حسب الدستور المعمول به في مملكة البحرين، على خلاف مفهوم فقه أهم نصوصه، «نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور» (المادة الأولى من الدستور).
هذا من الناحية النظرية، فهل هو كذلك “نظام ديمقراطي” في الممارسة، بالمعنى السياسي والقانوني، للمفهوم الاجتماعي لأنظمة الحكم؟ وهل بالإمكان قراءة ذلك بالترجمة العملية، للمبدأ الديمقراطي الأساسي الأول، وهو أن “السيادة فيه للشعب”؟ وهل أن الشعب حقاً “مصدر السلطات جميعاً”، في تشكيلها وفي أفرادها، وفي رسم حدود سلطانها، وفي مراقبتها ومحاسبتها إذا لزم الأمر؟ بما يجعل غالبية أفراد الشعب تتنازل طوعاً عن سلطاتها الفردية، لتُفَوِّض بها سلطات تختارها، لكي تدير الصالح العام للجموع الشعبية، بالتقاسم العادل للثروة، وبالمساواة وتكافؤ الفرص والتضامن الاجتماعي، وإشاعة الحرية والأمن والطمأنينة، وتوفير دعائم الكرامة الإنسانية، من فرص العمل والسكن والرعاية الصحية والعلاج... الخ، (بما هي أهم مبادئ الدولة المدنية الحديثة، بنظام المؤسسات والقانون).
هذه أسئلة لا نحتاج لإجاباتها تفصيلاً، لأن أهل البحرين بجميع تصانيفهم وميولهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يعلمون الإجابة بحكم التجربة المباشرة، وليس بعلم الإخبار، ما بين الضيم الواقع بالحرمان من كل شيء، إلى سلب الحياة والمواطنة على طرف، وما بين الإغداق على آخرين بأضعاف قيمة حرمان الأوَّلِين، وتوفير اليسير للباقي بما يشغلهم عن الالتحام بأي طرف، وخلق الأمل بالوهم لديهم، بأنهم مكتفون.
وَلْنَنْظر بعين التحقق لوجود الديمقراطية من عدمها، من خلال واقعية فصل السلطات، إنشاءً وإدارةً وتمويلاً وقرارات، ومن خلال تشريح السلطة التشريعية، التي هي أهم السلطات، التي تبين فيها الممارسة الديمقراطية، بدءًا من عمليتها الانتخابية، مروراً بتمثيلها للإرادة الشعبية، وانتهاءً بسلطان الشعب (السيادة) في مخرجات عملها.
فالسلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، محكومة بالشراكة في توليها، وكذلك برئاستها، لعدم استقلال بعضها عن بعض، والأبعد من ذلك فإن السلطة التشريعية التي هي محور مقالنا هذا، وحسب مواد الدستور، منوطة بأربعة أطراف، الحاكم، وشقي المجلس الوطني (مجلس الشورى ومجلس النواب)، ورئاسة مجلس الوزراء (في الرؤى والرغبات والطلبات والدور الوسيط ما بين المجلس الوطني-الشورى والنواب).
وهذه الأطراف الأربعة، هي في حقيقتها طرفان، كما نصت عليه بداية (مادة 32 ب من الدستور)، فالطرف الأول هو الحكم، (والاسم التقليدي الحكومة)، حيث يمارس سلطاته مباشرة عبر الأوامر والمراسيم، كما يمارسه بواسطة وزرائه الذين يُسألون لديه متضامنين عن السياسة العامة للحكومة، وأيضاً يُسأل لديه كل وزير عن أعمال وزارته (مادة 33 ج من الدستور)، والملك أيضاً يعين رئيس مجلس الوزراء ويعفيه من منصبه بأمر ملكي، كما يعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم بمرسوم ملكي، بناء على عرض رئيس مجلس الوزراء”، (مادة 33 د من الدستور)، كما يعين أيضاً أعضاء مجلس الشورى ويعفيهم بأمر ملكي (مادة 33 و، مادة 52 من الدستور) ويعين رئيسه لمثل مدته (مادة 54 د من الدستور)، وفي قبال اتحاد هذه القوى الثلاث، في تكوين الطرف الأول من السلطة التشريعية، يأتي الطرف الثاني وهو مجلس النواب، المنتخب بطريق الانتخاب العام السري المباشر (مادة 56 من الدستور).
