العدد 4413 - الإثنين 06 أكتوبر 2014م الموافق 12 ذي الحجة 1435هـ

من نفحات الأضحى

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في كتابه «هكذا علمتني الحياة»، كتب الشيخ مصطفى السباعي الشامي رحمه الله: «اليوم تراق دماء الأضاحي في منى بين فرح الحجاج وتكبيرهم، وما فرحتهم لأنهم أراقوا دماً، بل لأنهم أدوا فريضة، وتعرضوا لنفحات الله في عرفات، فهنيئاً لمن قبله الله منهم، ولم لا يقبلهم جميعاً إلا ظالماً أو مغتصباً أو قاطع طريق من أمير أو حاكم، أو غني أو قوي».

كان يكتب هذه الكلمات في شهر أكتوبر 1964، وهو ملقى على فراش المرض، وكان يدعو: «مولاي! إن المؤمنين بك قد اجتمعوا إليك تلبية لدعوتك، فاجمعهم على العمل لدينك كما جمعتهم على السعي لعبادتك، ونقِّ قلوبهم من الضغينة كما ألبستهم بيض الثياب، وألهمهم الرحمة فيما بينهم، كما ألهمتهم طلب الرحمة منك». وما أحوج هذه الأمة لمثل هذه الدعوات، بل وما أحوجها إلى العودة للارتواء من النبع الأصيل لهذا الدين، والاستلهام من صاحب نهر الكوثر (ص)، خصوصاً لهذه الجماعات الضالة التي انغمست في نشر دعوات التكفير لهذه الأمة وسفك دماء أبنائها.

القرآن الكريم يخاطب نبي الإنسانية (ص) بلسانٍ عربي مبين: «وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين» (الأنبياء: 107)، وهؤلاء يدّعون أنه بُعث لذبح العالمين.

الرسول الذي ثارت الأمة قاطبةً، بسبب رسوم كاريكاتورية مشينة، من بعض الرسامين الأجانب الذين يجهلون تاريخه وسيرته، يتعرض اليوم إلى أكبر حملة تشويه على يد بعض الشراذم الجهلاء، فيقدّمون دينه في هيئة دين بربري ديدنه البطش والقتل وقطع الرؤوس.

هذا الرسول العظيم الذي كان يوصي أتباعه بأن يعرضوا الحيوان قبل ذبحه على الماء ليشرب، وألا يذبحوه أمام الحيوانات الأخرى لئلا يؤذوها ويرعبوها، رحمةً وشفقةً بالحيوان، يقدّمه هؤلاء الجهّال في هيئة القاتل، المتعطش للدماء. وهو ما كان يسعى لإثباته كثير من المستشرقين في القرنين الماضيين في كتاباتهم، وتصدّى لتفنيدهم كبار كتاب ومفكري وعلماء الأمة في المغرب والمشرق، ليتطوّع هؤلاء الأوباش بتقديم مثل هذه الصورة الشوهاء الرعناء عن دين الرحمة.

هذا النبي الكريم كان يقف أمام صبي يبكي في الشارع، لأن عصفوره نفق، فيواسيه ويخفّف عنه. وكان من مبادئه في الحرب أن لا يتعرّضوا للرهبان ولا للنساء والأطفال، ولا يجهزوا على جريح، ولا يطاردوا هارباً من القتال، توفيراً للأرواح، وتخفيفاً للآلام، وطمعاً في هداية البشر، فلعل يخرج من بين أعدائه أو من أصلابهم من يعشو لهذا الدين. أما هؤلاء المتعطشون للدماء، فلا يراعون حرمةًً للأرواح ولا للأموال ولا للأعراض، وكل شيء عندهم مباح.

هذا النبي العظيم، كان يقبل من جبابرة قريش الذين قاتلوه لأكثر من عشرين عاماً، النطق بالشهادتين فيحكم بإسلامهم بينما هؤلاء لا يقبلون حتى من المسلمين إسلامهم. والذين ناصبوه العداء ثلاثة عشر عاماً، ويسخرون منه ويُغرون به سفهاءهم وشعراءهم، ويلقون عليه رفث الحيوانات وهو ساجدٌ أمام الكعبة، وعذّبوا المؤمنين به ووضعوا الصخور على بطونهم في الرمضاء، وتآمروا على قتله حتى اضطروه إلى الهجرة ليلاً. وحين استقر به المقام في المدينة جيّشوا له الجيوش وجمعوا الأحزاب لقتاله. فلما أظفره الله بهم وظنوا أنها ساعة القصاص، جمعهم وخاطبهم قائلاً: ماذا تظنون أني فاعلٌ بكم؟ فقالوا: أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم، فقال قولته الخالدة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

في تلك اللحظة التاريخية، لما دخلت كتائبه مكة المكرمة، صاح أحد قادة جيشه المظفر منتشياً بلحظة الانتصار: اليوم يوم المشأمة، اليوم تُسبى الحرمة. فلمّا بلغه ذلك بعث من ينادي: اليوم يوم المرحمة. اليوم تُصان الحرمة. فقد بعث رحمةً للعالمين ولم يبعث بالذبح والقتل وسفك الدماء كما يظن السفهاء.

