يشد انتباهك وجود المخلفات الكبيرة المتراكمة في جميع مداخل القرية وأزقتها، وعندما وطئت قدماي أرض قرية العكر أدركت أنني ربما أخطأت الوجهة، إذ حسبت للوهلة الأولى أنني في قطاع غزة، حيث كان في استقبالي أثناء محاولتي الدخول إليها العديد من الحفر والخنادق الموزعة بالشوارع والطرق، وصُدمت أكثر عندما رأيت منازلَ في تلك الزاوية مهدمة، وأخرى هناك متهاوية بأطرافها المتهالكة، كل ذلك قبل أن أتيقن حينها أنني فعلاً في قرية العكر المنسية كما يجوز للبعض تسميتها، وعلى رغم معاناة أهاليها المستمرة من انعدام الخدمات فيها منذ أمد طويل، فقد استقبل أهاليها صحيفة «الوسط» بقلوبهم النابضة بالحياة.

«العكر المنسية» تعجُّ بالمنازل المتهالـــكة والبنية التحتية السيئة...وقلوب أهاليها لاتزال نابضة بالحياة

العكر- محمد الجدحفصي

يشد انتباهك وجود المخلفات الكبيرة المتراكمة في جميع مداخل القرية وأزقتها، وعندما وطأت قدماي أرض قرية العكر أدركت أنني ربما أخطأت الوجهة، إذ حسبت للوهلة الأولى أنني في قطاع غزة، حيث كان في استقبالي أثناء محاولتي الدخول إليها العديد من الحفر والخنادق الموزعة بالشوارع والطرق، وانصدمت أكثر عندما رأيت منازل في تلك الزاوية مهدمة، وأخرى هناك متهاوية بأطرافها المتهالكة، كل ذلك قبل أن أتيقن حينها أنني فعلاً في قرية العكر المنسية كما يجوز للبعض تسميتها، إذ على رغم معاناة أهاليها المستمرة إثر انعدام الخدمات فيها منذ أمد طويل، فقد استقبل أهاليها صحيفة «الوسط» بقلوبهم النابضة بالحياة.

يذكر أن ما تعيشه قرية العكر اليوم يمثل حالة استثنائية من بين عشرات القرى والمناطق بالبحرين، إذ لا يخلو يوم من وقوع مناوشات بين قوات الأمن والمحتجين، والذي قد تسبب بدوره في تمزيق أوصال القرية ومازال مستمراً حتى يومنا هذا.

من جهته، قال الشاب حسن شرف: «تعاني القرية من شح في الخدمات وتفتقر شوارع وأزقة القرية لأبسط المتطلبات المطلوب توافرها في أي قرية ومنطقة، لذا قام بعض الأهالي بإطلاق اسم القرية المنسية على العكر، لأنها فعلاً كذلك، سواء أكان عمداً أو تجاهلاً من الجهات المختصة».

وأثناء تجوالنا بالقرية وتحديداً على مقربة من ساحل قرية العكر، وُبعيد مسافة قصيرة منه، كان الحاج عبدالله عبدالكريم مع الحاج علي مدن يجلسان بالقرب من الساحل، يسمعان هدير البحر ويراقبان فرقعة الآلات المتقوقعة بداخل البحر، مواصلة عمليات الردم فيه، وبقي عبدالكريم ورفيق دربه مدن شاخصين ببصرهما ناحية الساحل، وذلك عندما سألتهما عن الفرق بين الماضي والحاضر بالنسبة إليهما؟

ويقول الحاج عبدالله عبدالكريم مشيراً بيديه ناحية الساحل: «هنا ترعرع أغلب أهالي قرية العكر، كان البحر ملجأهم عند الحاجة، والصيد وقتها وفيراً، حيث لا وجود وقتها لعمليات الردم والتعدي، إلا أنه ومع مرور الوقت تقلصت المساحة البحرية واندثرت شيئاً فشيئاً حتى أصبح لا وجود لذلك البحر الوافر بمختلف أنواع الأسماك».

