مَنْ يتذكَّر مثل هذا اليوم وهو العشرون من أكتوبر؟، ولكي نكون أكثر دقة: مَنْ منا ينسى هذا اليوم تحديداً؟! بالتأكيد، فأنا لا أقصد وفاة عبدالرحمن الغافقي، ولا الإمبراطور كارل السادس، ولا المستكشف فرانسيس برتون، بل ما أعنيه هو مقتل العقيد الليبي معمَّر القذافي على يد خصومه في مشهد حَمْلَقَ فيه مئات الملايين من الناس في الشرق والغرب.
أستحضر الرجل وفترة حكمة بعد مضي ثلاثة أعوام على مقتله. وعلى رغم الخلاف على «بربرية قتله وبشاعتها»، فإن ليبيا القذافي لاتزال محل اهتمام الكثيرين نظراً إلى جدليتها. ومنذ مقتله تكلَّم كثيرون، وصمت آخرون، وانحدرت ليبيا في منزلق حرب أهلية. من بين الذين تحدثوا مؤخراً هو أحمد قَذَّاف الدَّم. ابن عمّ القذافي وأحد رجال خيمته طيلة عقود.
تحدَّث الرجل في عشر حلقات إلى صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية. وهي حلقات متسلسلة تصلح لأن تُوضَع بين دفَّتَيْ كتاب، حيث جاوزت صفحاتها المئة، وكلماتها الـ 28 ألفاً، وتطرق فيها الرجل إلى أشياء كثيرة، وإلى حقب تاريخية. لا أريد استعراض كل ما جاء فيها بدءاً من خلاف القذافي مع السادات ومفاوضات الكيلو، وانتهاءً بمصرع العقيد، لكن من المهم، قراءة جزء من الذاكرة وتحديداً في الفترة الأخيرة لحكم الرجل.
فحكم العقيد كان فرديّاً، وغُلِّفَ بأفهام غامضة، وتسخير الثروة لأعمال لا تمت إلى التنمية البشرية بصلة، حين جعل من وجود طبقية كلاسيكية في ليبيا شبه غائبة لصالح مجتمع سياسي وهمي ليس به تكنوقراط. كما عَجِزَ عن خلق حالة طبقية ليبية متجانسة مع ما هو موجود في الدول الأخرى كما قلنا سلفاً.
وبعيداً عن تلك القراءة، أشير إلى أجزاء مما قاله قَذَّاف الدَّم في شهادته. فهو يقول إن القذافي بشكل عام لم يكن «يهتم بمتابعة الصحف والمصادر الإخبارية العامة بشكل مباشر إلا فيما ندر». واطلاعه «على الأخبار كان يقتصر على ما يَرِدْ من المكتب الإعلامي للقيادة» في حين كان «يستمع أحياناً إلى إذاعة بي بي سي»، لكنه كان دائم الشك في مثل هذه الإذاعات معتبراً أنها «تتبع المخابرات الغربية».
والحقيقة، أن غياب أي سياسي فضلاً عن زعيم دولة، عن متابعة ما يُكتَب وما يُذاع في الإعلام كسلطة رابعة يجعل من رؤيته للأحداث قاصرة، وربما تعطي انطباعاً عن عدم قدرته لسماع آراء أخرى، وخصوصاً إذا كانت من خارج بلده، حيث خطاباتها بلا قيود في تناول شخصه أو أداء نظامه السياسي، وهو ما «قد» ينطبق على حالة القذافي.
وعلى رغم أن قَذَّاف الدَّم يقول إن القذافي كان «يطالب باستقطاب العناصر العربية التي تعمل في المحطات الأجنبية، سواء إذاعة أو تلفزيوناً، على أساس أنها عقول عربية لا يجب أن تخدم في الطرف الآخر». لكنه عَجِزَ عن إصدار صحيفة أو قناة تلفزيونية مستقلة، قادرة على التحرُّر من اللغة الخشبية، حيث بقيت «قناة الجماهيرية» هي أقصى طموحه.
لقد كان السلوك الغريب والمتقلب للقذافي قد أدى إلى وجود فراغ داخل النظام الليبي، الذي غابت عنه الإدارة المهنية القائمة على تحديث أدائها بطبقة سياسية خبيرة، بل وحتى في تقوية الشئون الأخرى غير السياسة، كالثقافة على سبيل المثال.
وأيضاً، وعلى رغم أن قَذَّاف الدَّم قد أشار إلى أن القذافي «كان وراء إنتاج فيلم عمر المختار الشهير الذي قام ببطولته أنطوني كوين، وأخرجه المخرج السوري الراحل مصطفى العقاد»، لكنه أخفق في إطلاق حالة ثقافية في ليبيا. وبدل أن يفعل ذلك تفرَّغ لـ «مَنعَ آلة الغيتار» و»قال عنها إنها أدوات لتغريب شبابنا، وكانت هناك دعوة لتحطيم الآلات الموسيقية الأجنبية حين غزت ليبيا في الثمانينات»، كما جاء في الشهادة.
