كلما كبرت الأحلام، ازدادت المسئولية وازداد القلق، وأؤكد: الأحلام وليس الأوهام. وكلما ازدادت الأوهام ازداد الاطمئنان المخادع. الاطمئنان الذي فيه النهاية وأحياناً المقتل. وليس بالضرورة مقتلاً بالمعنى الذي نعرف؛ إذ قد يكون مقتلاً بانمحاء وجودٍ من حيث الأثر والفعل والشراكة في أحداث العالم.
الحالم لديه ما يقوده ويدله إلى تحقيق بعض أحلامه إن لم يكن كلها، وتحقيق كل الأحلام لا يخلو من وهم أيضاً. يكفي أن تكون أحلامك بلا نهايات كي تنتقي المهم والأهم من بينها.
الواهم صفر في داخله، ومن نومه وتواكله يريد تحقيق الأرقام الكبيرة والقياسية، وهي ليست بالضرورة أرقام رصيد مصرفي؛ فقد تكون أرقاماً في الدور والأثر والقدرة والطاقات. كل ذلك برسم الوهم والتخيل في جانبه المريض المتواكل.
لا خوف على الذين هم مرضى بالأحلام. الخوف على الذين اجتاحهم وباء الوهم. المرضى بالأحلام حيويون ومتصالحون مع أنفسهم. والحالمون أقل المخلوقات أذى، وأبعدهم عن الوحشية. نتحدث هنا عن الأحلام التي تضيف إلى الجمال جمالاً، وإلى الإبداع إبداعاً، وإلى الإنجاز إنجازاتٍ وإلى الضوء أضواءً. والواهمون أو المتوهمون هم على النقيض؛ لا راحة لهم كلما رأوا من حولهم صاحب إنجاز وعبقرية أو حتى عدم سأم من المحاولة. ميتون هم في صورة أحياء ويحسبون أن كل حياة صيحة عليهم تأخذ بهم إلى الموت. وكلما طالت وامتدت وعمّرت أوهامهم كلما كانوا متحفزين للأذى وما بعده. ولكم أن تتخيّلوا ما بعده خصوصاً إذا كانوا من الصنف الرديء الذي لا ترتجى جودة منه، فهل سمعتم عن رداءة تخلف وتنجز جودة؟
وبقدر ما ينسجم ويلتحم ويتناغم الحالم مع عجزه وانتظاره، بقدر ما يكون منشداً مع واقع أنه مَثَل للشلل والمراوحة وما يشبه الموت، بل هو الموت. صاحب الأحلام لا يتورط بالنسيان لأنه مشغول بالطريق إلى تحقق أحلامه. الواهم مصاب، مريض، محاصر بالنسيان. يكفي أنه واهم، ولا مرض يعادل الوهم. وهم أن تكون فيما أنت عدم، أو إن شئت: العدم بالتعريف الذي لا يترك مجالاً للتأويل.
صاحب الأحلام لن يكون وفياً لأحلامه ولو بالاقتراب من ذلك النسيان. كونه حالماً لا يعني أنه نائم. هو في فضاء الصحو وأوله.
الواهم مغمى عليه. ذلك أكثر التعبيرات تأدباً. هو في غيبوبة؛ فلا هو في عِداد الأحياء ولا هو من منتسبي الموتى الرسميين.
إغماءة صاحب الأحلام مثل رعشة نصرٍ يتحقق. نصرٌ بعد عناءٍ وتعبٍ وتكرار محاولاتٍ وذهابٍ بعكس التيارات وتحمّل سخرية الفاشلين، أو الذين أسكرهم تحقق إنجازات فناموا عليها وعما قريب سيكونون ضمن طوابير من الواهمين إذا أخذتهم العزة بإثم ما حققوا ذات ظروف.
وكلما كبرت الأحلام ممن هم أهل لها، كبروا معها، روحاً، ومبادراتٍ، وإبداعاً، ليس بالاكتفاء انتظاراً لها؛ بل هم يمهدون الطريق لتحققها. وكلما صغرت الأحلام، تكون في طريقها إلى التلاشي وسأم أصحابها مع مرور الوقت، ليجدوا أنفسهم ضمن طابور أولئك الواهمين الذين أخذتهم العزة بإثم الاكتفاء بالحلم.
أيها الحالمون. يا أصحاب الأحلام التي تزعج بعض العالم من حولكم. بعض العالم المنسجم مع وهمه وتواكله وضعفه وانهياره المسيء إلى الإنسان وقدراته وطاقاته وتحديه المستحيل وسخريته من الأنواء والمحن: لو منحتم بعض أولئك اهتماماً وتأثراً بهم لكنتم أجدر وأسبق باللعنات والنفور من أولئك.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4412 - الأحد 05 أكتوبر 2014م الموافق 11 ذي الحجة 1435هـ
جميل
جميلة هي الأفكار الواردة في المقال ، و الكتابة به إبداعية ترتاد آفاق الشعرية ، لكنّ أخطاءَ لغةٍ بينةً شابته ، و بعض أساليبه تحتاج صناعة أبهى .