ويتفق معه في ذلك الحاج علي مدن، حيث يقول: «كنا نتوقع أن البحر وتعلق الأهالي به متماسك إلى حد بعيد، وعصي على التعدي أن يطال أي شيء منه، بيد أن تلك النظرة أثبتت أنها غير صحيحة، النتيجة لا ساحل ولا ملاذ للأهالي في الوقت الراهن».

وأخذت حرارة النهار بالتزايد، تصاحبها في ذلك الرطوبة الشديدة، عندما وصلنا لإحدى المزارع المترامية في أطراف القرية وكان لنا اللقاء مع أحدهم.

فلاَّحو العكر قادوا طفرة الزراعة في البحرين

يعتبر فلاحو قرية العكر أول من قاد طفرة الزراعة في البحرين، حيث كانت قرية العكر مشهورة بزراعة البطيخ والخيار والطماطم، ولم يتوقع عشرات الفلاحين ـ قط ـ تلاشي تلك الأراضي الزراعية حتى كادت تندثر في الآونة الأخيرة. ويقول البعض إن بطيخ العكر كان يحتل الصدارة من بين المنتجات الأخرى بذات الصنف خلال سبعينيات وثمانينيات وحتى بداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث كانت الأسواق المحلية تعتمد بشكل أساسي على منتجات مزارع قرية العكر.

ويقول في ذلك الحاج حسين حبيب: «منذ صغري وأنا أرافق والدي إلى المزرعة، وأتذكر وقتها عندما كنا نقوم بالخروج فجراً لا نرى الطريق من أمامنا، وذلك بسبب كثرة النخيل والأشجار التي تغطي مساحات شاسعة من قرية العكر».

وبسؤاله عن المحاصيل التي تشتهر قرية العكر بها سابقاً، أجاب: «كانت مزارع القرية مشهورة بإنتاج البطيخ العكراوي، والطماطم والخيار المعروف محلياً بـ «الطروح»، ولكن مع مرور الوقت بدأت هذه المحاصيل بالانحسار تدريجياً، نتيجة تقلص المساحات الزراعية بالقرية، وأصبح شبح التحول يهدد الإنتاج الزراعي بالقرية، وذلك بعد أن كانت قرية العكر هي أول من قاد طفرة الزراعة في البحرين».

ويتفق معه في ذلك المواطن حسن عيسى «بالأمس كانت قرية العكر فردوس المزارعين، بينما أصبحت الآن مقبرة من شح الأراضي الزراعية فيها وتقلص مساحتها بشكل كبير جداً، وعن نفسي باعتقادي أن العديد من الفلاحين سوف يتوجهون لإنتاج التمر وتجهيزه، وهذا هو الخيار البديل عما سبق».

وليس جلياً بعد ما إذا كان فلاحو العكر سيحذون جميعهم حذو المواطن حسن عيسى في إنتاج التمر وتجهيزه، وفي انتظار أن يجيبنا الحاج حسين حبيب عن هذا التساؤل، قال: «عن نفسي لدي مساحة صغيرة للزراعة، ولكني أتجه في موسم الرطب والصيف لإنتاج التمر وتجهيزه، وهو فرصة لمحاولة لملمة ما تبقى من الزراعة بقرية العكر» وأضاف «بالنسبة إلينا، فإن إنتاج التمر يضمن لنا دخلاً نعيل به عائلاتنا، إضافة إلى أن التعلق بالأرض والزراعة هو عصب الحياة لنا، وبزوالها كلياً يزول كل شيء من حياتنا».

وعن مراحل إنتاج التمر أجاب عيسى قائلاً: «إنتاج التمر ينقسم لعدة مراحل إلى أن يكون جاهزاً للبيع، والحمد لله إن الإقبال ممتاز على التمر والدبس المنتج من بعض مزارع قرية العكر».

نسوة العكر وسر التعلق بثوب النشل الشعبي

تواظب العشرات من نسوة قرية العكر على لبس الثوب الشعبي (النشل) على رغم عزوف الفتيات الصغيرات عن لبس هذا النوع إلا في المناسبات.

