أكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن أجهزة التواصل الاجتماعي أصبحت تؤدي في كثير من الأحيان إلى عقوق الوالدين، وعدم الاستماع لهما وعدم الإجابة على أسئلتهما، مشيراً إلى أن هذه الأجهزة أثرت سلباً على المجتمع، وخلقت ممارسات لا يقبل بها الدين الإسلامي.
وقال القطان، في خطبته يوم أمس الجمعة (17 أكتوبر/ تشرين الأول 2014)، إن أجهزة التواصل الاجتماعي أصبحت سبباً في التخاصم والفرقة بين الناس، وسبباً في الخلافات بين الأفراد، داعياً المدمنين على هذه الأجهزة إلى ضبط استخدامهم لها، حتى لا يخسروا دينهم.
وأوضح أن «اللسان كان من قبلُ ينطقُ كثيراً، وكان العلماء والوعاظ يحذرون من فلتات اللسان وآفاته؛ حتى ألفت الكتب في التحذير منه، وبيان خطورته، وسيقت النصوص المعظمة لشأنه، واستحضر الناس فيه قول: (وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟) هذا في الزمن الذي كان فيه اللسان ملك البيان، لا تنافسه فيه إلا الكتابة والإشارة وهما قليلتان، أما اليوم فإن كثيراً من النطق قد تحول من اللسان إلى الأصابع، فصارت أصابع بعض الناس، تتحدث أكثر من ألسنتهم، بما فتح الله تعالى على البشر، من علوم الاتصال والتواصل الاجتماعي».
وذكر أنها «ثورة في التقنيات والتواصل قد غيرت الأخلاق والسلوك، وأنماط التعامل بين الناس، حتى قلبت حياتهم رأساً على عقب. فالبيوت الحية بحديث أهلها، صمتت كأنها خالية من أهلها، ومنتديات الناس للحديث والمؤانسة، اتخذ الناس بدلاً عنها مقاهٍ مظلمة كأنها مقابر، وحينما كانت الضوضاء تخرج من بيوت الأجداد والجدات في آخر الأسبوع، حيث اجتماع الأولاد والأحفاد، ذهبت هذه الحيوية والنشاط، فيأتي كلُ واحد منهم يتأبط هاتفه وجهازه، فيسلمون على بعضهم البعض، ثم يتخذ كل واحد منهم من كبير وصغير وذكر وأنثى زاوية من الغرفة، أو المنزل فيعيش بجسده مع أهله، وأما روحه وعقله، فمع من يحادث في جهازه، حتى إنه ليُكَلَّم فلا يسمع، ويُسأل فلا يجيب، ولا يتحرك من مكانه إلا بأن يتبرع أحدهم، فيهزه أو يحول بيده بين بصره وجهازه، وربما غضب من ذلك، فإن كان دعي إلى عشاء، رفضه غضباً وهو جائع».
وأضاف «إنها وسائل أدت في كثير من الأحيان إلى العقوق، فالجدة تسأل ولا أحد يجيبها، وتتحدث ولا أحد ينصت لها، أخذتهم أجهزتهم عنها، حتى إذا شعرت أنه لا أحد ينصت لحديثها صمتت منكسرة من أقرب الناس إليها».
وتابع «قد يكون الولد مع أمه أو أبيه لا يشاركه في مجلسه أحد غيره، حتى إذا مضى وقت قليل على جلوسه، أخرج جهازه ليشاركه معه في أمه أو أبيه، فينطق معه أو معها تارة، وينظر في جهازه تارة أخرى، ويحاول الجمع بينهما، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، حتى إذا أعياه التركيز اختار البر فأقفل جهازه، أو اختار العقوق فترك حديث أمه أو أبيه، أو تخلص من مأزقه بالاستئذان في الخروج، وما له من حاجة إلا أنه يريد أن يحادث بهاتفه وجهازه. ولو أنه أشرك أمه وأباه فيما يرى ويقرأ لسرهما بذلك، ولكنه لا يفعل ربما لأن ما يشاهده وما يقرؤه لا يسر ولا ينفع بل يضر ويحزن».
وشدد على أن «الواجب على الولد إن كان بحضرة أحد أبويه أن يقفل جهازه، ويقبل بكليته عليه، ويصغي إليه، ولا ينشغل عنه، إلا إذا كان سيشركه فيما يقرأ ويشاهد، ويعلم محبته لذلك».
وذكر أن «من سوء أدب المجالس أن يشغل الجليس عن جليسه بمحادثة أو نحوها، فيترك آدمياً أمامه ويقبل على جهاز في يده، إلا أن يستأذنه لأمر لا يحتمل التأخير».
ورأى القطان أنها «وسائل قربت الرجال من النساء، والشباب من الفتيات، فأوقعت في كثير من البيوت الريب والشكوك والمفاسد، وأوصلت كثيراً من الأزواج والزوجات إلى عتبة الطلاق بعد الخصام والشقاق، وفي عدد من الإحصاءات الرسمية في الدول العربية، بينت أن نسب الطلاق بين الزوجين قد ارتفعت ارتفاعاً مخيفاً بعد ثورة التواصل الاجتماعي».
