك بدفن البحر وحققنا المقولة الساخرة «بلِّطْ البحر»، فنحن البلد الوحيد حتى قبل هولندا في ردم البحر، وتحويله إلى مشاريع ومدن حديثة أو ما يعرف (Avantgarde)، تضم مكاتب حديثة للشركات المتدفقة على البلاد ومساكن وخدمات راقية مثل منهاتن تماماً.
توالت الصور على عقلي الباطن وأنا في خدرٍ لذيذ، وإذا بعملاق يظهر فجأةً أمامي ويصرخ فيّ: «اِصح من أوهامك»! طائرة مروحية تئِزُّ في الفضاء، والغاز الخانق يملأ البيت، ما تسبّب لي في حكة مؤلمة. إنها غارةٌ لتنظيف الحي من الإرهابيين. خرجت أستطلع الأمر فإذا الشارع مقفل بحاجز مدجج بالسلاح. حاولت الالتفاف فإذا الأسلاك الشائكة تسدُّ المنافذ الجانبية أيضاً.
اتصلت بنائبي الذي انتخبته مناشداً إياه التدخل لفك الحصار فردّ بلهجة حازمة: «أنت تعرف المصلحة أحسن من الحكومة؟»، بالطبع لا!
حاولت الاتصال بمسئول أعرفه من أيام الدراسة فردّ بخشونة: «اجلس في بيتك ولا تتستر على المخربين وخلي أصحاب الشأن يشوفوا شغلهم». وتوالت المشاهد التي نعرفها، لجأت إلى «التويتر» وإذا التغريدات المتناقضة، البعض يتحدث عن اكتشاف خلية إرهابية تستهدف القيام بعمليات لو قُدّر لها أن تنجح لحدثت كارثة، والبعض يتحدّث عن صبية قطعوا الطريق بالإطارات المشتعلة فلاحقتهم العيون الساهرة، وها هي تبحث عنهم في الحي.
طالعتُ الصحف في اليوم التالي وفيها صورٌ لوجوه بابتسامات مثبتة تتحدث عن انجازات رائعة، إلى جانب تفنيدٍ لادعاءات المتخرصين والحاقدين والخونة، والذين هم أقلية معزولة، لن تعرقل مسيرة التنمية والإصلاح الجبّارة. «تلخبط» عقلي ولم أعد أعرف الحقيقة، هل نحن في نعيمٍ لا نقدّر قيمته أم في جحيم عقاباً لنا على نكران النعمة؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4430 - الخميس 23 أكتوبر 2014م الموافق 29 ذي الحجة 1435هـ
ألا ترى ؟
هم في أمان ونحن في رعب .
هم في عيش رغيد و نحن في فقر .
هم في راحت البال ونحن في هم وغم .
هم في سوء العاقبة إن شاء الله ونحن لنا المستقبل .
الفيصل والمنتقم هو الله .
يقدر ما يشاء سبحانه .
مقال رائع دكتور
هذا هو الواقع الذي نعيشه ... حكومة تعيش الاوهام ... وشعب يعيش الواقع
مقال جميل
وتستمر هذه المشاهد والدراما لحين يأتي فرج الله
ماذا عسانا أن نقول
الحل جدا بسيط لكن لا يراد له أن يحصل بسبب المتمصلحين غير الاصليي وهم كثر
سيسجل ما يحصل في البحرين في كتاب عجائب الزمان لابن الزعفران
نعم العجائب هي ما يحصل في هذا البلد قبل قليل قرأت على صفحة محليات بعض التهم التي سيقت للرجل الشيبة الستيني واحد التهم تضحك الثكلى حيث كانت التهمة اتلاف دوريتين . فما ذكرته يا استاذ هو ضمن الحلقة المتكاملة
ابنعيم
نحن في نعيم ومن النعم علينا نري كثيرا من الخريجات يراجعون وزارة العمل للحصول علي 100 دينار بعد مراجعة 6 اشهر نحن في نعيم جلب الالاف من جميع العالم للوضاءف الدوله والشركات نحن في نعيم لجلب المدرسين والمدرسات والاطباء واطباءنا في السجون نحن في نعين المرشحين لنا يمني وبلوشي وباكستاني نحن في نعيم الحمد لله هدا البلد للمؤسسات ولا فلا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسلم ايدك
احسنت ووفقت في المقال رائع جدا