قدم الباحثون المشاركون في مؤتمر المئوية الثالثة لرحيل المحدث الصالح الشيخ عبدالله السماهيجي، يومي 16 و17 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، أوراق عمل شملت دراسات وأبحاثاً قيمّة أبرزت دور علماء البحرين وجهودهم في مختلف العلوم المعرفية.
ثلاثمئة من السنين تفصلنا عن المحتفى به، فقد عشق الشيخ السماهيجي وعلماء البحرين الأعلام وتولعوا بكل ما يمت إلى العقل بصلة، فكان النتاج أن أسسوا لمدرسة علمية بحرانية ذات سمات وخصائص تميزها عن باقي المدارس الإسلامية، ولعل السؤال الذي يباغتنا لماذا لم يتمكن البحرانيون طوال هذه السنين من إعادة أمجاد المدرسة البحرانية؟ وفي هذا السياق، لابد أن نقف وقفة إجلال لمن يعمل على توثيق هذا التراث الذي يراد للجيل ألا يعرفوا عنه شيئاً، ويأتي في مقدمة هؤلاء رئيس مركز ابن ميثم البحراني للدراسات والتراث الشيخ محمد عيسى آل مكباس الذي ألقى كلمة قال فيها: «في هذه الذكرى لرحيل المحدث السماهيجي وإطلالة على المدرسة العلمية في البحرين، وحينما نلاحظ هذه المدرسة التي تنوعت في عطائها وعلى امتداد قرى ومناطق هذا البلد الطيب يطالعنا هذا الكم الهائل من علمائنا على مستوى توثيق التاريخ المحلي وتراجم علماء البحرين ومنهم المحقق البحراني الشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي (1075هـ - 1121هـ) في كتابه جواهر البحرين، وتراجم آل بابويه وعلماء البحرين، وكذلك ما سطره من توثيق رائع عن الدور العلمي لعلماء البحرين ومدارسهم العلمية المحدث الصالح الشيخ عبدالله بن صالح السماهيجي (1086هـ - 1135هـ) في إجازته للشيخ ناصر الجارودي القطيفي، وما رسمه المحدث الخبير الشيخ يوسف بن أحمد العصفور (1107هـ - 1186هـ) في كتابه لؤلؤة البحرين، وكذلك المساهمات في العلوم الأخرى كعلم الحديث والفقه وأصول الفقه وعلم الكلام والفلسفة وعلوم القرآن والتفسير لمجموعة من علمائنا أمثال الشيخ أحمد بن سعادة الستري وتلميذه الشيخ علي بن سليمان الستري والشيخ ميثم بن علي والشيخ سليمان بن علي بن أبي ظبية الشاخوري، والشيخ جعفر بن كمال الدين الرويسي، والشيخ صالح بن عبدالكريم الكرزكاني والعلامة الكبير والمحدث الخبير السيد هاشم التوبلاني وغيرهم الكثير من علمائنا».
وزاد قوله: «من هذا المنطلق، كان من المحتم على الأجيال أن تحافظ على هذا التراث الضخم الذي قدمه الآباء تحقيقاً ودراسةً وحفظاً، وأن ما قام به به مركز ابن ميثم البحراني للدراسات والتراث لهو خطوة على هذا الطريق الذي من خلالها يأمل المركز إعطاء الصورة الواضحة عن تاريخ وتراث هذا البلد الطيب المعطاء، آملين أن نوفق في تقديم شيء يسير من تراث علمائنا وبلدنا لتسير الأجيال على هديهم وتقتدي بهداهم».
علم الكلام في البحرين
وجاءت أول أوراق المؤتمر البحثية بعنوان: «علم الكلام في البحرين من ابن سعادة حتى السماهيجي» وهي من إعداد أستاذ اللغة العربية بجامعة البحرين السيد عيسى جواد الوداعي أشار فيها إلى أن علم الكلام حظي بمكانة بارزة في المدرسة البحرانية، ذلك بأن شهرتها في هذا العلم سبقت شهرتها في الفقه والحديث والتفسير وغيرها من العلوم، فقد عُرف من متكلمي المدرسة البحرانية الشيخ أحمد بن سعادة والشيخ علي بن سليمان الستراوي والشيخ ميثم البحراني والشيخ أحمد بن الشيخ عبدالله البلادي وغيرهم، محاولًا في بحثه تسليط الضوء على مباحث علم الكلام عند البحرانيين واقفاً على أقدم عملين علميين وهما (رسالة العلم) لابن سعادة و(غاية المرام في علم الكلام) للشيخ ميثم البحراني، وبرزت أهمية الرسالة الأولى من خلال تصدي نصير الدين الطوسي لشرحها، ثم التجربة الأكثر نضوجاً وهي تجربة الشيخ ميثم البحراني وإيضاح منهجه في دراسة مباحث علم الكلام والجديد الذي يمكن أن يُنسب إليه».