وتساءل: «وكم من فتاة غُرر بها عن طريق هذه الوسائل وهي التي لا تعرف للشر طريقاً، ولا للإثم سبيلاً، وليس في قلبها أي ريبة»، معتبراً أن «برامج التواصل الاجتماعي وفرت خلوة بين الجنسين للحديث والتباسط ورفع الكلفة، والمضي ساعات طوال في أحلام، وسهر ليال على أوهام؛ حتى تألفه ويألفها، فلا تقدر على مفارقته، وفي كثير من الحالات يضحك عليها بجميل الكلام، وإظهار الحفاوة والاهتمام، فتريه صورها لينحرها بها بعد أن يبتزها ويعذبها ويهلكها ويتلف أعصابها، وفي البيوت مآس لا يعلمها إلا الله تعالى، خفف الله تعالى عن أهلها،وحمانا وحفظنا وإياكم منها، وأسبغ علينا وعلى المسلمين ستره وعفوه».
وأشار إلى أن «بعض الناس يخلد إلى فراشه، متعب يغالبه النوم، ولربما تكاسل عن الوضوء والوتر من شدة تعبه وغلبة نومه، فيطل طلة أخيرة على جهازه قبل النوم، فيرى محادثة فيرد على صاحبها، ويظل يحادثه حتى منتصف الليل، أو بزوغ الفجر، ولم يشعر بتعبه ونومه، وقد بخل على ربه بركعة أو بثلاث ركعات».
وأضاف «ويصحو النائم حين يصحو وأول حركة يقوم بها أن يلتقط جهازه لينظر من حادثه أثناء نومه، قبل أن يذكر الله تعالى، وقبل أن يقول أذكار الاستيقاظ من النوم وقد ينساها، بل قد فتنت وسائل التواصل الحديثة الناس في عباداتهم؛ فكثير من المعتكفين يمضون أكثر أوقاتهم في المحادثات؛ لتردهم وتصرفهم عن كثير من القرآن والصلاة والذكر، وكم أمضى حجاج أيام الحج بالمحادثات فشغلتهم عن الدعاء في مواطنه الفاضلة، والتعبد في المشاعر المقدسة، ومن الناس من يسلم من الصلاة فلا يقول الأذكار إلا وهو يلتقط جهازه، لينظر من حادثه أثناء صلاته، وكم من قارئ للقرآن أمسك عن القراءة واشتغل بالمحادثة ومصحفه في حجره».
وتابع «قد يؤذن المؤذن وهو في محادثة، وتقام الصلاة وهو لا زال في محادثته، فتفوته صلاة الجماعة، وأمثال ذلك كثير، يعلمه الناس من أنفسهم أو ممن هم حولهم، حتى كانت هذه الوسائل سبباً من أسباب الصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، ومن وجد في نفسه شيئاً من ذلك وجب عليه أن يخفف ويتخلص من هذا الإدمان؛ لئلا يذهب عليه دينه بسبب هذه الوسائل الملهية».
وبيّن القطان أنه «بسبب الإدمان على هذه الأجهزة، وما فيها من سيل متدفق من المعلومات والأخبار والمعارف والصور والمقاطع، أعيد تشكيل عقليات الشباب والفتيات بعيداً عن والديهم وأسرهم ومعلميهم، فغلب على هذه العقليات التمرد والتفرد، والتطرف والانعزالية والانطواء، وتثاقل الجلوس مع الأسرة، والسخط من كل شيء، حتى غدا إرضاء الوالدين لأولادهم من المهمات العسرة جداً، رغم ما يغمرونهم به من المال والهدايا والهبات، وسادت بوسائل التواصل الاجتماعي أخلاق ليست سوية، وممارسات غير مرضية، يفرغونها في كلام سيء، ونكت سمجة، تشعل الحروب بين الرجال والنساء، أو بين الطلاب ومعلميهم، أو بين مشجعي فريقين، أو بين حزبين أو طائفتين، أو جمعيتين سياسيتين أو بين المرشحين النيابيين والبلديين وناخبيهم أو نحو ذلك».
واسترسل القطان في حديثه عن أثر مواقع أجهزة التواصل الاجتماعي على المجتمع، قائلاً: «لا يقع حدث إلا وازدحمت مواقع التواصل ووسائله بمقاطع ساخرة، أو تعليقات لاذعة، وقعها على أصحابها أشد من وقع السياط الحارة على الجسد. وترى كثيراً من هؤلاء يتشبع بما لم يعطِ، ويدعي لنفسه أمام الآخرين أنه كذا أو كذا، أو يضع لنفسه صورة مزورة، ليوهم الآخرين أن هذه هي صورته الشخصية، إن لم يكن يدعي أنه أنثى وهو في الحقيقة ذكر، ثم يقضي أوقاتاً طويلة، ويهدر ساعات كثيرة، أمام شاشة حاسوبه أو هاتفه مع هذا اللهو والعبث».
