أولت الديانات السماوية وخاصة الإسلام الحنيف الإعداد الروحي للإنسان وتنميته أهمية كبيرة، ومساحة لا تقل عن تلك التي أولاها لجوانب الحياة المادية، شريطة الموازنة بين الجانبين لئلا ينحرف إلى الرهبنة أو السقوط في أسر الشهوات والغرائز، وما نُظُمُ وتعاليم الشريعة من حب الخير والفضيلة وكره الظلم والفساد إلا أحد أبرز ما ترمي إليه.
الحج محطة اختبار
روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في نهج البلاغة أنه قال في علة الحج في خطبة له:«ولكنّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بألوان المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبواباً فتحاً إلى فضله، وأسباباً ذللاً لعفوه».
فالحج عبارة عن رحلة أيامها قصيرة، إلا أن آثارها الروحية وانعكاسها طويل على سلوك الإنسان وحركته في الحياة بعد عودته من أداء هذه الفريضة وتشرفه باستجابة النداء الرباني المقدس: «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» (الحج/ 27)، الذي شرعه إبراهيم الخليل (ع)، وأصبح ركناً من شريعة سيد المرسلين محمد (ص)، (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)(الحج/ 28).
المنافع الدنيوية والأخروية
والنَّفِيعةُ والمَنْفَعةُ:اسم ما انْتُفِعَ به، وضدها الضُرّ، والنَّافِعُ من أَسماء الله تعالى وهو الذي يُوَصِّلُ النفْعَ إِلى مَن يشاء من خلْقه حيث هو خالِقُ النفْعِ والضَّرِّ والخيْرِ والشرِّ، وعليه يمكن تقسيم المنافع إلى نوعين:
1 - منافع دنيوية: تحلي الإنسان بالأخلاق الفاضلة كالتواضع والصبر والتضحية والإيثار والكرم والإحساس بالآخرين ومواساتهم وتركه كل ما من شأنه أن يفسد إسلامه، ولقاءه بالحجاج من مشارق الأرض ومغاربها، واجتماعه معهم ليؤدوا مناسك واحدة وفي وقت واحد ولبس واحد ودعاء واحد، فضلاً عن المنافع الحياتية العامة الأخرى.
2 - منافع أخروية: وهي تقرب الإنسان إلى الله سبحانه واللجوء إليه، والانقطاع عن كل مَنْ سواه، والالتزام الدقيق بما يحقق العبودية الكاملة والحقيقية في كل حركة وسكون، تاركاً لذائذ الحياة المادية، متحملاً للمشاق والصعاب، محققاً هدفاً من الأهداف التي لابد للحاج من تحقيقها وهو السمو بهذه الروح المثقلة بأعباء الحياة المادية الطاغية على كل جزء من أجزاء الحياة، والآسرة لها بقيود الغرائز والشهوات التي لا تزيدها إلا قسوةً وتحجُّراً وبُعداً عن طريق الهداية والنور القائد إلى طريق النجاة، وهذا ما يدعونا للوقوف على علة الحج.
تجديد الدعوة إلى الإسلام
من أهم المنافع التي يجب على المسلمين التنبه إليها - خصوصاً في هذه الأيام - أَنَّ الحج فرصة ذهبية لإعادة تجديد الدعوة إلى الإسلام المحمدي الأصيل الداعي إلى الرحمة وهداية البشرية إلى الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، فرصة لإصلاح حال هذه الأمة المتمسكة بربها ورسولها وقرآنها وقبلتها وفرائضها التي افترضها الله عليها، وتصحيح ما عَرَضَ من تحريف وتزوير لحقيقة إسلامها النقي والناصع، وإعادة الاعتبار للمفاهيم والتعاليم الإلهية السامية التي لو تم التمسك بها لأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم، وعمَّتهم الخيرات، ونزلت عليهم البركات، وكانوا مصداقاً حقيقياً لقوله عزَّ شأنه: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
أحمد عبدالله
حينما تسافر الشخصية المهمة (VIP) إلى الخارج من الطبيعي أنه سيحصل على جناح خاص في أحد الفنادق الكبرى 5 ستار، واكوموديشن خاص، واستقبالاً خاصاً، يليق به من المطار حتى بهو الفندق، حيث يصحبه خادم مخصص إلى خدمته، إلى جناحه المكيف والواسع، يطل على البحر أو النيل ومن الطبيعي، أن فيه ثلاجة صغيرة مملوءة بما لذّ وطاب من الأكل والشرب، وسرير طبي، وكنبة جانبية عليها تلفون، ويتوسط الغرفة تلفزيون ملون hd ينقلك للعالم الآخر، يدور بك شرقاً حيث الرقص العربي، وإذا أدار ريموت التلفاز ناحية الغرب وجد التكنولوحيا والتطور الهائل، فلا يقشعر بدنه، ولا تهتز شعرة من رأسه لماذا؟ لأنه أصلع ولا تستهويه تطورات ولا تجارب الغرب ونهضتها وما يحاط به، إنما يستهويه الليل الذي ينتظره وبينما هو يشاهد التلفاز ويشاهد آثار الديمقراطية، وهي متشحة بمعالمها في الشوارع، وبألوانها الزاهية، ويشرب من كأسها شعوب الغرب كشرب الماء في حين أن شعب بلاده تُملئ كوؤسها بالدم حينما تطالب بعمل لائق أو حرية الرأي أو قليل من رائحة الديمقراطية!
فجأة وفي أثناء غفوة النهار، إذ يرى نفسه داخل غرفة ضيقة، ومظلمة جداً، لا تتسع لمد رجليك تشبه (اللحد)، وما هي إلا ثوانٍ ويدخل رجل مكفهر الوجه تحسبه مخصصاً لخدمتك حاملاً معه كتاب، لعله يخصّه الذي بادره بالصراخ كعادته، كما يفعل مع خدّامه في دنياه الفانية، ومن سوء حالتك المزرية، ولباسك الأبيض الذي بالكاد يستر عورتك يشبه كفن لحده الذي أعده لنفسه، بسبب أعماله السيئة والمشهورة بالسرقة واللهو والطرب وقتل الأبرياء وسفك دمائهم حينها بدأ بالبكاء الشديد! لماذا؟ لأنك تدرك أنك الآن تحت رحمة خالقك في قبر ضيق ومظلم، بدلاً من البيوت الواسعة وأنت تحت حساب الجلاد وقضم ونهش الأفاعي لجسدك والديدان تنخر من عظامك كيفما تشاء، حتى إذا ما صار جسدك كالهيكل العظمي بسبب أنياب الأفاعي والديدان تعرض على نظام مخصص للدكتاتوريين والطغاة يسمى (البرزخ)! فإنها في نهاية المطاف ستكون سفرة دون رجعة!
مهدي خليل
العدد 4413 - الإثنين 06 أكتوبر 2014م الموافق 12 ذي الحجة 1435هـ