ويتضمن الثوب الشعبي غطاء متكاملاً يطغى عليه لون واحد وفي أكثر الحالات لونان، وتزينه بعض النقوش المزركشة، حيث لا يمكن لأي شخص أن يراه ويتجاهله من دون أن يقف ولو لحظة للتمعن فيه وبجماله. واستفسرت من الحاجة أم حسن عن سبب تمسكها بلبس هذا الثوب وبالأخص أن تيار الحداثة جرف الكثيرات غيرها، فأجابت قائلة: «مازلت مدركة أهمية التمسك بلبس ثوب النشل، ويوجد غيري الكثيرات في قرية العكر اللاتي يسعين إلى الحفاظ على الأصالة والتراث، وذلك طبعاً بمواصلة ارتداء هذا الثوب الشعبي».

ولا تخالفها الرأي في ذلك الحاجة، أم محمد التي أوضحت قائلة: «أقضي بعض الأوقات في تطريز الثوب، وأعيد غزله بطريقة تناسب ذوقي، وبرأيي إن المواظبة على لبس هذا الثوب هي للتعبير عن الهوية الأصيلة، ولهذا فإنني ملتزمة بلبسه».

وبسؤال إحدى الشابات عن الثوب الشعبي، أجابت قائلة: «والدتي مازالت تلبس ثوب النشل، مثل غيرها من نسوة القرية، اللاتي تجدهن صباح كل يوم وهن يقمن بتنظيف أطراف المنازل، إلا أن فتيات الجيل الحالي قد أصابهن الفتور في تلك العلاقة الوطيدة مع ثوب النشل، ولا أستثني نفسي من تلك المجموعة طبعاً، ولكني في بعض الحالات قد أرتدي ثوباً محدثاً يمزج بين الماضي التقليدي والحديث، وذلك بما يناسب متطلبات الحياة».

ويبقى الزمن الذي يعول عليه حاضراً بإصرار نسوة العكر على نسج المزيد والمزيد من النقوش على الأثواب، كي لا يسلب الحاضر تاريخ ذلك الزمن الجميل بكل ما فيه.

بن رضي الكفيف

وجد منصور بن رضي نفسه مرغماً على التعايش والتأقلم مع فقده البصر منذ أن كان في السابعة من عمره، وذلك عندما أصيب بأحدى الأمراض في تلك الحقبة من الزمن، ما أدى إلى فقدانه البصر، وظل بن رضي يواجه صعوبات الحياة بقلبه لا ببصره. وزاول بن رضي عدة مهن من أهمها الزراعة وصيد الأسماك، ويعرف أنه كان من أمهر الصيادين وأفضل الفلاحين بقرية العكر، على رغم أنه فقد البصر منذ طفولته، ولا يقتصر الأمر على ذلك، فقد شاءت الأقدار أن يتزوج بن رضي وينجب عدة أبناء ومنهم من أصبح يرافقه في رحلاته إلى البحر واصطياد الأسماك.

وعن ذلك، قال بن رضي: «كنت أمام خيارين أحلاهما أمر من الآخر ـ إما الاستسلام والانهزام نتيجة فقداني البصر، وإما الصمود والتقدم والسعي، واخترت ذلك وعلى رغم أن البداية لم تكن سهلة، إثر محاولتي التعايش مع الأمر ومن ثم المواصلة، إلا أنني تمكنت من اجتياز تلك العقبة بنجاح».

وبسؤاله عن ما إذا كان يقوم بجميع المهام في أي عمل مارسه، أجاب بن رضي، قائلاً: «نعم فقد كنت أصعد النخلة وأقوم بتهيئتها، إضافة إلى المهام الأخرى في زراعة المحاصيل والاعتناء بها، كذلك مهنة الصيد فقد كنت أذهب إلى الساحل وأدخل إلى مصائد الأسماك، وكل ذلك هو توفيق من الله سبحانه وتعالى».

ومع ذلك فإن بن رضي يبقى شاهداً على أصالة ونبل رجالات قرية العكر، مطالباً «الوسط» بالعودة مرة أخرى ورصده وهو يمارس مهنة الصيد.