تتميز جمعية الوفاق، أبرز الجمعيات السياسية في البحرين، عن عدد من الجمعيات السياسية الأخرى بعلاقتها الوثيقة مع الحاضنة الشعبية التي نشأت فيها. هي ليست مجرد جمعية سياسية تأسست وراحت تبحث عن جمهور يؤمن بأهدافها ويقبل بالانتساب إليها، بل هي جمعية لم تؤسس إلا لحاجة الحاضنة الشعبية لمؤسسة سياسية تحمل قضاياها وتطلعاتها. وبين الوفاق كجمعية سياسية ممثلة لأعضائها المنتسبين إليها والوفاق كممثل لحاضنتها الشعبية الواسعة تلتبس بعض الأحيان الأمور وخصوصاً في هذه الفترة الحرجة.

تأسست الجمعية في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001 بعد خمسة أشهر تقريباً من إقرار ميثاق العمل الوطني في 14 فبراير/ شباط 2001، ولهذا التوقيت للتأسيس دلالاته. جاء الميثاق ليفتح صفحة جديدة في المشهد السياسي البحريني خصوصاً بعد أحداث التسعينيات التي أربكت العلاقات بين القوى السياسية المختلفة. تأسيس الوفاق في هذه المرحلة كان استجابة من الحاضنة الشعبية، التي تأثرت بشكل أو آخر بأحداث التسعينيات، للمرحلة الجديدة من العمل السياسي. المشهد السياسي الذي تشكل بعد الميثاق كان بحاجة لأدوات جديدة ومؤسسات قادرة على التعاطي معه، فتأسست الوفاق لتقوم بهذا الدور. هذه الخلفية التاريخية مهمة ليس لأنها تؤكد على العلاقة الوثيقة بين الوفاق وحاضنتها الشعبية وحسب بل لأنها تدلل أيضاً على أن تأسيس جمعية الوفاق يعتبر حالة من حالات التطور السياسي للحاضنة الشعبية، كما تدلل على قدرة هذه الحاضنة على التأقلم مع التطورات السياسية المحلية. بعبارة أخرى، لا يمكن الحديث عن الحاضنة الشعبية للوفاق ككتلة ثابتة غير متحركة وغير مستوعبة لمتطلبات المرحلة السياسية.

رغم التداخل والعلاقة الوثيقة بين الحالتين، تبدو هناك حاجة للتمييز بين الوفاق كمؤسسة وجمعية سياسية، وبين الوفاق كجمعية ممثلة لتطلعات حاضنتها الشعبية. الوفاق المؤسسة والجمعية السياسية لها نظامها الأساسي وأنظمتها الداخلية وهيكليتها وانتخاباتها وعضويتها وهو الأمر الذي يجب عليها مراعاته لتكون قادرة على العمل بشكل منظم وشرعي وفق الأنظمة الرسمية. أما الوفاق كممثل لحاضنتها الشعبية فتجب عليها مراعاة الأنظمة التقليدية التي تحكم وتنظم العلاقات البينية داخل الحاضنة الشعبية نفسها. هنا تتجلى المنطقة الدقيقة في عمل الوفاق، وهي المنطقة التي تسعى فيها لأن تراعي الأنظمة الرسمية التي تحكم عملها مع الجهات الرسمية، وفي الوقت ذاته لأن تراعي الأنظمة التقليدية التي تحكم عملها مع مراكز القوى المتعددة داخل الحاضنة الشعبية.

