العدد 4430 - الخميس 23 أكتوبر 2014م الموافق 29 ذي الحجة 1435هـ

زباري: دول الخليج تعاني من شح الموارد المائية ولا يمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتي

تغير المناخ أبرز تحديات الأمن الغذائي في المنطقة

وليد زباري
وليد زباري

تصدرت قضية الأمن الغذائي في الوطن العربي معظم النقاشات والمنتديات العربية بشكل خاص والعالمية بشكل عام، إذ يجمع الخبراء على أهمية إدارة الموارد المائية والغذائية بالمنطقة العربية، باستخدام «العلوم» والإعلام العلمي الفاعل في التغيير.

فيما حذر الخبراء من تزايد حجم العجز المائي والغذائي في المنطقة العربية، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، مع تأكيد إمكانية سد العجز إذا استطاع منتجو الحبوب العرب الرئيسيون رفع كفاءة الإنتاج والري إلى المعدل العالمي، وإن تحقيق الأمن الغذائي يتطلب تعاوناً إقليميّاً.

في ضوء ذلك، ولتسليط الضوء على هذا الموضوع، أجرينا هذا الحوار مع مدير برنامج إدارة الموارد المائية بجامعة الخليج العربي وليد زباري، الذي سيشارك في مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) في عمّان، لبحث خيارات الأمن الغذائي في المنطقة العربية.

مامدى تأثير المناخ على الأمن الغذائي في الدول العربية عموماً، والدولة الخليجية خصوصاً؟

- بحسب الدراسات الحالية عن تغيرات المناخ في المنطقة العربية والخليجية، سيكون لتأثيرات تغير المناخ جوانبُ سلبية عديدة على الزراعة في المنطقة، حيث من المتوقع أن تزداد درجة الحرارة ويزداد معدل التبخر، وتقل معدلاتُ الأمطار جراء هذه الظاهرة العالمية، وبالتالي فإن من المتوقع أن تتناقص الإيرادات المائية في المستقبل، ويزداد الإجهاد المائي في المنطقة. وسيؤثر هذا بالطبع على الإنتاج الزراعي، ومن ثم الأمن الغذائي.

إذاً، ما هو المطلوب من الدول المتضررة من «الأمن الغذائي»؟

- يجب هنا التفريق بين مصطلحي «الأمن الغذائي» و»الاكتفاء الذاتي من الغذاء». الاكتفاء الذاتي يعني أن تقوم الدولة أو الإقليم بإنتاج كل ما يحتاج إليه من غذاء، بينما الأمن الغذائي هو القدرة على توفير الغذاء للسكان بغض النظر عن مصدره محليّاً أو خارجيّاً أومن خلال اتفاقيات مع دول معينة، بمعنى آخر هو عملية إدارة للغذاء تهدف إلى وجوده بشكل مستمر وبأسعار يستطيع السكان تحملها.

وبالنسبة إلى دول الخليج العربية فإنها بالطبع تحت الظروف الطبيعية من شحِّ الموارد المائية وفقر تربة والمناخ السائد، لا يمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتي، بسبب عدم امتلاكها الميزة النسبية لعناصر الزراعة هذه، لكن يمكنها تحقيق الأمن الغذائي من خلال توليفة معينة تتضمن الإنتاج المحلي والاستيراد الخارجي والاستثمار الزراعي الخارجي. وهذا ما تقوم به معظم دول الخليج حاليّاً.

ماذا عن مؤشر الأمن الغذائي العالمي؟

- بحسب مؤشر الأمن الغذائي العالمي الذي تم إعداده من قبل منظمة الأغذية والزراعة العالمية (FAO) وشركة مابلكروت |»maplecroft»، وهو مؤشر مركب من 18 دليلاً، فإن دول الخليج ومنها البحرين تقع في رتبة الدول ذات الأمن الغذائي المرتفع (7.5-10). ويرجع ذلك إلى قدرة هذه الدول المالية على استيراد الغذاء والاستثمار الخارجي بعيد المدى في الأراضي الزراعية للسلع الغذائية الأساسية.

