من المتفق عليه في الكثير من الأدبيات السياسية العربية، أن نظام الحكم الذي تدار به الدولة العربية في أغلب الوطن العربي، ومنذ القدم، قائم على مفهوم حكم الغلبة وكملكية خاصة، حيث يعتبر ما فوق وما تحت وما في الدولة موروثاً خاصاً.
من هذا المنطلق تصبح الدولة دولةً ريعيةً تتوزّع خيراتها من قبل الحكم، وعلى أساس مقدار الولاء والزبونية والانقياد لصاحب الثروة.
ولذا، عندما طرح في اجتماع ضمَّ خبراء ومفكرين سؤال يتعلق بماهية السياسات التي تتبنّاها الحكومات العربية تجاه رعاية الشباب العرب وماهية نتائج تلك السياسات، كان جوابي الشخصي بأنه في الواقع، لا توجد سياسات، وإنّما توجد سياسة واحدة تتلخّص في ضرورة احتواء شباب الأمّة تحت جناح سلطة الحكم. قد تتجلّى تلك السياسة في صور شتّى، ولكنها تبقى في حقيقتها سياسة واحدة.
وتحقّق الدولة العربية ذلك الإحتواء من خلال أدوات وطرق متعددة. فمن خلال وزارات الشباب والرياضة يتم الصهر والإشراف، الثواب والعقاب، الأولويّات والممنوعات، والتوجيه والإغواء. ولذلك فالرياضة، البعيدة عن السياسة والتساؤلات، تحظى بالرعاية الأكبر، بينما الثقافة المليئة بالتساؤلات وإيقاظ الفكر والضمير، تحصل على الرعاية الأدنى.
أما لعبة الجزرة والعصا فتمارس من خلال الأجهزة الأمنية المحصية لكل شاردة وواردة، لكل الطموحات والأحلام والمواقف. فالدخول إلى الجامعات والحصول على البعثات، وامتلاك جواز السفر، والالتحاق بوظيفة، والترقيات وأمثالها يقررها التقرير الأمني وتوصياته وتحذيراته.
وفي عالم الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، يمرر إلى ذهن الشاب الغضّ البريء كل ما يوجّه ويسيطر ويخدع ويشوش ذهنه ومشاعره ونفسيته، ليبقى مستسلماً للوضع الذي يعيشه وقابلاً لمحدداته ومبرراً لنواقصه.
ثم هناك مؤسّسة فقهاء السّلاطين بعدم الخروج على طاعة وليّ الأمر، لكيلا تكون فتنة. وإذا أريد غمس المجتمع في فتنة طائفية فإنّ لديها التاريخ وكتب التراث وأساطير الصّراعات السابقة وكل الرمزيات والتفاسير الدينيّة لتغرف منها جميعاً ما تشاء.
عن نتائج تلك السياسة أشرت إلى المفارقة المذهلة لحصيلة تلك السياسة الإحتوائية وأدواتها الهائلة، والتي مورست عبر عقود طويلة منذ استقلال الدولة العربية. الحصيلة التي تمثّلت في ثورات وحراكات الربيع العربي، الرّافضة لكل ما قامت عليه سياسة الاحتواء تلك، بل والرافعة لشعارات تغييرية جذرية كبرى.
لا يمكن تفسير تلك المفارقة إلا بالتأكيد على أن سكون شباب الأمة العربية عبر السنين لم يكن نتيجة بلادة فهم أو قبول بخطابات الاحتواء المتعدّدة. لقد أثبتت أكثرية شباب الأمة العربية بأنها كانت تختزن في داخلها خطابات أخرى هيّأتها لذلك الألق الذي أضاء في سماء العرب قبل أربع سنوات.
