العدد 4420 - الإثنين 13 أكتوبر 2014م الموافق 19 ذي الحجة 1435هـ

نوبل... والسلام العربيّ العاثر

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

منحت جائزة نوبل للسلام يوم الجمعة الماضي (العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2014) مناصفة إلى الفتاة الباكستانية ملالا يوسف زاي والهندي كايلاشساتيارثي، “لنضالهما ضد قمع الأطفال والمراهقين، ومن أجل حق الأطفال في التعلم” كما جاء على لسان رئيس اللجنة النروجية لجائزة نوبل ثوربيور نياغلاند. غير أنّ الموقف من إسناد ملالا هذه الجائزة أثار من جديد حفيظة بعض المحللين؛ إذْ رأى البعض نكاية بطالبان، ومن ثَمَّ بالمسلمين، وخصوصاً الجماعات الجهاديّة الإسلامية المتطرفة بعد انتشارها الواضح في بعض الدول العربية وانسياق الشباب المسلم إليها زُمَرا. فهل تخلو عملية فرز الفائزين بجوائز نوبل للسلام من انتقائية مقصودة من الدوائر المسيطرة على القرار في لجنة التحكيم؟ وإلى متى نعلّق خيباتنا على نظرية المؤامرة؟

من المؤكد أنّ فترة التصريح بنتائج جوائز نوبل المتعددة وخصوصاً منها جائزتيْ نوبل للآداب والسلام، مجال اختصاص العرب التقليديّ، تكون مصحوبة دائماً بأسئلة حارقة، بعضها يتعلّق بحيادية التتويج بها، وبعضُها الآخر يركّز على قيمة الأسماء المُرشّحة لها. ولئن سعت بعض الأسئلة إلى الوقوف على أسباب ضعف المنجز العربيّ وعدم استحقاقه بعض جوائز نوبل، فإنّ بعض الأسئلة الأخرى سعت إلى الوقوف على الدوافع وراء إسناد بعض جوائز نوبل للسلام أو الآداب إلى القلّة القليلة من العرب، ما جعل بعض الكتابات هنا وهناك تلاحق الفائز بجائزة نوبل وتحفر عميقاً في تفاصيل ودواعي إسناد الجائزة له وفي هذا الوقت بالذات، وتتصل تحاليلها بنظريات المؤامرة، والكثير من الشعور بالدونية، وتعقد المقارنات بين الذين حصدوا الجائزة وبين المرشحين العرب الذين عادوا منها بخفّيْ حنين.

منذ انطلاقها سنة 1901 لم يحرز عربيّ واحد هذه الجائزة، وبقينا ننتظر حتى العام 1978 عندما فاز بجائزة نوبل للسلام الرئيس المصري محمد أنور السادات عرَاب ومهندس اتفاقيات كامب دافيد مناصفة مع رئيس الوزراء الإسرائيليّ مناحيم بيغين، وبرعاية أميركية؛ حيث صاغوا اتفاقية هي عبارة عن إطار للتفاوض يتكون من اتفاقيتين، الأولى إطار لاتفاقية سلام منفردة بين مصر والكيان الصهيوني، والثانية خاصة بمبادئ للسلام العربي الشامل في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان.

ثمّ كان الموعد مع الرئيس الفلسطينيّ الراحل ياسر عرفات، فقد مُنح الجائزة ذاتها العام 1994 بالاشتراك مع “شيمون بيريز وإسحاق رابين” لما بذلوه من جهود لتحقيق السلام في الشرق الأوسط بعد اتفاقية أوسلو الشهيرة. وبقدر ما يفخر العرب بهاتين الجائزتين، ترى العديد من المنتقدين يعتبرون منحها للرئيسين المصري والفلسطيني جاء نتيجة تنازلات عن حقوق الشعبين والأمة العربية، وليس أدلّ على ذلك من المقاطعة العربية لمصر بعد الاتفاقية.

وفي أكتوبر 2005 نال محمد البرادعي الجائزة مناصفةً مع الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، ومنحت الجائزة للوكالة ومديرها البرادعي اعترافاً بالجهود المبذولة من جانبهما لاحتواء انتشار الأسلحة النووية. لكنّ نظرية المؤامرة الغربية ضد العرب تؤكد في تحاليلها عدم براءة هذا الإسناد من الخبث، حيث ارتبط اسم البرادعي ذي الجنسية الأميركية بملف غزو العراق وتدمير هذا البلد بحجة حيازته لأسلحة الدمار الشامل التي لم نر منها إلى اليوم إلا سراباً.