وتطرق الباحث الوداعي إلى أن البحرين لم تكن مختلفةً عن غيرها من الحواضر العلمية من حيث قبول علم الكلام، فقد رفضه بعض علماء البحرين وكان في مقدمة الرافضين الشيخ عبدالله السماهيجي فوقف على رأي الشيخ ناقلًا أدلته النقلية التي اعتمدها في نبذ علم الكلام وناقش الأدلة، ولاسيما أن المحدث السماهيجي أفاض في الرد على المتكلمين في كتابه (منية الممارسين) حيث ناقش عدداً من المسائل منها معرفة العباد لله أفطرية أم ضرورية أم كسبية نظرية؟ وذهب إلى القول الأول فقال: «والذي أعتقده هو ما عليه أكثر المحدثين من أن المعرفة فطرية، لا تحتاج إلى طلب لمن وهبه الله العقل»، وبين أن هذا القول خلاف ما عليه الشيخ ميثم البحراني وأكثر المتكلمين.
نحوية كتاب «منية الممارسين»
وجاءت الورقة البحثية لأستاذ اللغة العربية المساعد بالجامعة الأهلية علي عبدالنبي فرحان بعنوان: «القضايا النحوية في كتاب (منية الممارسين) للشيخ السماهيجي الذي تناول فيه جملة من القضايا اللغوية والنحوية، وكان في معظمها متابعاً لمجمل آراء النحويين، ناقلًا لها ومنتصراً غالباً للبصريين، لكن يلاحظ من عرضه للقضايا أمران يصدر عنهما السماهيجي في تناول اللغوي والنحوي، الأول تأثره بالمنهج الأخباري حتى في القضايا اللغوية، فلا حجة أمام النص المروي عن أئمة أهل البيت «ع»، والأمر الآخر عدم التسليم المطلق بما ورد عن النحويين، بما يُظهر أثر المنهج الفقهي في محاكمة النص ومراجعته.
واستعرض الباحث استقراءه للكتاب وتعرضه للاشتقاق والاتباع على اللفظ، وخلص إلى أن الشيخ السماهيجي خلص إلى أن حجج النحويين قد تكون غير ناهضة ولا توافق القياس، إلا أنه قد يأخذ بقولهم اتباعها لأهل الفن وإيماناً باحترام التخصص.
مصنفات الشيخ السماهيجي
أما الليلة الثانية، وهي مساء الجمعة 17 أكتوبر 2014، فقد بدأت بورقة رئيس مركز ابن ميثم للدراسات والتراث الشيخ محمد عيسى آل مكباس تحدث فيها حول فهرس مؤلفات ومخطوطات الشيخ السماهيجي، فقد عُرف الشيخ السماهيجي عند معاصريه بكثرة التصنيف والمطالعة، ويعطينا المحدث الخبير الشيخ يوسف آل عصفور صورة واضحة عن الشيخ السماهيجي حيث إنه عاصره وإن كان الشيخ يوسف في بدايات طلبه للعلم آنذاك، إلا أن السماهيجي كما هو معروف كان زميلًا حميماً لوالده الشيخ أحمد آل عصفور وكان الاثنان تلميذين عند الشيخ سليمان الماحوزي، وكان يقول: «الشيخ السماهيجي كان كثير الملازمة للتدريس والمطالعة والتصنيف»، أي ثلاث حالات تشغل وقت الشيخ السماهيجي، ولا تخلو أيامه من إحداها فأيامه كلها إما مدرساً أومطالعاً أو مصنفاً، وإطلالة سريعة على ما كتبه الشيخ السماهيجي في مختلف العلوم، ومقدار ما ألفه في تلك العلوم، نقدم إحصائية عن إجازات الحديث، وهي عبارة عن سلسلة المشايخ التي يتصل بها بالمعصوم، فمقدار ما وصلنا من إجازات الحديث هي 7 إجازات عن الشيخ السماهيجي، علم الفقه 37 مصنفاً، أجوبة المسائل 21 منصفاً، علم الكلام 5 مصنفات، مناسك الحج له منسك واحد، تاريخ ووفيات الأئمة كتابان، الحديث وشروحه له ثلاثة كتب في هذا المجال، وبالمناسبة، له كتاب إرشاد النبيه في شرح من لا يحضره الفقيه، وهو كتاب انتهينا من تحقيقه وهو شرح لكتاب الشيخ الصدوق (من لا يحضره الفقيه)، خطب الجمعة والأعياد له كتاب واحد، المنظومات والأراجيز له منظومتان، الكشكول له واحد واسمه (رياض الجنان المملوء بالدر والياقوت والمرجان) وهو كتاب موجود لدينا، أما بالنسبة للتراجم والرجال فقد كتب ثلاثة كتب في هذا الصدد، وأعظمها كتاب الإجازة الكبيرة، وهو كتاب قيم، أما كتب الأدعية فعددها 3 كتب وعلم النحو كتابان.
