كيف يسير هذا العالم؟ أو بصورة أدق: كيف تجري أحداثه، وتنتظم سياساته، وتتشكَّل مصالحه؟ بالتأكيد، كلنا حين نُجيب سنتَّجه صوب ما يجري في أروقة صناعة القرار السياسي الإقليمي والدولي، سواء في مجلس الأمن أو في حلف الناتو أو في منظمة شنغهاي أو بريكس أو في مجالس الأمن القومي للدول. لكن الأكيد، أن ذلك القرار تتحكَّم فيه متغيرات كثيرة، تجعل منه في هذا الاتجاه أو ذاك.
هناك الثروة، وهناك الديمغرافيا، وهناك المشترك الثقافي والعوامل الإثنية والدينية، لكن أيضاً هناك متغيَّر الأرض، أو لِنَقل: الجغرافيا بالتحديد. فهذا الموضوع، ليس أمراً عادياً في حياة البشر، وفي صناعة القرار السياسي. ولكي يتضح هذا الأمر، فإنه يجب أن نُوسِّع من رؤيتنا للعامل الجغرافي من جوار قريب أو بعيد إلى المسارات الجغرا/اقتصادية.
علينا أن نتذكر طريق «رأس الرجاء الصالح» في أقصى نقطة من اليابسة بجنوب قارة إفريقيا، والذي وَصَلَ أوربا بالهند منذ القرن الخامس عشر، كبديل عن الإبحار إليها عبر المتوسط. كذلك علينا أن نستحضر رغبة الروس في تشييد «الحزام الاقتصادي الحديدي العابر لسيبيريا» والذي سيجعل روسيا في مأمن من غياب الطرق البحرية التقليدية، التي عانَت منها طيلة قرون، ولم تتخلص من جزء منها إلاَّ باختراقها للبحر الأسوَد.
اليوم يتم عرض خيار جغرافي جديد سيُغيِّر من مشهد العالم السياسي والاقتصادي والثقافي، الأمر الذي سيجعل القوى العظمى التقليدية في أوربا والعالم الجديد أمام تحدٍ كبير. دعونا نُوصِّف ذلك المسار: إنه طريق الحرير، حيث أن هناك مساعٍ صينية حثيثة لإحياء ذلك الطريق التاريخي، الذي كان يُشكِّل صورة العالم، ويرتبط بالعديد من الدول.
فالصين تريد تغيير وجهتها «البحرية» الحالية إلى العالم وتعيد الروح لطريق الحرير الذي كان يخرج من شمالها باتجاه خطين أحدهما شمالي والآخر جنوبي، ينطلق الأول باتجاه آسيا الوسطى ثم الشرق الأوروبي وشبه جزيرة القرم (التي ضمتها روسيا إلى أراضيها) مروراً بالبحر الأسود وبحر مرمرة والبلقان ووصولاً لجنوب أوربا وبالتحديد إيطاليا، والثاني عبر خراسان حتى العراق صعوداً نحو هضبة الأناضول ووصولاً إلى منطقة تدمر التاريخية في سوريا ثم مباشرة باتجاه البحر الأبيض المتوسط وانتهاءً إلى الشمال الإفريقي.
المعلَن أن بكين ستنفق على هذا الطريق زهاء خمسين مليار دولار، بتراضي إقليمي وقاري كبير يزاحم حتى المصالح الكندية. والصين إذْ تقوم بتلك الخطوة الجبَّارة نظراً لتغيُّر صورة العالم ما بين ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد وبين هذا الأوان فإنها تتطلع لتحقيق «المسار المثالي للتنمية الصينية» كما قال أنغ تاي باو، نائب عميد كلية الأرض والعلوم البيئية ومدير معهد الجليد والجغرافيا الأيكولوجية في جامعة لانتشو تعليقاً على ذلك.