وقبل الولوج في الصلاحيات التشريعية، الدافعة والمعوقة، لكل طرف في السلطة التشريعية، والتي قد نتناولها في مقال آخر، من أجل تبيان وتقرير أن الحالمين بالإصلاح والتطوير من خلال السلطة التشريعية، وعبر تبوئهم كرسي النيابة في مجلس النواب، إنما يخادعون أنفسهم والآخرين، ولن نفترض هنا حسن النية بعدم معرفتهم ذلك، لكي نأمل لهم اكتشاف الأمر لاحقاً، بل إن الواقع العملي للعملية التشريعية التي حكمها ومازال دستور 2002، يُسمع من به صمم، ويبدي لمن به رمد، أن المجلس النيابي، بأعضائه الأربعين، وإن اجتمعوا على رأي وموقف واحد، فلن يستطيعوا سحب خيط في إبرة، ما لم توافق لهم السلطة على ذلك، ليس فقط لسبب ما وصفت به وزيرة الثقافة بعضهم، وإنّما أيضاً لأنهم جميعاً مجردون من الوسيلة، ومقيدو الأيدي والأرجل من خلاف، وهذا الموضوع نقرره أيضاً على الجمعيات السياسية، لخوضها التجربة الفاشلة يقيناً، من 2006 إلى 2012.
قبل الولوج في تلك الصلاحيات التشريعية، الدافعة والمعوقة، يتوجب التنويه، بأن إيكال إدارة العملية الانتخابية لغرض انتخاب أعضاء مجلس النواب، الذي يمثل الجانب الشعبي في مكونات السلطة التشريعية، فإن هذا الإيكال إلى الحكومة ممثلة بوزير العدل، فيه مساس بالإرادة الشعبية في انتخاب ممثليهم بحرية، لتكتمل دائرة الاحتواء للسلطة التشريعية أسوةً بباقي السلطات.
ونأمل للمواطنين الكرام، عيداً وطنياً مقبلاً بالفرح.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4411 - السبت 04 أكتوبر 2014م الموافق 10 ذي الحجة 1435هـ
احسنت
يعني مجلس الديكور لايستحق التصويت واضاعة الوقت له، من قبل ومن بعد.
عيدكم مبارك
هذا السرد الجميل فتح عقول الكثير ونتمنى ان يفتح العقول المصدية
انت عظيم
انت رجل عظيم و رجل حر ، نورتني الله ينور عليك دربك
محب الوطن 1455
مساء الخير أستاذنا الشعب مصدر السلطات لا أحد يختلف في هذا ولا حتي المطالب العادلة كلها بل أكثر لاكن الجمعيات المذهبية تحشد اتباعها باسم المذهب المطلب عندها لاختلاف كثير فيها هذه في الأساس مطلب انسانيه لاكن المصيبة في تكوينها الأصالة الوفاق الفاتح أمل حق ومثلهم هؤلاء لايمكن أن يلتقون مع بعض وحتى من نفس المكون والشعب بجميع مكوناته ضائع بينهم
السلطات
السلطات داست على الدستور ومزقتهو ولاتعترف به هى فقط عندها حل واحد قمع الحريات واسكات كلمة الحق انها تسير في خط الشيطان وتركت اوامر الله الذي يامر بالعدل والمساوات المشتكى لله ادا الامة ابتليت بالجهل القبلى وقاتل الله الجهل وشكرا للكاتب
محب الوطن 1100
صباح الخير هل الطاءفيه هي مصدر السلطات هذا ماتريده الجمعيات المذهبية والمشرفين الرئيسيين عليها هؤلاء بعيدين عن الشعب بجميع أطيافه مصدر السلطات والا يفقدون السيطره عل أتباعهم والع
رايح على الانتخابات ان شاء الله
اذا مرشحنه يستاهل بننتخبه وعلى الله التوفيق واشلون عنك انت بتنتخب والا مو قاطعه
لو قرأنا الدستور بالمعكوس لكان ذلك هو الحقيقة
لا سيادة لا شعب ولا قيمة للشعب ولا رأي للشعب والشعب كطيع الغنم عليهم السمع والطاعة فقط : هكذا يكون واقع الدستور حسب التطبيق ولا ازيد فالواقع كذلك
سلمت يا ابن بلادي الاصيل ايها الحر الشريف
عيدك مبارك اخي العزيز على قلوبنا كلنا كم نحبك لشرفك وامانتك وطرحك المنصف تحياااتي
لا تلف و لا تدور
لا تلف و لا تدور اخ يعقوب اعترف أنكم خسرتم و بعدها ستستطيع ان تفكر بشكل افضل
ليش يا استاذ
ليش يا استاذ يعقوب تلف وتدور زعلت لنا الطيب
لله درك من رجل
كلمة حق عند سلطان -----
البحرين غير
ياأستاذنا الفاضل النبيل لكل مصطلح ولفظة ونظام وووووو في الأنظمة والشرائع والقواميس ووووووو له معنى ومدلول إخر في البحرين إن لم يكن يناقضه.
أصيل
من العايدين أستاذي الجليل شكرا للتوضيح ونحن في أنظار مقالاتك
شكرا جزيلا للاستاذ يعقوب سيادي على هذا المقال الرائع
هل أن الشعب حقاً “مصدر السلطات جميعاً”، في تشكيلها وفي أفرادها، وفي رسم حدود سلطانها، وفي مراقبتها ومحاسبتها إذا لزم الأمر؟