يعرف التعليم بأنه تنمية الإنسان وبناء قدراته الذاتية لتمكينه من التغلب على التحديات والصعاب من أجل الحصول على الفرص المواتية، فالمدرسة منفذ استراتيجي لتحقيق ذلك، إذ لم تعد وسيلة للانتقاء الاجتماعي وإفراز النخب، بقدر ما هي تمكينٌ للمتعلم من تطوير الأدوات المفتاحية التي يمتلكها لنصل به نحو جودة الحياة. فمن الخطأ ربط حق الطالب بالتعلم فقط بل حقه في النجاح والحصول على الفرص، ولكن من أين نأتي بالفرص وهناك ضبابية تحيط بطلابنا بشأن مستقبلهم الأكاديمي والمهني، فضلا عن ولي أمره وأسرته؟
قبل أيام ظهرت نتائج الثانوية العامة، ومعها بدأ طلابنا طريقهم الشاق نحو اختيار الدراسة أو الانخراط بالعمل، يحدوهم في ذلك أمل في مستقبل رسموه في أحلامهم الصغيرة، لكنهم يصطدمون بواقعٍ لم يألفوه بعد. في دراسة أعدتها جمعية دعم الطالب البحرينية عن آلية اتخاذ القرار في تحديد مسار التعليم الجامعي لطلبة المرحلة الثانوية، بينت أن 75 في المئة من العينة التي أجريت عليها الدراسة أشارت إلى أن قرار تحديد مسار تعليمهم الجامعي من أصعب القرارات في حياتهم، في حين أشار 35 في المئة منهم إلى أن ذلك يرجع إلى طبيعة شخصيتهم وبالتالي فهم يشككون في قدراتهم في اختيار التخصص، ويتركون الأمر للكبار منهم في تحديد ما يتجهون إليه، ناهيك أن هناك 33 في المئة من عينة الدراسة ترى أنها لا تملك رؤية واضحة بشأن سوق العمل والتخصصات المطلوبة، وأن المعلومات والبيانات غير متوافرة لديها. فالأمر يبدو مبهما أمامهم، كما أنهم لا يعرفون الجهات المختصة التي من المفترض اللجوء إليها من أجل استيضاح الصورة حول طبيعة سوق العمل البحريني، ومتطلباته المستقبلية، وسقف الرواتب للمهن المختلفة، ونظام العمل في العام والخاص. وللدلالة على ذلك جاءت إجابة 75 في المئة من العينة بنفي معرفتهم بتلك الجهات المعنية بمستقبل العمل، كما أن نصف العينة لا تمتلك معلومات كافية حول الوظائف المتوافرة إلى ما بعد خمس سنوات قادمة، وهي الفترة التي تستغرقها دراستهم الجامعية.
بهذه الصورة الضبابية التي يتملكها طلابنا عن مستقبلهم الأكاديمي والعملي، كيف أزج بهم وبهذا العدد في الساحة نت دون بصيرة، على طريقة (هذا الميدان يا حميدان)، ومرة تصيب ومرة تخيب. طلابنا وأولياء أمورهم بحاجة إلى توفير الدعم اللازم في تحديد مسارات الدراسة، مع توضيح الجهات المختصة وزيادة فعاليتها في هذا الاتجاه. إن قذف كرة المسئولية بين التعليم والعمل والهيئات المنبثقة منهما لن يحل المشكلة، فقد بات واضحا غياب السياسة العامة للتخطيط واستشراف المستقبل الوظيفي لأبنائنا، وأصبح من الضرورة تهيئة طلابنا قبل تخرجهم لسوق العمل، وهذا يتطلب معرفة قدراتهم العلمية والعملية وتشخيص الميول والاتجاهات والإمكانيات والفرص المتاحة، لكن هل يمتلك طلابنا الخيار لتحديد مسارهم، وهل نوفّر لهم الفرص البديلة؟ أم نجبرهم على خيار واحد... وما استمارة متعددة الاختيارات إلاّ لذر الرماد في العيون؟
لقد آن الأوان لتغيرات جوهرية في هذا المسار، ونقترح بعض المقترحات التي نراها مجدية في هذا الجانب، وهي:
- تأسيس مركز وطني لتأهيل طلاب الثانوية العامة للتعليم الجامعي والعمل، وتشرف عليه وزارة التربية والتعليم، ويختص هذا المركز باختبارات القياس والتشخيص، وتوفير المعلومات والبيانات المستحدثة بشأن سوق العمل المحلي، على أن يقوم العاملون فيه بزيارة ميدانية إلى المدارس.
- قيام هيئة وطنية مستقلة للابتعاث والتدريب، تكون مسئوليتها مناطة بالتخطيط لسياسة الابتعاث والتدريب، على شرط أن تكون منعكسة لمتطلبات الواقع، إذ إن اختصاصاتها مرتبطة بتوفير البعثات وخلق فرص سانحة للتدريب بالتعاون مع الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
- إنشاء وزارة للتعليم العالي والبحث العلمي، وتعنى بشئون التعليم ما بعد الثانوية العامة وتفصل عن وزارة التربية والتعليم، إذ تكون مسئولة عن الجامعات ومراقبتها، وتوفير مناخ البحث العلمي، وتوفير الفرص للدراسات العليا للراغبين من البحرينيين في جميع التخصصات ومن كل القطاعات.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 2489 - الثلثاء 30 يونيو 2009م الموافق 07 رجب 1430هـ