هل توجد بحوث لحل أزمة الأمن الغذائي، وإذا هي موجودة، فهل تم تفعيل هذه البحوث؟

- هناك حركة بحثية مرتفعة نسبيّاً في الإنتاج الزراعي تحت الظروف الجافة، وفي كيفية استخدام المياه القليلة المتوافرة في الإنتاج الزراعي بعضها في مجال استنباط الأجناس النباتية المقاومة للجفاف والملوحة؛ لتتناسب والظروف الحالية والمستقبلية للمنطقة، وهناك أبحاث تتعلق برفع كفاءة استخدام المياه في الزراعة، وباعتقادي هذا هو الأهم للتكيف مع الظروف المستقبلية من تغير مناخ وزيادة عدد السكان، وخصوصاً اذا ما علمنا أن القطاع الزراعي في المنطقة العربية يستهلك أكثر من 80 في المئة من المياه المتاحة، وتنخفض فيه كفاءة الري إلى ما بين 40 و50 في المئة بسبب سيادة طرق الري التقليدية، أي الري السطحي والغمر التي تؤدي إلى هدر كبير في المياه. ولو تم رفع كفاءة الري بنسب قليلة بواسطة طرق الري الحديثة لتم توفير كميات كبيرة جدا من المياه، ستساهم في الانتاج الزراعي بدلاً من فقدانها.

ماذا عن توجه دول مجلس التعاون إلى تأمين الأمن الغذائي؟

- هناك حاليّاً توجه كبير في دول مجلس التعاون نحو طرق الزراعة الحديثة مثل الزراعة بدون تربة والتي تستطيع التغلب على محددات المياه والتربة والمناخ الزراعي غير الملائم، وتستطيع تحقيق وفر مائي يصل إلى أكثر من 75 في المئة، وتستطيع رفع الإنتاج إلى نسب تصل إلى عشرة أضعاف لوحدة الماء والمساحة المستخدمة، وتتناسب مع ظروف المناطق الجافة.

ففي استراتيجية إمارة أبوظبي لادارة المياه مثلاً، تم وضع هدف استراتيجي نحو التحول إلى هذه التقنيات الزراعية الحديثة، وفي البحرين هناك قطاع زراعي خاص بدأ في هذه التقنيات، وكذلك تستخدم الشركات الزراعية الكبرى في المملكة العربية السعودية هذه التقنيات في مزارعها.

هل الحكومات العربية لديها استراتيجيات لمواجهة الأمن الغذائي؟

- المنظمة العربية للتنمية الزراعية في الخرطوم لديها المعلومات عن ذلك، فبزيارة لموقعهم تجد العديد من التقارير والأنشطة على المستوى العربي.

كيف يتم تحسين موارد الأمن الغذائي في الدول التي تفتقر إلى هذه الموارد، مثل بعض دول مجلس التعاون؟

- برأيي أن الأمن الغذائي يمكن تحقيقه في البحرين والعديد من دول المجلس مثل قطر والكويت ذات الموارد الطبيعية المحدودة والمساحة الصغيرة، باستخدام سياسة تكاملية تعتمد على ثلاثة موارد للغذاء، أولها الاهتمام بالإنتاج المحلي من الغذاء وتعظيمه باستخدام أحدث الطرق الزراعية التي تتلاءم والبيئة البحرينية لإنتاج الخضراوات وكذلك التمور، وثانيها الاستيراد الخارجي للأغذية الأساسية، أي الحبوب بشكل رئيسي، وثالثها الاستثمار الخارجي لبعض الأغذية الأساسية. وبهذا يمكن تقليل المخاطر المصاحبة لتحقيق الأمن الغذائي في البحرين.

هل توجد اعانات من قبل الدول؟

- بدأت بعض دول المجلس الأخرى في تقديم أشكال مختلفة من الإعانات الزراعية الموجهة، وذلك بالتركيز على الإعانات الزراعية التي تشجع الاستخدام الكفء لمياه الري من خلال دعم أنظمة الري الحديثة الموفرة للمياه، وبناء البيوت البلاستيكية، وزراعة المحاصيل عالية القيمة النقدية، وزيادة استخدام المياه المعالجة في الري الزراعي. إلا أنه عموماً، لم تؤدِّ هذه الإجراءات إلى تخفيض مهم في كميات المياه الجوفية المستهلكة في القطاع الزراعي في دول المجلس، ولم تظهر تأثيراتها على تحسن حال هذه المياه الكمية أو النوعية. وتبين التقارير الحديثة استمرار هجر الكثير من المساحات الزراعية في دول المجلس وتحويلها إلى أنشطة أخرى، بسبب استمرار نضوب المياه الجوفية وزيادة درجة ملوحتها.