ما أحوج هذه الأمة إلى استرجاع ذاكرتها ومروءتها وتاريخها ودينها.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4413 - الإثنين 06 أكتوبر 2014م الموافق 12 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 10:32 ص

      من المحرق

      لا يوجد تشوية يمارسه احد غير دول الملالي التي تريد تصدير الثورة الي الدول العربية و ما يحصل من تناحر وقتل كل سببه هذا الدولة المارقة من العراق الي لبنان واليمن و البحرين وسوريا كل تدخلاتها لبث الفرقة والتناحر بين المسلمين و نشر مذهبها فى هذه الدول فأن تكلمت عن هذه الجماعات فهي ردة فعل لما يحصل للمسلمين بسبب عملاء وتدخلات هذه الدوله الحاقدة علي كل ما هو عربي.

    • زائر 11 | 4:28 ص

      هادا

      هادا الكلام الي ادواى الجروووح والمنطق الصحيح انظروا الى جرايدهم يوميا يسبون .... من اجل فلوووس الحرام لاكن سياتى يوم وراح يصيحون على افعالهم الشنيعة المشتكى لله وشكرا ياسيد

    • زائر 10 | 3:10 ص

      صبحك الله بالخير سيدنا.

      ابو الهواشم صبحك الله بالحير . شوف لنا رحم الله ولديك امر المارد الكبير طالع فيه هالايام خاصة قرب الانتخابات وما ادري يمكن يبي يتنافس مع الشيخ علي سلمان في الانتخابات رغم الشيخ الله احفظه اعلن مقاطعة الانتخابات. ما ادري ويش فيه حاط على الشيعه.خونه ولاية فقيه.ويريد من الدخول في الانتخابات. باي ابو الهواشهم الله يحفظك ياربي.

    • زائر 9 | 2:32 ص

      رائع

      رائع يا سيد كلامك ما أحوج الناس إليه حسبنا الله على كل ظالم
      بريد الشوق

    • زائر 8 | 1:42 ص

      مقال في الصميم

      لا نكون كالمنظمة الفاشلة "الأمم المتحدة " التي تدين المنظمات و الأشخاص الإرهابين والتكفيريين فقط ؛ و تجيزه للدول . لذا من الواجب محاربة جميع الجماعات الضالة التي انغمست في نشر دعوات التكفير لهذه الأمة وسفك دماء أبنائها، من جماعات و أحزاب و منظمات و دول و مستبدين.

    • زائر 7 | 12:31 ص

      زائر موالي

      رحم الله بطن إلي حملتك ابو هاشم

    • زائر 6 | 12:01 ص

      -----

      صلى الله وسلم عليك يا سيدي يارسول الله وعلى أخيك وأبن عمك أمير المؤمنين علي بن ابي طالب وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين وعلى أصحابك المنتجبين الأخيار ورحم الله والديك ياسيد.

    • زائر 4 | 11:03 م

      اللهم اجمع أمة محمد على خير

      اللهم اجمع أمة محمد على خير وآلف بين قلوبهم

    • زائر 3 | 10:23 م

      زائر

      هؤلاء المسخ شوهو وجه الإنسانية وكل الأديان السماوية لم ياتى نيي من الأنبياء إلا ودعى الى الرحمة والمحبه واما ديننا الإسلامي الحنيف الدى جاء به نبينا الكريم وهو خاتم الأديان فقد جمع كل صفات التسامح والرحمة والاخوه ببن جميع البشر وما ادل على ذلك من قول امير المؤمنين علي (ع) الناس صنفان اما اخ لك غي الدين او شبيه لك في الخلق فأين هؤلاء من الاسلام او الإنسانية ادا كانو بشر

    • زائر 2 | 10:16 م

      تمام

      وكم نحن نحن محأجون لصون الحرمه

    • زائر 1 | 9:57 م

      التأمر على الذين من القائمين عليه انه العار

      وماذا تريد غير تشويهه من الداخل فكثير من القائمين على ديننا حاليا هم من الجهلة عبدة الافراد ويملكون المال ولكي يحتفظون بعروشهم وقمع شعوبهم هذه هو الناتج قوم كفرة يكفرون المسلم لقتله لتقوم هذه الأنظمة بمحاربتهم بعد استنزاف قضية فلسطين لها وعتقها لعدم المطالبة بالديمقراطية فكانت الحجة هي قضية فلسطين ونبتهل الى الله ان يزيل هذه الغمه عن هذه الامة ويبرز مستوى ورقي الدين المحمدي الاصيل

اقرأ ايضاً