إجازات علماء البحرين
وقدم الباحث والكاتب وسام السبع ورقته بعنوان: «الأهمية التاريخية لإجازات علماء البحرين» بدأها بالتأكيد على أن للإجازة العلمية عند فقهاء الإسلام وعلمائه مكانة عظيمة وتقدير كبير، وعنايتهم بهذا اللون من النوع من التصنيف العلمي يأتي في إطار حرصهم البالغ بالسنة النبوية الشريفة وخدمة علومها، موضحاً أن علماء الإسلام حرصوا منذ أقدم العصور على الاهتمام بهذا اللون من الأدب، وصرفو له الوقت واستفرغوا الجهد وتكبدوا عناء السفر الطويل ووعثاء الطريق في سبيل الاستجازة وطلب العلم وأخذ الرخصة برواية الحديث من كبار العلماء، بما أسهم في مراكمة تراث هائل من أدب الإجازات الروائية في ظل يمثل أزهى صور التاريخ العلمي والاجتماعي لعلماء الإسلام في مختلف العصور، وظل هذا الجانب من أكثر الجوانب إشراقاً في الحضارة الإسلامية.
وتناول في ورقته معنى وأقسام الإجازة العلمية وأنواعها، كما خصص جزءاً من الورقة للحديث عن حضور الإجازة في المدونات التاريخية المحلية، والمعطيات التاريخية لإجازات علماء البحرين مستخدماً إجازة الشيخ السماهيجي نموذجاً، إلا أن الجزء المهم من الورقة هو التوصيات التي أكد فيها الباحث السبع على أهمية جمع كافة الإجازات العلمية لعلماء البحرين وتحقيقها، وإتاحتها للباحثين والدارسين ليستفيدوا منها، وتكثيف التواصل مع المحققين والمهتمين بالتراث البحراني المخطوط وتقديم الرعاية المادية والتحفيز المعنوي والاحتضان العلمي لإخراج نفائس التراث المخطوط محققاً ومخرجاً إخراجاً يليق بأهميته التاريخية والعلمية.
ومن بين أهم التوصيات تنفيذ فعاليات وأنشطة ثقافية وعلمية متنوعة تهتم بشكل خاص بإبراز التراث العلمي لعلماء البحرين عبر العصور والتعريف به وتكثيف النقاش حوله، علاوةً على تكثيف التعاون وتعزيز الصلة العلمية مع مراكز الأبحاث العلمية والمؤسسات التراثية في الداخل والخارج والمعنية بالتاريخ والتاريخ الإمامي، كما أوصى بعدم الاكتفاء بإخراج النصوص التراثية لعلماء البحرين وطباعتها، بل العمل على جعلها منطلقاً للدراسات والأبحاث العلمية ومنبعاً أصيلًا يصلنا بالماضي، ويقدم فهماً أفضل لتاريخنا وتراثنا بمناهج بحث حديثة وزوايا نظر تتسم بالمعاصرة والتجديد.
العدد 4425 - السبت 18 أكتوبر 2014م الموافق 24 ذي الحجة 1435هـ