إذاً، ما هو البديل في القطاع الزراعي؟

- نجد أن بعض الشركات الزراعية الكبرى في دول مجلس التعاون مثلاً، بدأت فعلاً في التوجه نحو تقنيات الري الحديثة، وكذلك الزراعة الحديثة، وزراعة محاصيل ذات قيمة تسويقية عالية، وترك المنطقة التي لا تمتلك الميزة النسبية فيها بسبب المنافسة التجارية الخارجية، وذلك للتكيف مع الوضع الحالي لنقص المياه والأراضي وفي الوقت نفسه تحقيق الربح. ومن المتوقع أن يزداد هذا الأمر في المستقبل في الشركات الزراعية الكبرى بسبب حجمها وطبيعتها الديناميكية في اتخاذ القرار، إلا أن ذلك سيكون صعباً في غالبية المزارع الخاصة والصغيرة السائدة في دول المجلس.

ولذلك يبدو أن مواجهة التحديات الحالية التي تهدد استدامة القطاع الزراعي لا تحتاج إلى عملية تغيير في التفكير السائد الذي يقتصر على محاولات لتعديل الوضع فقط؛ فهي غير كافية وغير مستدامة على المدى البعيد، وإنما تحتاج إلى عملية (تحول جذري)، يتم فيها -إذا صح التعبير- تغيير (جينات التفكير) السائد حاليّاً، بحيث تتم - مع عملية التحول هذه - إعادة تأسيس القطاع والمجتمع الزراعي من قطاع بدائي ومتخلف يهدم بيده مقومات بقائه، إلى قطاع ومجتمع زراعي حديث متقدم يستطيع الاستمرار والتوسع تحت ظروف الندرة المائية، ويحقق - في الوقت نفسه - الأهداف التنموية الاجتماعية والاقتصادية لدول مجلس التعاون.

بنظركم، ماهي التحديات التي تفتقر إلى «الأمن الغذائي»؟

- تواجه التنمية الزراعية واستدامتها في الدول المتضررة تحديات مختلفة، لعل أولها وأهمها التحدي المائي المتمثل في ندرة المياه وتناقصها باستمرار بسبب التدني المستمر في نوعيتها الناتج عن استنزافها أساساً من قبل القطاع الزراعي نفسه، بالإضافة إلى اعتماد القطاع الزراعي على مياه أحفورية غير متجددة ستنضب عاجلاً أم آجلاً.

أما التحدي الثاني فهو محدودية الأراضي الصالحة للزراعة في بعض الدول وفقر محتواها العضوي، ما يؤدي إلى استخدام مكثف للأسمدة الزراعية، العضوية والكيميائية منها، لتحسين خصوبة التربة وزيادة الإنتاج الزراعي، الأمر الذي يؤدي إلى تلوث البيئة والتأثير على صحة الإنسان وتقليل ربحية المزارع.

العدد 4430 - الخميس 23 أكتوبر 2014م الموافق 29 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:23 ص

      لماذا جففت البحرين العيون؟

      لقد جففت البحرين العيون الطبيعية عندما جرفت البحر. لقد اخبرت الشركة العاملة بالقرب من مياه ميناء سلمان بان دفن المناطق البحرية سوف ينهي مياه العيون الحلوة بالبحرين فكان الجواب لا مانع انهوا هذه العيون كليا ونهوا الزراعة.

    • زائر 1 | 5:00 ص

      سياسة خاطئه

      لماذا لم تاتي دول التعاون بمياه الانهار في الشرق الاوسط بدل صبها في البحر ليستفيد الجانين و لماذا لم تستثمر دول التعاون في النباتات الصحراوية و النخيل بدل تدهور الزراعة بهذا البشكل الكبير.

اقرأ ايضاً