لذا فإن أيّ تقرير سيصدر من أية جهة بشأن تمكين الشباب العربي، يجب أن يشير إلى أن الخطابات السابقة، في شكل دساتير وقوانين لا تطّبق ولا تحترم، أو في شكل إعلام ترفيهي مضلّل، أو في شكل توجُّه للولاء الخطأ أو للزبونية الإنتهازية... مثل هكذا خطابات ذهب زمانها. المطلوب هو الفعل الصّادق الشفّاف المبني على مبادئ المواطنة والعدالة والتساوي في الفرص، الفعل المعبّر عن الحقّ الطبيعي والإنساني والإلهي، وليس عن المكرمات والاستجداء والعطايا المذلّة للكرامة الإنسانية.
لنعد إلى المقدمة لنطرح السؤال التالي: هل هكذا دولة إرثية ريعية، مثقلة بنفقات عسكرية تزيد أحياناً عن ضعف المتوسط العالمي، مبتلاة بضعف وتخلُّف الإرادة السياسية لإدارة النزاعات المذهبية والإثنية والقبلية التي تتفاقم وتهدّد الوجود العربي... هل هكذا دولة يُعتمد عليها لبناء جماهير شبابية عربية مستقلة في فكرها، حرة في ممارسة التزاماتها المدنية، مساهمة في عملية التنمية الإنسانية، متجددة في ثقافتها ومتفاعلة مع حضارة عصرها؟
دعنا نكن صادقين مع النفس: سواءً أتحدثنا عن الشباب أو المرأة أو الفقر أو الانتقال إلى عالم المعرفة أو أهداف الوحدة العربية والحرية أو الاستقلال الوطني أو القومي، فإننا في النهاية سنعود إلى إشكالية الدولة العربية التي عجزت عن أن تحل المسألة التي تقوم عليها شرعية سلطتها لتصبح شرعية ديمقراطية عادلة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4430 - الخميس 23 أكتوبر 2014م الموافق 29 ذي الحجة 1435هـ
الاحتواء
أليس الواقع أدهى وأمرّ ؟ " الثقافة المليئة بالتساؤلات وإيقاظ الفكر والضمير، تحصل على الرعاية الأدنى ( و الصواب : الدنيا ) " تبدو يا دكتور متقائلا إلى حد كبير ، إنها لا تحظى بشيء من ذلك البتة ، بل تُبلَّد الافهام و تُساق القطعان عبر الإلام و التعليم و... من أجل الاحتواء و التدجين تحت جناح الحاكم بأمره .
6
راح اكوون معاك صريح دكتور .. كنت معجب بافكارك .. وكنت افتخر بوجود مفكر في البحرين بهذا النضج وبهذا الطرح.. ولكن بعد الاحداث الجسيمة والتي مازالت .. تبين ان ما تقوله مجرد فقاعات في الهواء .. لانك سقطت في اول امتحان .. وكان سهلا .. لذا صرت لا اثق في ما تكتبه .. لانه ببساطه لا يدخل القلب .. ولانه مجاملات .. لا يخدم قضايانا ..
لماذا وقعت على اجتماع الاعيان ؟
انت متناقض في كلامك وقعت على وثيقة الأعيان ومقالك يناقضها جدا .
والحل سنو يا دكتور
ماهو الحل اذن يا عميد المثقفين .. يصيبنا اليأس حين نرى ........................لمنظر الفذ بلا رغبة ولا خطوة في الواقع لخلق الأحلام .......................
مقال جميل
نعم الشباب عمود المستقبل وبالعلم تنمو وتتطور المجتمعات , وسواء الشباب والمرأة من غراس المعرفة والتفاعل والتاثير , وتمكينهم الريادة والعمل هو الحل للنهوض بالمستقبل الواعي مع جانب ذو الخبرات , ولكن ف رايي المتواضع بأساس الدين القويم اولا يتم النجاح ف جميع المجالات الباقيه , هذا اذا لم يحد من تحرك الشباب والمرأة وذوي الخبرة الطغاة والظلمة والمفسدون ف الارض . اللهم صل على محمد وال محمد . خاتون .
كلام
كلام
ختامها مسك..
صح لسانك دكتورنا العزيز