ليس ذلك فحسب بل إن ذلك المسار الجغرافي في حال تحققه سـ «يشكل بنية استراتيجية للانفتاح الشامل للصين» والأهم من ذلك أن هذا الطريق هو «بمثابة رابطة محورية» لنقل «التقاليد والاتجاهات وليس السلع فحسب، وإنما الأفكار والسلوكيات أيضاً» كما قال دينغ شوتشين، نائب عميد مدرسة اللغات الأجنبية والآداب بجامعة لانتشو وبالتالي «نموذجاً مبكراً على الدولنة» على حد تعبير يانغ لي جوان ولكن بالنسخة الصينية، حيث سيُصبح العالم من آسيا وحتى أميركا مديناً للصين اقتصادياً وثقافياً.
نحن نتحدث عن خطوط اتصال تمر على المناطق التي تتواجد فيها الطاقة الأحفورية بأشكالها المختلفة، وكذلك على المناطق الزراعية والخصبة، وعلى طول الحضارات القديمة التي صاغت ثقافة الشعوب، فضلاً عن تماسه ببؤر الصراع التقليدي في المنطقة، حيث العراق وسوريا ومنطقة الهلال الخصيب بأكملها والشمال الإفريقي.
وعندما نقول إن من أهداف ذلك الطريق هو الالتقاء بطريق موسكو المتجه نحو السهوب السيبيرية، فهذا يعني تأميناً للرقعة الشمالية للصين، المتصلة بالشرق الأدنى، والذي يعتبر إحدى حدائقها الخلفية، التي يتواجد فيها جزء من المصالح الصلبة والاستراتيجية للصين، ثم الانعطاف الحاد باتجاه الغرب حيث جبال الأورال حتى أقصى غرب أوربا.
هذا الأمر يعطينا تصور لما يُمكن للصين أن تفعله في سبيل تحقق هذا الطموح. فهي تنظر إليه ابتداءً من شمالها وجنوبها، لكن عينها تظلِّل كافة الممرات التي يمكن أن يسلكها ذلك الخط. وإذا ما علمنا أن من بين تلك الطرق مَا هو متورط في مشاكل سياسية داخلية أو مع الإقليم كالعراق وسوريا وإيران وفلسطين ومصر والسودان، فهذا يعني أن بكين سيكون لها دور في تسويات من نوع ما تجاه تلك الملفات. وربما كان موقفها من شبه جزيرة القرم ومن الأزمة السورية دليلاً على ذلك، وإن كان موقفاً غير متبلور بعد.
الصين لم تعد جمهورية موز يغزوها اليابانيون، وتسرح على أرضها الجيوش، بل هي اليوم إحدى القوى العظمى في العالم، التي تُحدِّد مسار تجارته وأصوله وصناعته واستهلاكه. والمطلعون على خبايا الشأن الأميركي في مجال الودائع والأصول والسندات ربما يُدركون ذلك أكثر من غيرهم، وهو أمر يُعزز من حضور الصين الدولي في حال إتمامها لطريق الحرير، الذي سيُعيد لها أمجاداً تاريخية، ويفرض معادلات جديدة على العالم.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4424 - الجمعة 17 أكتوبر 2014م الموافق 23 ذي الحجة 1435هـ
ان لم تكن ذئبا
اعتقد انه اذا جاء الصينيين لن يكونو اقل ظلما من الآستعمار الأروبي اوالروسي والياباني للشعوب المستضعفه ولآننسى البطش العثمانى للعرب وبعض دول جنوب اروبا وكيف نتجاهل الماسي والدماء والظلم والخراب الذي احدثه الآستعمار العربي للأندلس وحتى استعمار بني القربى يبقى استعمار فعلينا ان نكون اقوياء
حتى لآيطمع فينا احد
الودائع والأصول والسندات
هل بالإمكان الإفادة والتوضيح بخصوص خبايا الودائع والأصول والسندات
الودائع والأصول والسندات
هل بالإمكان الإفادة والتوضيح بخصوص خبايا الودائع والأصول والسندات
إضافة
عندما يصبح طريق الحرير واقعا ستتحرر البلدان في الشرق عن الهيمنة الغربية حيث ان كل ما كانت تحتاجه من الغرب سيتوفر لها من خلال ذلك الطريق