الاحتفالية التي أقامها مركز ابن ميثم للدراسات والتراث على مدى ليلتين في الفترة (17 - 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2014) حول فكر الفقيه المحدّث الشيخ عبدالله بن صالح السماهيجي (ت 1723م / 1135هـ) تُعد خطوة نوعية في الاتجاه الصحيح على طريق الاهتمام بتاريخ البحرين وتراثها العلمي والأدبي.
ليست هذه الفعالية التكريمية الأولى من نوعها بطبيعة الحال، فقد شهدنا خلال السنوات الماضية جهوداً أهلية ورسمية في فعاليات مشابهة حول الشيخ ميثم البحراني، الشيخ قاسم المهزع، الشيخ حسين العصفور، الشيخ محمد أمين زين الدين وغيرهم لكن هذه الفعالية اتسمت بالكثير من الرصانة والالتزام العلمي من نواحٍ عدة، فهي:
- تجنبت اللغة الخطابية العامة والمعتادة، وسعت إلى أن تكون أكثر جدية في شكل الإحياء ونوعيته من خلال تقديم بحوث علمية تتخذ من مصنفات الشيخ السماهيجي وفكره منطلقاً لإثاراتها ومعالجاتها الفكرية.
- لم يكتف المنظمون بتقديم أربعة أبحاث علمية وثلاث كلمات ونص شعري واحد، بل رفدوا الفعالية بمعرض خاص تضمن بعض تراث الشيخ العلمي المطبوع، وهي ثلاثة كتب طبعت بالتزامن مع انطلاق الفعالية والكتب الثلاثة هي: (أجوبة مسائل الشيخ علي بن فرج الجنوساني) تحقيق الشيخ محمد عيسى المكباس، وكتاب (الخطب) وقام بتحقيقه الدكتور حسين السماهيجي، أما الكتاب الثالث فضم بين دفتيه (أبحاث المئوية الثالثة) والذي تضمن ذات البحوث التي طرح ملخصاتها أربعة باحثين في ليلتي الفعالية إضافة إلى بعض الكتب المطبوعة سلفاً كـ (الإجازة الكبيرة).
- وعلى هامش الفعالية عُرضت أعمال فنية لعدد من الرسامين جسدت مقاطع معبرة من حياة الشيخ السماهيجي، كما تم عرض ثلاثين أثراً خطياً من مصنفات الشيخ التي تربو على التسعين مصنفاً علمياً.
بحوث المئوية تناولت أبعاداً قيمة من فكر الشيخ السماهيجي، فقد استعرض الشيخ المكباس في بحثه المعنون بـ (فهرس مؤلفات ومخطوطات الشيخ السماهيجي) تسعين أثراً من مصنفات الشيخ، أما عيسى الوداعي فساهم ببحث حول (علم الكلام في البحرين من ابن سعادة حتى السماهيجي)، فيما اختار علي فرحان موضوع (القضايا النحوية في منية الممارسين) وهو أحد مصنفات الشيخ السماهيجي المخطوطة.
أما المساهمة التي قدمها كاتب هذه السطور فجاءت بعنوان (الأهمية التاريخية لإجازات علماء البحرين... إجازة الشيخ السماهيجي نموذجاً) وقد ارتكزت الورقة على دراسة إجازة السماهيجي للشيخ ناصر الجارودي والتي كتبت العام (1716م/ 1128هـ) أي قبل ثلاثمئة سنة تقريباً، وهي من الإجازات التي تصوّر طبيعة الحياة العلمية في البحرين في القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين.
لقد كانت المدونات العلمية التي كتبها علماء البحرين في القرون السابقة تنطوي على أهمية تاريخية بالغة الأهمية، لعدة اعتبارات: لأنها تؤرخ لمظهر من مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية، ولأنها تقدم شهادة محلية نادرة لجوانب مختلفة من حياة المجتمع والناس في العصور الماضية.
وتقترح هذه المدونات بدائل عملية للتاريخ المحلي في قبال الأرشيف الأجنبي الذي يرتكز أغلبه على الاهتمام بالجوانب السياسية والاجتماعية من حياة مجتمع البحرين بعيداً عن الاهتمام بالجوانب الثقافية ورصد الظواهر الإنسانية.
ثم إن هذه المدونات العلمية المحلية تقدم تاريخاً موازياً للتاريخ الرسمي، تاريخاً يكتبه المهمشون بلغة أهل العلم، المبرأون من أطماع السياسة وأهواء أهل السلطة وحساباتهم الخاصة القائمة على مبدأ المغالبة والاستئثار.
ومن التوصيات التي تضمنتها الورقة المطروحة ضرورة العمل على جمع الإجازات العلمية كافة لعلماء البحرين وتحقيقها، وإتاحتها للباحثين والدارسين ليستفيدوا منها، وتكثيف التواصل مع المحققين والمهتمين بالتراث البحراني المخطوط، وتقديم الرعاية المادية والتحفيز المعنوي والاحتضان العلمي لإخراج نفائس التراث المخطوط محققاً ومخرجاً إخراجاً يليق بأهميته التاريخية والعلمية، ومواصلة تنفيذ الفعاليات والأنشطة الثقافية والعلمية المتنوعة التي تهتم بإبراز التراث العلمي لعلماء البحرين عبر العصور والتعريف به وتكثيف النقاش حوله، واستكتاب الباحثين في مواضيعه ليشكل هماً لمثقفي الجيل الجديد من الشباب والأكاديميين، وذلك عبر عقد ورش عمل وتنفيذ مؤتمرات علمية، ومحاضرات متواصلة وغيرها من الأنشطة والفعاليات الفكرية.
إلى جانب تكثيف التعاون وتعزيز الصلة العلمية مع مراكز الأبحاث العلمية والمؤسسات التراثية في الداخل والخارج والمعنية بالتاريخ والتراث الوطني، وذلك بهدف التعريف بتراثنا البحريني، وتوثيق الأواصر العلمية مع الباحثين لتبادل الخبرات والاشتراك مع مشاريع علمية مشتركة.
كما اقترحت الورقة عدم الاكتفاء بإخراج النصوص التراثية لعلماء البحرين وطباعتها، بل العمل على جعلها منطلقاً للدراسات والأبحاث العلمية ومنبعاً أصيلاً يصلنا بالماضي ويقدم فهماً أفضل لتاريخنا وتراثنا بمناهج بحث حديثة وزوايا نظر تتسم بالمعاصرة والتجديد.
إن فعالية المئوية الثالثة لرحيل المحدث السماهيجي تُعد قفزة نوعية مهمة في سياق مأسسة العمل الثقافي الأهلي المنظم وتدل على قدرة المجتمع المحلي - بما يملك من كفاءات شابة - على العطاء في مجالات حيوية مختلفة في المجتمع. المأمول أن تتواصل هذه الجهود وتتكامل وتتعزز بصورة أكبر.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 4427 - الإثنين 20 أكتوبر 2014م الموافق 26 ذي الحجة 1435هـ
أعلام
شكرًا للمركز ابن ميثم للدراسات والبحوث على هذه الفعالية وننتظر المزيد من هكذا فعاليات