واعتبر أن «هذه الوسائل والتقنيات من أمضى الأسلحة في نشر الأكاذيب، وبث الأراجيف والشائعات، واتهام الأبرياء وتشويه سمعتهم، وقلب الحقائق، أو الطعن والسب واللعن لخيار الأمة وسلفها الصالح، أو التسقيط لولاة أمور البلاد، وسبهم والطعن فيهم والكذب والافتراء عليهم... يكذب المغرد في خبر فيغرد به، أو يصنع صورة فينشرها وهي مزورة، فتبلغ كذبته أو صورته الآفاق في ثوان معدودة، فيتضرر بها أناس أبرياء».
وذكر أنه «قد يكون الدافع لذلك إضحاك الناس، والناقل للكذب أحد الكذابين، والراضي بالسخرية كالفاعل».
وحذر من «اكتساب أوزار، وإذهاب حسنات بسبب هذه الوسائل، ويجب عدم الاستهانة بها؛ فإنها مورد بحر من الأوزار والآثام، إن استخدمت في الشر والفساد والتضليل، كما أنها مجال رحب لكسب الحسنات، إن استخدمت في الخير والدعوة والإصلاح، ولم تضيع بسببها الواجبات».
وقال القطان عن أجهزة التواصل الاجتماعي إنها «فتنة من فتن العصر، جعلت كثيراً من الناس يعيش بشخصيتين متنافرتين؛ فهو الوقور الحيي أمام الناس، الذي لا يقول بلسانه فحشاً، ولا ينطق هجراً، ويخجل ويتصبب عرقاً إن سمع ما لا يليق.. لكن هذه الشخصية الحيية، تخلع الحياء إن كان الحديث بالأصابع، وكانت العين تتلقاه.. فما استحى منه اللسان والأذن، كسرته اليد والبصر.. وما راقب الله تعالى من راقب الناس».
وزاد في قوله: «إنها فتنة، عمت المجتمعات، واقتحمت البيوت، إلا من رحم الله، ولم يسلم من غلوائها إلا الأسر الفقيرة، فكان فقرها نعمة على شبابها وفتياتها، ومن العصمة أن يعجز المرء عن تحصيل ما يكون به إثمه وتلفه».
وأكد أنه «لا غناء لمواجهة هذه الفتنة التي عمت البيوت كلها عن زرع مراقبة الله تعالى ومحبته وتعظيمه، والخوف منه، ورجاء ما عنده، في نفوس الأبناء والبنات والزوجات والأخوات، وتعاهدهم بالموعظة والتذكير بين حين وآخر، وبأساليب متنوعة مشوقة، حتى يراقب كل واحد منهم نفسه، ويخاف الله تعالى أن يقارف إثماً، وتوجيههم إلى استخدام التواصل الاجتماعي فيما ينفع ولا يضر، مع ملء أوقاتهم بما ينفعهم، ويحد من عكوفهم على هذه الوسائل التي فتن الناس بها فافتتنوا».
ورأى أن «الواجب علينا أن نستغل هذه التقنيات والوسائل في نشر الخير، والدعوة إلى الله، للمسلمين وغير المسلمين، والإصلاح بين الناس،والتحذير من إلحاق الضرر بالبلاد والعباد، والتنفير من التطرف والإرهاب، والدعوة إلى حفظ الأمن والأرواح والممتلكات، ونصح المسلمين ودعوتهم إلى الالتزام بشرائع الإسلام وتعاليمه، واستخدامه في التواصل الاجتماعي مع الأهل والأقارب والأرحام والأصدقاء، والتعرف على الآخرين من أجل الله، تعارفاً يراد به وجه الله تعالى».
وختم إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي خطبته بالتأكيد على أن «نتقي الله في أبنائنا وبناتنا، ولنضع لهم خطوطاً عريضة، يتعاملون بها مع هذه الوسائل الحديثة، حتى نضبط الأمور، ونكون على قدر المسئولية تجاه أبنائنا وبناتنا، ولا نعطيهم الثقة المطلقة التي لا حدود لها، فإن الهلاك والفساد يأتي من جراء هذا التساهل والتفريط».
العدد 4424 - الجمعة 17 أكتوبر 2014م الموافق 23 ذي الحجة 1435هـ
ياشيخ
اعتقد ان الوازع الديني والاجماعي والتغير الحاصل في البلد من التجنيس الفاقع هو اللذي ادى الى ماذكرت.
هناك الكثير من المواطنين اللذين لايتبدلون من عاداتهم وتقاليدهم لمجرد انهم تواصلوا بالاجهزة الحديثة .
واكبر مثال الثورة الحسينية وما اعطت وافرزت لدى اجيال من الصغار والكبار على حب ومودة الوالدين .
وانت تراهم في موسم عاشوراء.
انا
اخالفك الرأي.. في الماضي كان تواصلنا أقل.. مع الاجهزة الجديدة صار تواصلنا أكثر من قبل.. و إذا أحد يبي يكون مع والدته مافي شي راح يمنعه.. المسألة مسألة أولويات مو مسألة تلفون جديد..