تدرس الباحثة التاريخية فوزية الجيب في كتابها "تاريخ النفوذ البرتغالي في البحرين (1521-1602)، الصادر في العام 2003، عن وزارة الإعلام البحرينية، مجريات الأحداث في الفترة التي عاشتها البحرين تحت النفوذ البرتغالي، محاوِلة التعرف على الانعكاسات التي تركتها الأحداث العسكرية والسياسية والاقتصادية التي شهدتها هذه الفترة، إلى تشكّل تاريخ البحرين من جوانبه المختلفة.
وتسير مقدمة الدراسة إلى التوجه لتأريخ حقبة مهمة من البلاد؛ عبْر إيقاظ تاريخ مخزون في الوثائق وبطون الآثار غير المكتوبة وغير المعروفة بصيغة مترابطة وكاملة.
وبحسب المؤلفة فإن الدراسة الحالية تنطلق من فرضية أساسية مفادها أن البرتغاليين قد مارسوا نفوذهم في البحرين بشكل مختلف عمّا فعلوه في سائر مناطق الخليج.

تنشيط الأسئلة
سعت الباحثة في دراستها إلى تجميع المعطيات وتحليلها، كل ذلك من خلال تنشيط أسئلة ملحّة منها: كيف كان واقع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البحرين قبل مجيء البرتغاليين؟ وماذا كانت خصوصيتها بالمقارنة مع بلدان الخليج الأخرى؟
كيف نظّم البرتغاليون دورة الحياة اليومية في الجزيرة؟ وهل اختلفت ممارسات النفوذ البرتغالي من منطقة إلى أخرى داخل البحرين؟
ثم إنه كيف أدار البرتغاليون اقتصاد الجزيرة؟ وما هي آليات الحكم التي خصّوا بها البحرين من دون سواها من مناطق الخليج؟ وما هي الإصلاحات أو التغييرات التي أدخلها البرتغاليون على هيكلية المجتمع وبُناه التحتية ومؤسساته عموماً؟
كيف كانت ردود فعل الشعب البحريني على الوجود البرتغالي؟ هل تكونت حركة مقاومة شعبية منظمة ومواجهة عسكرية مع المحتل؟
وهل تطورت أو تغيّرت أهداف البرتغاليين ومعاملتهم لسكّان البحرين خلال فترة واحد وثمانين عاماً أمضوها في البحرين؟
لماذا لم يُبْقِ البرتغاليون سيطرتهم على الجزيرة؟ وما هي الملابسات المحلية والدولية التي حتّمت إنهاء الحكم البرتغالي في البحرين؟
وأخيراً، ما هي الآثار التي تركتها هذه المحطة من الحكم البرتغالي على تطور تاريخ البحرين في الحقب اللاحقة على المستويات كافة؟
يعالج الفصل الأول من الكتاب الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية العالمية في العقد الثاني من القرن السادس عشر، واشتمل على محاولة لبلورة المشهد الدولي العام الذي أسّس للوجود البرتغالي لمناطق الخليج عموماً والبحرين خصوصاً. وتوزع الفصل الأول على موضوعات التحالفات الكبرى، ورهانات القوى العظمى آنذاك ومصالحها، والأزمات والتوازنات الدولية وتقاسم مناطق النفوذ وآليات تنفيذها، والاعتبارات التي تتدخل في تشكيلها، وموقع البرتغال داخل خريطة القوى العظمى، وأبعاد التوسع البرتغالي، والصراع البرتغالي العثماني ومَغَازيه العسكرية والاقتصادية، والبحرين ضمن مخطط الاحتلال البرتغالي.
أما الفصل الثاني، فيتضمن لمحة موجزة عن واقع البحرين قبل دخول البرتغاليين. وتستكمل المؤلفة الصورة التي بدأت بلورتها في الفصل الأول في ما يخص الأوضاع الدولية، في محاولة لرسم صورة موازية للأولى تبرز واقع الحال الذي كان يسود جزر البحرين قبل دخول البرتغاليين إليها، للتعرف على مدى تساوق الأوضاع البحرينية مع الأوضاع الدولية آنذاك، ومدى مساهمة الوضع العام الذي كان سائداً على أرض البحرين، إما في التحضير للغزو البرتغالي أو في تعقيد مهمة الغزاة.
تضمّن الفصل الثالث نظام الحكم في البحرين في العقد الثاني من القرن السادس عشر، وقوة البحرين العسكرية في تلك الفترة، والصراعات الداخلية، التحالفات، المعاهدات، الأزمات، والتبادل التجاري، عناصر الاقتصاد البحريني، وأنماط إدارة عمليات الإنتاج والتسويق والتبادل داخل الجزيرة، تفاعلات شرائح المجتمع المختلفة فيما بينها، والانتماءات المذهبية المختلفة وانعكاساتها على وحدة الجزيرة وتماسك أهلها.
