العدد 4417 - الجمعة 10 أكتوبر 2014م الموافق 16 ذي الحجة 1435هـ

الشاخورة: حيث معبد ديوسكوري سافيورس

تناولنا في حلقات سابقة عمليات التنقيب في تلال الحجر وجاراتها، وغالبية التلال كانت تحوي على قبور تعود للحقبة الهلنستية أو فترة تايلوس (300 ق. م. - 600 م). هذه القبور عبارة عن حفر بعضها ممسوحة من الداخل بالطين أو الجص، ومنها غير الممسوحة، وجميعها مغطاة بغطاء حجري. وهذه القبور منتشرة في الحجر والمقشع والشاخورة وأبوصيبع وغيرها. وربما أهم القبور التي نقبت بهذه المنطقة وتعود لهذه الحقبة هي قبور الشاخورة، حيث عثر فيها على نقش مهم يوثق بناء معبد يوناني في البحرين من قبل شخصية مهمة.

تقع قرية الشاخورة غرب شارع الشيخ خليفة بن سلمان، وتحيط بها ثلاث قرى هي الحجر وأبو صيبع ومقابة، قال عنها Lorimer في دليله إنها كانت قرية مزدهرة بها عدد كبير من المنازل الممتازة ومعظمها الآن متهدم (Lorimer 1908, V.2, 228). ويوجد بها عدد من تلال القبور منها ما يعود لحقبة دلمون ومنها ما يعود لحقبة تايلوس. وقد نقب فيها أكثر من فريق، فرق عمل محلية في الأعوام 1968م و1992م، وفريق عمل من البعثة البلجيكية وذلك في العام 1999م (صويلح 2009، ص 168 و263 و321). وقد جمعت نتائج التنقيب في القبور التي تعود لحقبة تايلوس في كتاب جمع من قبل Salman and Andersen وأصدر في العام 2009م. وهناك ترجيحات أن هذا الموقع كان جزءاً من مستعمرة تعود لحقبة تايلوس.

معبد تايلوس المفقود

من أهم المكتشفات في موقع الشاخورة هو نقش حفر على أحد الصخور التي استخدمت كغطاء لأحد القبور التي تعود لحقبة تايلوس. النقش يؤرخ بناء معبد يوناني في البحرين تم تأسيسه من قبل هيسبوسينز Hyspaosines (141 ق.م – 115 ق.م) ملك كراسين أو مايسين (ناقشناه بالتفصيل في سلسلة مقالات الحقبة الهلنستية). النقش عبارة عن كتابة يونانية ترجمتها كالتالي:

«باسم الملك هيسبوسينز والملكة ثالاسيا والمرزبان كيفيسيدوروس مرزبان تايلوس والجزر المحيطة، يهدى هذا المعبد إلى ديوسكوري سافيورس» (Gatier et al 2002).

يلاحظ أن هذا النقش يمثل حجر الأساس لمعبد لم تحدد أبعاده أقيم في تايلوس تكريماً للآلهة اليونانية ديوسكوري سافيورس Dioscuri Saviours. وهذه الآلهة في الميثيولوجيا اليونانية عبارة عن الأخوان كاستور وبولوكس وهما من ضمن الأشياء التي تحمي الملاحة في المنطقة وهذا يعطينا دلالة أن المعبد الذي أنشئ كان قريباً من مرسى للسفن. وأفضل مكان لذلك سيكون بالقرب من قلعة البحرين التي لا تبعد كثيراً عن الشاخورة حيث وجد هذا النقش، بالإضافة أن موقع قلعة البحرين هو من أقدم المراسي في البحرين (Gatier et al 2002). وربما بني هذا المعبد في الشاخورة وهو جزء من مستوطنة بنيت في هذا الموقع.

إقليم تايلوس والجزر

ذكر في النقش السابق اسم المرزبان كيفيسيدوروس مرزبان تايلوس والجزر المحيطة، وبحسب دراسة حديثة نشرها Kosmin في العام 2013م، فإن المقصود باسم تايلوس والجزر هو إقليم دلمون الكبير الذي كان يضم، بالإضافة لجزر البحرين، جزيرة فيلكا وجزيرة تاروت؛ فبما أن كاراسين كانت تسيطر على تلك المناطق، ولم يذكر وجود مرزبان لجزيرة فيلكا أو جزيرة تاروت، وبما أن لقب مرزبان (strategos) يعطى لقائد إقليم وليس لقائد منطقة صغيرة فبالتالي فإن مسمى تايلوس والجزر يقصد به إقليم يضم المناطق الثلاث وأن حزيرة البحرين هي مركز الإقليم الذي به المرزبان (Kosmin 2013).