في جانب آخر من السَّرد الذي أدلى به أحمد قَذَّاف الدَّم يشير إلى مسألة الانتفاضة التي قام بها شباب 17 فبراير/ شباط. فالرجل ينتصر للقول الذي يذهب إلى أنه كانت هناك نوايا أخرى غير الانتفاضة على نظام «العقيد». فما قبل 20 فبراير نزلت «عناصر إنجليزية» ورَسَت «البارجة الفرنسية قبالة سواحل بنغازي»، وجرت اتصالات «مع السفير الأميركي ودخوله بواسطة زوارق» بحرية، فضلاً عن «تدفق مجموعات من أفغانستان عبر الحدود البرية». والحقيقة أن الاعتداء الغربي على ليبيا كان واضحاً فعلاً وهو ما لا يرضاه أي عربي غيور، بالرغم من الموقف من حكم القذافي، الذي لا يمكن أن يكون محل إعجاب أحد بالأساس.
يقول قذاف الدَّم: «فوجئنا بالمجموعات التي تحمل أسلحة» وهي «تهاجم معسكرات القوات المسلحة وتزحف من بنغازي إلى الغرب ناحية حقول النفط في مناطق البريقة وراس لانوف». وعندما زار هو القذافي في ذات يوم 17 فبراير «جرى إرسال وفود للتفاوض» مع «المسلحين ومعرفة ما يجري»، لكن «الأحداث كان فيها إصرار على تسريع وتيرة العمل لإرباك المشهد الليبي ولجرنا إلى مواجهة مع الغرب» ثم يقول: «ما كان لنا أن ننجر لها».
يُدافع قذاف الدم عن خطاب معمر القذافي الذي قال فيه: مَنْ أنتم. فهو يقول إن كلام القذافي لم يكن موجهاً إلى الليبيين، بل إلى دول وأطراف خارجية، معللاً ذلك بالقول بأنه في ذلك الوقت بدأ إعلام تلك الأطراف في التصعيد ضد حكم القذافي. وخصوصاً أن الأخير كان مُستَفَزاً جداً بعد أن قال وزير الخارجية البريطاني حينها إن «معمر هرب إلى فنزويلا».
في كل الأحوال، فإن من المهم الاطلاع على مذكرات أحمد قَذَّاف الدَّم، ليس للإيمان بكل ما جاء فيها، ولكن لمقاربتها مع ما قيل وكُتِب وشاهدناه، وأيضاً للاطلاع على شهادة شخص كان من رجال القذافي، ومن المختلفين معه لاحقاً.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4426 - الأحد 19 أكتوبر 2014م الموافق 25 ذي الحجة 1435هـ
غياب القائد القدوة
كل الدول العربية غياب القائد المنصف المحب لنفسه ولوطنه هي مشكلتنا كافة ولهذا اصبحنا نهب لكل من له قوة وحيل من بريطانيا الى اسرائيل وامربكا والروس وكل الدول تحتال علبنا وتهدد وتتوعد ونحن رغم الثراء الفاحش في جميع الموارد لكننا رهينة حكام اغبياء وسفلة لا نظير لهم مطلقا رغم نور العلم الذي فضح مل غموض ونور الارض بالعلم .. لكنه علم ناقص ايمان .
متابع
تكلم عن اليمن أستاذ محمد please
تحية صباحية وسلام
دايما مقالاتك مفيدة اخ محمد واحرص على قراءتها باستمرار كل الشكر لك وللوسط الحبيبة
صدقت
القذافي حلت عليه لعنة سجن ابو سليم والامام موسى الصدر ومحاربة مصر
ومن الذي مول هذه المجموعة انهم الأشقاء
دخلت مجموعة من القاعدة للقتال من طرف الغرب ومن مولهم هم الدول النفظية الغنية لتدمير بلد شقيق وماذا بعد سقوط نظام القذافي دولة فاشلة بسبب سياسات دول هي فاشلة في إحلال الديمقراطية في بلدانها وتعتبر مواطنيها رعايا فا فاقد الشيء لا يعطيه الصومال والسودان وليبيا وتونس ومصر والعراق وسوريا ولبنان والجزائر كلها تشتكي والمصدر المدمر لهذه الدول وبنسب متفاوته هي نفس الدول التي سهلت ودمرت ليبيا وماهي الاستفادة وأقول ي تحرف بوصلة فلسطين