كما تضمن الفصل نفسه تناولاً لأهم الأحداث الداخلية التي جرت خلال فترة الوجود البرتغالي، وأهم القوانين والإجراءات التي فرضها الوجود البرتغالي على البحرين، والآليات التي توسلها الاحتلال البرتغالي لفرض هيبته كاستخدام القوة العسكرية، وسن القوانين الجديدة، وفرض الضرائب، ومنح الامتيازات للبرتغاليين المتعاونين معهم من أبناء البلاد، واستغلال موارد البلاد الطبيعية، ومحاولة إحلال ثقافة اجتماعية غربية مكان الثقافة المحلية، وتأجيج الخلافات المذهبية، وإعادة تشكيل خريطة الزعامات وجماعات الضغط ودوائر الانتماء، فضلاً عن الآليات التي توسلها الاحتلال البرتغالي لاستقطاب أهل الجزيرة من تطوير البُنى التحتية وتنفيذ مشاريع اجتماعية إنمائية، وإنشاء مؤسسات إدارية ومجتمعية للنفع العام، وتنظيم الحياة العامة.
يُفْرِد الفصل الرابع كلامه على الصراع العثماني البرتغالي وانعكاساته على السياسة البرتغالية في البحرين "فمن ناحية أولى، أثار الوجود البرتغالي في الخليج غضب الدولة العثمانية وقلقها، وخاصة أنها كانت في بدايات نشوئها، ومن ناحية ثانية، قلق البرتغاليين إزاء النمو المتزايد للسلطنة وبروز قوتها العسكرية وحجم طموحاتها".
أما الفصل الخامس، فيتناول نهاية الوجود البرتغالي في البحرين وآثاره.

تناولات الفصول
احتوت فصول الكتاب الخمسة عدداً من العناوين، ففي الفصل الأول: الأوضاع العالمية في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، وموقع البرتغال المميّز في إطارها، وبحث الأوضاع في أوروبا (السياسية والدينية والاقتصادية)، الرهان على العِلم من أجل التوسع، الكشوفات الجغرافية البرتغالية ليست ثمرة العلم فقط، أوضاع الدولة العثمانية، أوضاع منطقة الخليج والبحر الأحمر، والأوضاع السياسية في الخليج العربي قبل الغزو البرتغالي وإبّانه.
فيما احتوى الفصل الثاني: أوضاع البحرين قبيل دخول البرتغاليين، بدأ بتمهيد، شحّ المعطيات المتوافرة، العَمَارة، السكّان، الإدارة، الاقتصاد، الزراعة، التجارة، القيم الاجتماعية والثقافية، العلاقات السياسية، والأوضاع الاقتصادية.
في الفصل الثالث "البحرين تحت النفوذ البرتغالي: أنماط وجوده في البحرين"، يتم تناول العناوين الآتية: نمط الحكم البرتغالي في الخليج عموماً، دوافع احتلال البرتغاليين للبحرين، دخول البرتغاليين إلى البحرين، الحكم البرتغالي في البحرين، ثورات أهالي البحرين ضد البرتغاليين وعلاقتها بأساليب حكمهم، ويتفرع عن العنوان الأخير، الثورة الأولى، الثورة الثانية، وآخر الثورات.
وتحت عنوان "الصراع العثماني البرتغالي وانعكاساته على السياسة البرتغالية في البحرين"، يبدأ الفصل الرابع بتمهيد، أهم مكونات خلفية نظام الحكم العثماني، الوجود العثماني في الخليج العربي، العثمانيون في البحرين، انعكاسات الوجود العثماني في منطقة الخليج العربي على الأوضاع في البحرين، والعثمانيون في مياه البحر الأحمر ومنطقة الخليج.
وفي الفصل الخامس والأخير الذي حمل عنوان "نهاية النفوذ البرتغالي في البحرين وآثاره"، يبدأ بتمهيد، ليتناول، الظروف الدولية التي مهّدت لإنهاء الوجود البرتغالي في الخليج العربي، التحضيرات الإنجليزية لدخول المنطقة: انبهار بحجم الأرباح البرتغالية، التحضيرات الهولندية لدخول المنطقة: رصيد الميدان، إنشاء شركة الهند الشرقية: مؤشر على بداية النهاية للبرتغاليين، نهاية البرتغاليين في البحرين جزء من نهايتهم في الخليج العربي، الأحداث التي هيّأت نهاية البرتغاليين، عوامل سقوط الحكم البرتغالي في الخليج العربي، وطرد البرتغاليين من البحرين.
إضافة إلى الخاتمة ولائحة بالمصادر والمراجع والملاحق.