في الخَيار قيمة كل فرد. بخيار أي منا تتضح سعة أو ضيق الفضاء الذي يتحرك ويحيا فيه. بالخَيار نفسه “أن تكون أو لا تكون” تلك هي المسألة التي بثّها شاعر الانجليزية الأكبر وليام شكسبير؛ ولم تكُ غائبة عن أمة الحكمة والشعر والمعرفة، على الأقل في الحنين إلى تاريخها، فيما الحاضر يكاد بشر تلك الأمة ينعدم فيها الخيار. “أن تكون أو لا تكون” مسافة فاصلة تضيق وتتسع لذلك الخيار. في ضيقها تلخيص للحبْس الذي يبدو اختيارياً بهكذا ممارسة لا دليل على المؤقت فيها. وفي سعتها يمكن قراءة الخيارات في تعددها وليس يتْمها.
صحيح أننا جئنا الى هذا العالم من دون خيار منا. من المفترض أن ذلك حافزاً كي يصنع كل منا خياره الخاص. خياره في الطريقة التي يفكر بها، وخياره في النظر، وخياره في المعرفة التي يريد، وخياره في أسلوب ونمط العيش، وخياره في الأخلاق التي ينحاز اليها ويتمسك بها، وخياره في أن يتفقد الخلل الذي يمكن أن ينتاب حياته، وخياره في أن يصمت ويثرثار أيضاً. خياره في حكمة بالغة أو جزء منها. خياره في أن يكون بليداً بعض الوقت أمام المتذاكين، وخياره في “لا” في زمن شيوع “نعم” تبرعاً وتنطعاً واستجداء، وخياره في أن ينسجم ويختلف ويأتلف ويتمرد ويسكن ويصرخ ويهدأ ويتهور ويتردد ويكتب ويمحو ويعلو وألاّ يسقط.
ثم إن العالم بما هو عالم بكل ما فيه من ائتلاف واختلاف وليل ونهار وخير وشر وعدل وظلم وتنوع في سكانه ومخلوقاته، المرئي منه والمحتجب عن الرؤية بـ “كن” التي لله وإرادته، ليس من العقل أن يوجده بأبدع وأحسن ما خلق وصوّر (الانسان)، مجرداً من خياره. خيار المسالك والطرق والنجْد الذي يريد (وهديناه النجدين) (البلد: 10).
ثم إن الخيار الذي لا يعمّر ولا يحيي ولا يضيف ولا يُحسّن ولا يعلو ولا يصون يظل مشدوداً إلى قيود تحول بينه وبين كل ذلك.
كما إن خيارك الذي تصادر به خيار آخرين، إلغاء ونكراناً وتجاهلاً واعتداداً يختزل وهماً أنت ضحيته في نهاية الأمر. ضحيته بدور وموقف أنت دونه بنسيان ضعفك ووهمك ووهنك. دور تظن أنك تورد به الناس المهالك فيما أنت أول الداخلين إلى تلك المهالك. وليس بالضرورة أن تكون مهالك تحيلك إلى عدم معهود؛ بل عدم هو آية ودرس ومحط اعتبار لمن يعتبر.
وليس في أن تقتل وتسرق وتروّع وتفسد وتغتال وتعذّب وتهين وتتطاول وتهزأ وتتجنى وتتجاوز صلفاً وتمنّ وتتعالى وتكابر وتغترّ وتخرّب، أي شيء من خيار للإنسان. ذلك خارج دائرة حسن الخلْق والخُلق والبديع من الصورة التي لا تكون كذلك ما لم تكن النفس مرآة لها وعاكسة لتجليها.
الخيار في أن تصنع الفارق حيثما كنت وأنّى ولّيت روحك قبل وجهك. خيار أنْ يمس الناس وحشتهم حين تغيب؛ ويجدون أنفسهم حين تحضر. ذلك خيار لا يتأتّى إلا للذين أوتوا حظاً من معرفتهم حدود طاقاتهم الكبيرة، من دون أن يستيقظ فيهم شيطان العُجْب والغرور!
وأنبل الخيار ذلك الذي به تحيا في دنيا الناس، ما به تبرز حياة، وتسعد نفس، وتنتصر فيه القوة لمن هم بلا حول ولا قوة، وشجاعة في سنّة جُبْن وانكفاء.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4412 - الأحد 05 أكتوبر 2014م الموافق 11 ذي الحجة 1435هـ
المتمردة نعم
عجيب يا استاذي مقال في قمة الروعة في زمن لا تجد للانسان خيار وكل خياراته وقراراته بيد القائد حتى لو كان هذا الاخير على خطأ .مشكلة الضعفاء انهم كالاصنام لا يفكرون ولا يتدبرون ولا يجادلون وربما يرون اراؤهم تسلب ولكنهم يستلذون في ذلك .بل ويسلتذون بتسليم عقولهم الى الاخرين ليفكروا عنهم ويقرروا عنهم لتوهمهم ان رايهم (اي الضعفاء) ليس على صواب وراي الاقوى هو الاكثر صواباً