كما لم ينجُ حصول توكل كرمان على جائزة نوبل للسلام أيضاً من انتقاد وتأويل، رغم كونها أحد أبرز المدافعات عن حرية الصحافة وحقوق المرأة وحقوق الإنسان في اليمن، وابنة السياسي والقانوني المعروف عبد السلام خالد كرمان، ورغم كونها أيضاً قدّمت نموذجاً متميزاً للمرأة التي تخوض في الشأن العام بشجاعةٍ وإصرار، داعيةً إلى ثقافة الحوار والتعايش، منتقدةً التطرف والغلو والإرهاب، ومؤكدة على ضرورة الإصلاح والتجديد الديني... لم يشفع لها كلّ ذلك عند المجلة الأميركية “كومنتري ماغازين” التي اعتبرت أنّ منح الجائزة لتوكل كرمان لم يأت لكونها تملك سجلاً حقوقياً حافلاً، وإنّما الأمر متصل بالثورات العربية والنشاط المتزايد لجماعات الإخوان المسلمين فيها، ومحاولة من اللجنة لجذب هذه الجماعة وتشجيعها على السلام بدلاً عن العنف، خصوصاً لما عرفت عنه توكل من ميول إسلامية متفتحة ولعلاقة لا تخفى على أحد تربطها بجماعة الإخوان المسلمين بحسب تحليل هذه المجلّة.

لكن، ولئن يبقى إحراز من سبق ذكرهم من العرب على هذه الجائزة موطن جدل وريبة، ولا يخلو من انتقائية مقصودة، فإنّ استمرار تعليق خيباتنا في الحصول على هذه الجائزة على نظرية المؤامرة لن يشجع العاملين على نشر السلام من العرب في العالم، والأَوْلى من ذلك أن تشتغل الماكينة الإعلامية جيداً للتعريف بهؤلاء الناشطين في مجال السلام من البلاد العربية، وتشجيع مبادراتهم وتوفير الأجواء المناسبة لإنجاحها. ولعلّ ما بذله الأخضر الإبراهيمي، وما يبذله اليوم جمال بن عمر في اليمن من جهود لإحلال السلام ووقف العنف والقتال، خير أمثلة على إمكانية إحراز هؤلاء وأمثالهم على الجائزة لو تتكلل جهود أحدهما بالنجاح.

إنّ إحراز الفتاة الآسيوية المسلمة الباكستانية ملالا هذا العام الجائزة يبقى وساماً يفتخر به كل مناصرٍ للسلام غيورٍ على الأطفال في العالم. ومهما سعت تأويلات نظرية المؤامرة إلى إفساد نشوة الفوز بهذا الوسام العالميّ، فإنّ ملالا ستبقى مطلّة على العالم برأس شامخ مرفوع دفاعاً عن حق الأطفال في التعلّم، بعد أن فعلت بها يد الإجرام المتطرفة في منطقة “سوات” ما فعلت ذات يوم من أكتوبر من العام 2012.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4420 - الإثنين 13 أكتوبر 2014م الموافق 19 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 12:17 ص

      مسكين عرفات اسمه تلطخ مع هؤلاء

      ثمّ كان الموعد مع الرئيس الفلسطينيّ الراحل ياسر عرفات، فقد مُنح الجائزة ذاتها العام 1994 بالاشتراك مع “شيمون بيريز وإسحاق رابين” لما بذلوه من جهود لتحقيق السلام في الشرق الأوسط بعد اتفاقية أوسلو الشهيرة.

    • زائر 4 | 5:05 ص

      نوبل عقدة العرب

      جوائز مسمومة بلا منها

    • زائر 3 | 3:23 ص

      نوبل... والسلام العربيّ العاثر

      ملالا تستحق الجائزة وما عليك من الذين يحفرون في البحر

    • زائر 2 | 2:11 ص

      كل الجوائز مشكوك فيها

      صدق أشك في أي شيء جينا من الغرب

    • زائر 1 | 12:30 ص

      شكرا أستاذ

      مقالاتك دوما تفوح برائحة السلام
      جعلك الله عونا ونصيرا للسلام

اقرأ ايضاً