شهدت بلدان أميركا اللاتينية تجربة ثرية من التحول الديمقراطي وتطبيق مفهوم «العدالة الانتقالية»، حتى ان ظهور المصطلح نفسه ولد من داخل بلد لاتيني مثل الأرجنتين، التي تقدم تجربة رائدة في هذا المجال، وخاصة بالنسبة لدول العالم الثالث بوجه عام، وبالنسبة لأميركا اللاتينية، بوجه خاص. وعلى هذا فإن دراسة النموذج الأرجنتيني هو حقا أمر مهم لأي دولة تمر بظروف مشابهة من التحول إلى الديمقراطية بعد فترة من سيطرة نظام سلطوي قمعي.
ولكن ما حدث قبل ثلاثة أعوام في المنطقة العربية، ما عرف بمرحلة الربيع العربي صاحب معها حقيقة ألا وهي أن التحول الديمقراطي لم يتحقق إلا في بلد عربي واحد رغم التحديات وهو تونس بينما سقطت باقي دول المنطقة ضحية لتيارات إما تقاوم التغيير أو تتجه إلى أنظمة أكثر سلطوية عما كانت عليه قبل عام 2011. ولذا فإن المبادئ التي خرجت إليها شعوب المنطقة انتهت اليوم إما حروبا طائفية أو احتجاجات تقمع عبر أساليب الإفلات من العقاب بينما أصبح موضوع الحل السلمي والحوار رهينا لمصالح لا يمكن المساس بها بين دول المنطقة والقوى الغربية العظمى.
وفي قراءة سريعة للمشهد السياسي في المنطقة العربية، فإن الأنظمة الحالية تعيش حالة لا تقبل التغيير، كما لا تقبل بوجود المعارضة، بل وتتعامل مع هذه المعارضة بوصفها شراً، يجب القضاء عليه وليس التعامل والحوار معه، فهؤلاء المعارضون وعلى رغم أنهم مواطنون فإنه يتم التعامل معهم وكأنهم أعداء أجانب يهددون أمن الدولة ولهذا السبب فكل الطرق الوحشية هي طرق مشروعة للتعامل معهم. وهو ما كان أحد مبررات العسكر في الأرجنتين لانتهاك حقوق اليساريين، لأن هذه الانتهاكات كانت ضرورية لحفظ أمن الدولة وحمايتها.
ففي حالة البحرين مثلاً، لا يمكن تجاوز أحداث الماضي والاتجاه نحو بناء المستقبل والتحول الديمقراطي، دون إعادة الحقوق لأصحابها، ولنا في تجارب دول أميركا اللاتينية الكثيرة التي يمكن لدول مثل دولنا ان تتعلمه فتجربة الأرجنتين وحدها أثبتت ان الحقوق لا تسقط هكذا أو يتم التجاهل عنها عبر غلق الملفات دون إظهار الحقيقة وتعويض المتضررين معنويا وماديا. الأرجنتين وجدت في فتح هذه الملفات طريقاً للحل، لأن الغلق والتجاهل يفتح باب الثأر ويزيد من التوتر وليس العكس، إضافة إلى أن المصالحة الوطنية جزء هام، ولا يمكن فتح صفحة جديدة من دون الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت بحق الضحايا ثم اعتذار المرتكبين، ومنها إعطاء العفو على قدر الحاجة.
ويكفي أن نرى في البرازيل نموذجا آخر، فرئيسة هذا البلد الحالية ديلما فاناروسيف، هي ابنة مهاجر بلغاري، التحقت بصفوف أقصى اليسار وناضلت ضد سياسة القمع التي انتهجها الحكم الاستبدادي. أمضت ثلاث سنوات من حياتها في السجن واستعادت حريتها عام 1972.
فاناروسيف تحكم بلادها وتحاول اليوم إصلاح ملفات الفساد في مناخ ديمقراطي حر، لن يكون هذا النموذج الوحيد من البرازيل والارجنتين، ولكن الطريق للحرية والديمقراطية مازال طويلا في منطقتنا العربية وهو لا يعني انها تستثنى عن باقي المناطق الأخرى في العالم. ولذا فإن اولى الخطوات تبدأ بوقف ممارسات الافلات من العقاب والبدء بالحوار الذي يُمهد إلى مناخ حقيقي للتحول نحو عدالة انتقالية وديمقراطية منتظرة.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4421 - الثلثاء 14 أكتوبر 2014م الموافق 20 ذي الحجة 1435هـ
حوار
حوار عاقر
تسلمي ياريم
تسلمي ياريم مقلاتك دائما معبره جدا