يذكر أنه قبل اكتشاف هذا النقش في البحرين، كانت هناك رسالة يذكر فيها اسم شخص سلوقي، بدون أي لقب، وهو أناكسارخوس (Anaxarchos)، وهذا الشخص كان مسئولاً عن جزيرة فيلكا، ويرجح Kosmin أن هذا الشخص، في ظل المعلومات التي وفرها نقش البحرين، هو أول مرزبان تولى حكم إقليم تايلوس والجزر وأن مقره كان في تايلوس، حيث إن سياق الرسالة، التي يذكر فيها هذا الاسم، لا يوحي أن هذا الشخص كان يسكن في جزيرة فيلكا، بل يوحي أنه كان يسكن في تايلوس (Kosmin 2013). والمرجح أن هذا المرزبان يسكن في المدينة التي تعود لحقبة تايلوس والتي توجد في قلعة البحرين. وقد خلفه المرزبان هيسبوسينز الذي سكن في تايلوس أيضاً وبنى بها معبداً.

شرق الجزيرة كوحدة جيوسياسية

نقش الشاخورة له أهمية كبيرة في إعادة كتابة تاريخ البحرين وشرق الجزيرة العربية في حقبة تايلوس، فلقد رأينا كيف أن تايلوس والجزر هو مسمى لإقليم وليس جزيرة. ويرى Kosmin أن هذا الإقليم مثل وحدة جيوسياسية وقد ورث الأهمية نفسه التي كان يتمتع بها إقليم دلمون في السابق وقد أوضح Kosmin نظريته كالتالي:

يرى Potts أنه كان في الخليج العربي في الحقب القديمة نظامين يعمل بهما في التجارة البحرية، نظام المناطق المنعزلة التي تعمل منفردة ونظام الكيان الوحدوي. وكمثال على النوع الأخير، أعطى Potts المنطقة الممتدة من سواحل الكويت وحتى شبه جزيرة عمان، بما في ذلك الجزر القريبة من هذا الامتداد، فهذه المنطقة كانت تشكل نظاماً جغرافياً مترابطاً ومتداخلاً؛ حيث تمثل التجارة البحرية فيه حرفةً أساسية من حرف السكان الذين يقطنون هذه المنطقة، سواء كانت هذه التجارة بين أقطار الخليج العربي نفسه أو بين هذه الأقطار والمناطق البعيدة. وعلى مدى الحقب التاريخية القديمة، مثل ساحل الجزيرة العربية في الخليج العربي (بخلاف ساحل فارس) خط التجارة الأساسي؛ وذلك لوجود الموانئ العميقة ومصادر المياه العذبة. ويرجح أن المحطات الأساسية في هذا الطريق التجاري هي: جزيرة فيلكا وجزر البحرين وجزيرة تاروت؛ وذلك بسبب عدم وجود محطات سكنية متفرقة على طول ساحل الجزيرة العربية وكذلك لوجود جماعات رعوية تسكن شرق الجزيرة العربية تسبب تهديداً للسفن التجارية (Potts 1978, in Kosmin 2013). ومن هنا جاءت أهمية تلك المناطق الثلاث التي كانت تمثل إقليم دلمون، وإن أي قوى سياسية تسيطر على دلمون فإنها، بالتالي، تسيطر على أهم طريق تجاري بحري. هذا يعني، أن هناك وحدة جيوسياسية كانت في الخليج العربي وأن دلمون كانت تمثل مركز هذه الوحدة الجيوسياسية. هذا الوضع لم يتغير عبر الحقب التاريخية التي كانت تمثل الحقب الدلمونية.

وقد ورثت تايلوس (البحرين في الحقبة الهلنستية) إرث دلمون. وفي العهد السلوقي (نهاية القرن الثالث قبل الميلاد) تحول إقليم دلمون بجميع مكوناته إلى إقليم آخر عرف باسم إقليم «تايلوس والجزر»، وقد كانت تايلوس تمثل مركز هذا الإقليم الذي استمر يمثل وحدة جيوسياسية (Kosmin 2013).

هذا جزء بسيط من أسرار الآثار التي تنتشر في القرى الممتدة على شارع البديع، وهناك أسرار أخرى نكشف عن بعضها في حلقات قادمة.

العدد 4417 - الجمعة 10 أكتوبر 2014م الموافق 16 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً