شهدت منطقتنا العربية،عبر جيل أو جيلين ماضيين، ولا تزال تشهد توجهاً متزايداً نحو الانتهاج الإجباري لمبدأ «الصواب السياسي». فمن دون شك، يعد أسلوب احتواء المواجهة بالطرق الدبلوماسية نهجاً رشيداً، حيث يجعل من حياتنا وتعاوننا سوياً أكثر يسراً وراحة، وذلك بغض النظر عن خلفياتنا أو آرائنا أو معتقداتنا. كما أنه يعمل على التخفيف من حدة الصراعات.
ويعد هذا الأمر مقبولاً من الناحية النظرية، إلا أنه من الممكن ألا يتم تطبيقه على النحو الصحيح عملياً. حيث أنه وفقاً لأي واقع عملي مبني على أسس نظرية، يكون هناك نطاق واسع للنهج التطبيقية والعملية، إلا أنه في الشرق الأوسط المعاصر يبدو وكأننا اتبعنا أسوأ تلك النهج على الإطلاق. فمن الناحية النظرية ينبغي أن يترجم الصواب السياسي أو ما نسميه الدبلوماسية، إلى تفهم وجهة نظر الآخر أو اللباقة في طرح الآراء المعارضة. أما من الناحية العملية، فإنه غالباً ما يترجم إلى واحدٍ من اتجاهين متعاكسين متطرفين.
وفي أحسن الأحوال، يترجم الصواب السياسي إلى إفراط في الأدب؛ بمعنى أن تكون متفهماً وحسّاساً تجاه أمور كثيرة، وقلقاً من احتمالية أن تثير ضيق أحدهم من خلال أقل إيماءة أو ملحوظة تبديها، وتستخدم لغة بسيطة تتحول في النهاية إلى مجموعة من العبارات المبتذلة بادية التهذيب. أما في أسوأ الأحوال فإنه يترجم إلى نفاق لا جدال فيه، ومن هنا تبدأ المشكلة.
وهناك دائماً وأبداً فرق شاسع بين الأدب والنفاق، وما يحيرني بحق أنه وفي هذا الجزء تحديداً من العالم الذي نعيش فيه، نجد أن هناك خلطاً بين كلا المفهومين. فعلى ما يبدو أننا قد قررنا أنه لكي نصبح دبلوماسيين فلابد أن نتفق تماماً مع أفكار وأقوال وأفعال الآخرين، خصوصاً مع هؤلاء الذين يتمتعون بالسلطة. ولابد أيضاً ألا نقدّم أي نقد بنّاء أو نُصوّت لرأي لا يحظى بالقبول العام (وذلك لمجرد كونه رأياً مختلفاً) أو نعترض بطريقة ما (أو أن يبدو علينا الاعتراض فقط) على الفكر السائد.
ومن المثير للدهشة، أن الإسلام يأمرنا بما هو عكس ذلك تماماً، ففي حقيقة الأمر يعد المسلمون مهيّأين بطبيعتهم ليكونوا «ضد النفاق» ورافضين له تماماً، كما يزخر القرآن الكريم بالعديد من الآيات التي تأتي على ذكر المنافقين وتشير إليهم باعتبارهم أكثر خطراً على المسلمين من ألد أعدائهم من غير المسلمين. وما يدهشني حقاً هو أن كثيراً من المسلمين الأتقياء مازالوا يتجاهلون تلك التعاليم الصريحة لديننا الحنيف ويرفضون إدراك أحد هذه المبادئ الدينية الجوهرية.
إننا فيما يبدو قد جعلنا من المفهوم النبيل للصواب السياسي مرادفاً للنفاق الخالص، ومن كوننا دبلوماسيين إلى مجرد منصاعين لآراء الآخرين، وهو ما يعد أمراً مهيناً. حيث أن هذا النوع من النفاق، وعلى الرغم من حسن النوايا، قد تكون له آثاره المدمرة للغاية. حيث يعمل على وأد أية فرصة لخلق مفهوم القيادة في مجتمعاتنا، ويتركنا في مواجهة مستقبل مظلم وحالك دون أية بارقة أمل حقيقية في عملية التحسن والتطور الفعلي. وفي ذلك إهدار جسيم لجهودنا المضنية والمبذولة من أجل المضي قدماً نحو مستقبل أفضل، لنظلّ ننجرف وندور بلا هدف حول نفس النقطة.
وعليه، فإذا لم يكن باستطاعتنا أن نتحدى الفكر السائد، ولم يكن بمقدورنا اقتراح أفكار بديلة، ولم نستطع أن نحدّد مواطن الضعف ونعالجها، فكيف لنا أن نخطو إلى الأمام؟ وكيف لنا أن نتوقع مستقبلاً أفضل في حال استمرارنا على الموافقة في كافة الأمور- ربما ونحن نعاني في صمت أيضاً- لمجرد أن نكون «دبلوماسيين» أو «راشدين ومصيبين سياسياً»؟
لقد أصبحت هذه القضية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية في الشرق الأوسط، حتى أننا استحدثنا مصطلحاً في لغتنا العربية لوصفها، وهو «خليك دبلوماسي». وهي نصيحةٌ تبعث على الأسى، حيث يتم تداولها في داخل جميع الدوائر الاجتماعية تقريباً، وداخل كل المجتمعات في منطقتنا العربية. وهو الأمر الذي سيفضي بنا إلى الأسوأ، حيث أن شبابنا الذي يشكّل النسبة الأكبر من تعداد سكاننا، قد سُلبت منه قدرته على التفكير النقدي، وليتم تلقينه بدلاً عن ذلك القدرة على أداء دور المنافق الصامت.
إن المسايرة والانصياع ليستا من الدبلوماسية في شيء، والنفاق لا علاقة له بالصواب والرشد السياسي، إنّما هي أنماط سلوكية مختلفة تمام الاختلاف. وكلما استطعنا استيعاب تلك الحقيقة مبكراً، كلما استطعنا أن نعمل سوياً من خلال الاحترام المتبادل كي نشكّل ملامح مستقبلنا.
إقرأ أيضا لـ "خالد جناحي"العدد 4420 - الإثنين 13 أكتوبر 2014م الموافق 19 ذي الحجة 1435هـ
المتمردة نعم
المنافقون كثر يا استاذ .تراهم يرفعون في بعض الساسة ويلمعونهم ويخفون عيوبهم حتى يراهم الجماهير الاجمل والانقى وسادة الطّهر و هم العكس وينزلون من قيمة البعض الاخر في الحضيض ويذكروا مساوئهم للعلن زيادة على مساوئهم حتى تتجه كاميرا الاعلام عليهم وتصورهم بانهم قمة الانحطاط.هذه اللعبة السياسية القذرة هذا هو النفاق الذي ننكره دوما
لماذا اللف والدورات
ما الهدف من مفالك يا استاذنل العزيز ،،، دش في الموضوع على طول،،، صباحك خير ان شاء الله
الصراحة و الأدب
علينا أن نكون صريحين و ذات الوقت مؤدبين. فمثلا نقول لنظام ما أن العدل اساس الملك و نشير لمواقع الخلل في النظام بكل أدب و احترام و صدق دون الحط من هيبة النظام.
صدقت في كلمه
اللهم انا نرغب اليك في دوله كريمه تعز بها الاسلام واهله وتذل بها النفاق واهله