أعجب من الحكومة الفرنسية التي تدعي أنها أم الحريات في العالم ويضيق صدرها ببضع مسلمات يلبسن هذا البرقع وكأن لبسه أصبح خطرا على الفرنسيين وحرياتهم!
الرئيس الفرنسي «ساركوزي» قال إنه سيمنع لبس البرقع في فرنسا، وادعى أن لبس البرقع يمثل عبودية للمرأة لا يمكن أن تقبلها فرنسا!
وزاد قائلا: إن البرقع ليس من الإسلام، وأنه إهانة للمرأة وكرامتها، وأنه لن يقبل في فرنسا امرأة بلا كرامة!
أعجب من هذا التفكير الذي لا يمت إلى الحرية بصلة؛ بل هو ضد أبسط قواعد الحريات في كل القوانين الأرضية والسماوية.
كل القوانين تعطي الحق للإنسان أن يرتدي ما يشاء مادامت المسألة لا تتعدى القانون - في الدول التي تطبق القوانين - ولا تتعدى الشريعة - في الدول التي تطبق الشرع الإسلامي - ولست أدري تحت أي قانون يمكن إدراج أقوال الرئيس الفرنسي!
يقول: إن لبس البرقع عبودية للمرأة... قد يُقبل منه هذا القول لو كانت المرأة مجبرة على لبسه، فهل أجرى الرئيس إحصائية أو سأل النساء المبرقعات وعرف منهن أنهن مجبرات على ذلك الفعل؟
حتما لم يفعل ذلك... ومن المؤكد أن لا أحد يستطيع إجبار المرأة على البرقع خاصة في فرنسا... بل إنني استمعت إلى مجموعة من هؤلاء يؤكدن وعلى قنوات فضائية أنهن يرتدين النقاب بمحض إرادتهن وأنهم يرين في ذلك جزءا من دينهن... فإذا كانت المسألة ليست إجبارا ولا عبودية فما علاقة ساركوزي بهذه المسألة كلها؟
المرأة في فرنسا - وفي دول أخرى - إذا خرجت إلى الشارع أو على الشاطئ شبه عارية فلا حرج في ذلك لأن فعلها حرية شخصية يكفلها القانون!
ونادي العراة - للجنسين - هو الآخر حرية شخصية يكفلها القانون، رغم كل ما فيه من مخازي وقبح!
وزواج المثليين واعتراف بعض الكنائس به هو الآخر حرية شخصية تتوافق مع حقوق الإنسان والحريات العامة التي تكفلها الدولة!
إذا كان كل ذلك - وغيره من الحريات العامة فلماذا يضيق صدر الرئيس بهذا الواقع؟ لماذا لا يعده من باب الحريات العامة التي ينادي ويفخر بها!
أما أن لبسه من الإسلام أو سواه فليترك ذلك للمسلمين أنفسهم يقدرون فيه ما يشاءون... فهو إما أن يكون من الإسلام، وإما أن يكون من باب الحريات العامة، وفي كلتا الحالتين هو حق يكفله القانون... ولكن يبدو أن المسألة لها ليست كما يقول «ساركوزي» وإنما لها وجهة أخرى!
وعلى ذكر الحريات التي يُقال إن فرنسا تكفلها لكل المقيمين فيها أتساءل: لماذا يضيق صدر الحكومة الفرنسية إذا ذكرت «إسرائيل» بسوء؟ لماذا يُحال واحدا من أكبر المفكرين الفرنسيين إلى المحاكمة لأن له رأيا مغايرا عن المحرقة النازية؟
لقد فعلوا ذلك مع السيد «جارودي» وجعلوا أي نقد لهذه المحرقة جريمة يحال فاعلها إلى المحكمة ثم السجن! أين الحرية المزعومة!
لماذا تصمت فرنسا عن الجرائم والمجازر التي ارتكبها الصهاينة في غزة وكأنها لا تعنيهم بينما لم يصمتوا عن المظاهرات التي جرت في طهران لأن الحكومة الإيرانية تعاملت معها بعنف... أين هذا العنف من ذلك العنف؟!
لو تحدثوا عما جرى في غزة ثم تحدثوا عما يجري في إيران لقلنا معهم كل الحق، ولكن... أين العدالة التي صدّعوا رؤوسنا بالحديث عنها؟
في فرنسا عدة ملايين من المسلمين وليس من مصلحة فرنسا أن تخسرهم، وكذلك ليس من مصلحتها أن تخسر المسلمين في العالم كله... صحيح أن المسألة ليست منحصرة في «برقع» وصحيح أن اللواتي يلبسنه قلة، وصحيح - أيضا - أن المسألة في وجوب لبسه محل اختلاف بين علماء المسلمين، ولكن الصحيح أيضا أن دلالة منع لبسه هي التي تثير حفيظة الجميع سواء ممن يتعاطف معه أو لا يراه مطلقا.
وأخيرا... هل من حقي أن ألوم فرنسا على هذا الفعل في الوقت الذي تقوم بعض الدول العربية بفعل الشيء نفسه!
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2489 - الثلثاء 30 يونيو 2009م الموافق 07 رجب 1430هـ