مما يحسب للوفاق أنها نجحت في التوفيق بين الهرمية المؤسسية والهرمية المجتمعية. يتجلى ذلك في اعتماد جمعية الوفاق على التشكيل المؤسسي والاكتفاء بالحالة الإشرافية من قبل قيادات الحاضنة الشعبية وخصوصاً علماء الدين. نجحت الوفاق في المزاوجة بين النظام الهرمي المجتمعي وبين المؤسسة القائمة على انتخاب القاعدة الجماهيرية لقياداتها وذلك من خلال اعتماد خيار القيادة العلمائية «الإشرافية» على المؤسسة المدنية المستقلة في هيكلها التنظيمي وأدبياتها عن العلماء. لم تفرز جمعية الوفاق قيادات سياسية تنافس القيادات التقليدية للحاضنة الاجتماعية وإنما أفرزت قيادات سياسية تقود العمل السياسي الذي تشرف عليه القيادات التقليدية. لا يحكم عمل الوفاق الأنظمة الرسمية فقط وإنما الأنظمة التي تنظم العلاقات في حاضنتها الشعبية أيضاً. فالعلاقة علاقة تكامل واندماج وليست علاقة صدام وتنافس.

توفر الحاضنة الشعبية للوفاق رصيداً شعبياً كبيراً يدعم الأداء السياسي للجمعية. فبالإضافة إلى الكوادر العاملة في الوفاق، فإن الحاضنة الشعبية تعتبر العمود الفقري لأي فعاليات تتطلب حضوراً جماهيرياً واسعاً كالمسيرات أو أي عملية اقتراع كالانتخابات والاستفتاءات. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحاضنة الشعبية تمثل حالة رقابية قوية تحتاجها الوفاق لتحسين الأداء وخصوصاً حين تأتي هذه الرقابة من القيادات العلمائية أو الاجتماعية للحاضنة الشعبية. من جهة أخرى، تعتبر الوفاق بالنسبة لحاضنتها الشعبية ممثلاً مؤسسياً قادراً على التعاطي مع الملفات السياسية المحلية. كما أن الوفاق تتحمل عبء السعي لتطوير الخطاب السياسي للحاضنة الشعبية بما يتلاءم مع المشهد السياسي الراهن.

اللافت في أداء الوفاق أنها ربما تسعى، بشكل متدرج وبالتنسيق مع القيادات المجتمعية، للانتقال بالحاضنة الشعبية لها من مرحلة الاعتماد على النظام التقليدي القائم على مركزية القيادات المجتمعية إلى الاعتماد على العمل المؤسسي القائم على انتخابات القاعدة الجماهيرية. بعبارة أخرى، إذا كانت القيادات المجتمعية هي الماسكة بزمام القيادة للحاضنة الشعبية قبل تأسيس الوفاق، ثم أصبح دور هذه القيادات إشرافياً بعد تأسيس الوفاق، فهذا يعني أن الوفاق كلما ترسخت وتطورت كلما كان ذلك على حساب مساحة القيادة للقيادات المجتمعية. تأسيساً على ذلك، من الممكن توقع أن يتضاءل تأثير هذه القيادات المجتمعية في المستقبل المنظور حتى على مستوى الدور الإرشادي. لا يبدو هذا الهدف متنافياً مع تطلعات القيادات المجتمعية نفسها خصوصاً مع ضخامة المسئوليات الملقاة على عاتق هذه القيادات ورغبتها في أن ينهض المجتمع بمؤسساته المختلفة في تحمل مسئولياته. يبدو من المهم ملاحظة أن الرعاية الإشرافية التي تقدمها القيادات المجتمعية للوفاق تقدم ما هو ربما أهم من ذلك وهو الشرعية والقبول المجتمعي. فمع افتراض عدم رغبة القيادات المجتمعية في القيام بالدور الإشرافي على الوفاق فإن الوفاق من صالحها، في هذه المرحلة على الأقل، أن تحظى بهذا الدور وهذه المظلة الإشرافية.

من الممكن القول أنه رغم العقبات والتحديات التي أعقبت التصويت على ميثاق العمل الوطني العام 2001، فإن جمعية الوفاق، لكونها من أبرز القوى السياسية الفاعلة في الساحة المحلية، لم تسع لتطوير المشهد السياسي المحلي وحسب وإنما ساهمت في الانتقال بحاضنتها الشعبية من مرحلة لأخرى، وذلك وفق سياسة دقيقة وحذرة تراعي المنظومة القانونية الرسمية، وفي الوقت نفسه لا تتجاهل الأنظمة التقليدية التي تنظم عمل حاضنتها الشعبية.