العدد 4410 - الجمعة 03 أكتوبر 2014م الموافق 09 ذي الحجة 1435هـ

مشاريع أسْلمة العلوم الاجتماعية... والعنوان المراوغ

«الإسلام والأنثروبولوجيا» لـ «باقادر»...

في الاهتمامات والصيغ التي تذهب في اتجاه توظيف علم الاجتماع لفهم طبيعة وملامح واشتغالات المسلمين ضمن بيئاتهم، والنظر بتجرُّد لواقعهم اليوم، يبرز جهد أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة أبوبكر أحمد باقادر، في كتابه «الإسلام والأنثروبولوجيا».

عنوان الكتاب يدفع المرء إلى الاستدراج. أن يقرأ. تضع في اعتبارك أن الكتاب يتناول رؤية ومشروعات تأسيسية - ربما - من التاريخ وعبر نماذج يمكن أن تكون قريبة من هذا العلم. لن تجد ذلك. قد يكون تناولات لمشروعات عرب ومسلمين معاصرين اشتغلوا في هذا الحقل. ستجد القليل. ربما اشتغالات ومشاريع غربية (استشراقية)، ذلك ما ستجده، مع استعراض للنظريات ولتلك المناهج والمشاريع، مع هوامش في الرد عليها أو تقريبها. ستجد الأفراد والمشروعات،ولكنك لن تجد الإسلام كما ورد في العنوان! نحن أمام عنوان مراوغ بامتياز!

الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات، نشرت في أوقات متباعدة، إلا أن الهم الأساس الذي يطبعها هو «أهمية العلوم الاجتماعية في دراسة المجتمع المسلم». وكان من المناسب أن يحمل الكتاب شيئاً من ذلك المضمون!

تطرح المقدمة سؤالاً عن حقيقة إمكانات العلوم الاجتماعية «بشكلها الغربي القائم، وقدرتها على تقديم تصور تحليلي يمكِّن الدارس والمطلع بشكل نقدي بما يسمح بولادة ما يمكن أن يكون إعادة صياغة تنسجم مع خصوصية وطبيعة تاريخ وتطور المجتمعات الإسلامية؟».

يرى باقادر أنها إحدى الإشكالات المركّبة في حقيقتها للمناهج الغربية تلك بحسب باقادر، مفاهيم وأدوات تحليل ونظر ينبع من طبيعة المجتمعات تلك، وبالتالي يتطلب العمل بها في ما يتعلق بالمجتمعات الإسلامية التعاطي معها بشيء من الحذر والنقد.

في العلم نفسه (الأنثروبولوجيا)، أول متطلباته في اتجاه الباحث لفحص مجتمع ما أو درسه، أن تبرز سمة المحدودية فيه؛ ما يتيح له الاندماج والمعايشة ودراسة العادات والتقاليد واللهجات والملامح وتفاصيل في الأشكال طولاً وعرضاً وما يرتبط بكل ذلك.

أسْلَمة العلوم الاجتماعية

السعي إلى محاولات أسْلَمة بعض العلوم لدى كثير من الباحثين العرب فيه اعتراف ضمني أنهم ليسوا سابقين في كل شيء كما هو مكرّس ومُتداول على نحو واسع. ومن ذلك أسْلَمة العلوم الاجتماعية. تحمل تلك الدعوات تناقضها غير المباشر. كيف؟ في الوقت الذي تبرز فيه أصوات تكرر مقولات سابقة؛ أو تستشهد حتى بنصوص قرآنية في أسبقية الدعوة والممارسة. ممارسة بعض المؤرخين والرحَّالة المسلمين لعلم الأنثروبولوجيا في جانبه العملي، وفي صورته الأوَّليِّة، عبر ملاحظات وتفاصيل حوتها كتبهم، تتكرر الدعوات إلى أسْلَمة «العلوم» الاجتماعية. وهنا دعوة مطلقة لأسْلمتها جميعاً من بينها الأنثروبولوجيا. فلماذا تتم الأسْلَمة مادامت مُؤسِسة؟

ثم إنه بات من الادّعاء الذي ينقصه الإنصاف والتجرّد إرجاع كل علوم الدنيا من بعد ظهور الإسلام إلى جهود أولى وتطبيقات تعود إلى بعض رجاله؛ وكأن الدنيا. وكأن الله أراد للعقل المسلم اليوم أن يحتكر كل إمكانات كشوفات ذلك العقل ويحرم منه عقول ما عداه من المعتقدات الأخرى. مثل تلك الأطروحات في إرجاع الريادة والأسبقية إلى عقول العرب والمسلمين فيه من التسخيف والتسطيح والانتهازية الشيء الكثير!

بدليل أن العقل العربي والمسلم في عمومه يظل في هامش الإسهام الحضاري والمدني، بتلاشي استقلاليته، والمناخات والظروف التي تكرّس حال التخلف والتبعية والاكتفاء بالفرْجة!

باقادر في فصل «أسْلَمة العلوم الاجتماعية» يثير توهماً مفاده «أن من يمتلك معرفة قوانين التطور الاجتماعي والاقتصادي في الدول المتقدمة صناعياً لابد من أن يمتلك صيرورة مجتمعه المتخلف ويتمكن من إصلاح مسارها». وقد يقود ذلك - بالنسبة إلى المراقب - إلى اهتمام متزايد بالعلوم الاجتماعية وخاصة لدى مثقفي الشرق الأوسط والعالم الإسلامي؛ بحكم التغيرات السياسية والحضارية والاجتماعية السريعة؛ علاوة على التخبُّط ليس أقله ما هو مشهود على مستوى خطط التنمية المتفائلة.

في المعالجة السريعة التي يقترحها باقادر للعوائق التي تسببها النخبة، يُوْرِد أسباباً خمسة نلخصها في الآتي:

1- حصرَ الباحثون العرب أنفسهم ضمن مدرستين: الماركسية أو الليبرالية. يتحدث هنا عن مستوى الاعتناق.

2- عدم ابتكار الباحث والتجديد، بحصر نفسه في إطار المدرسة التي ينتمي إليها.

3- نقل العلوم الاجتماعية نقلاً حرفياً، في مؤلفات منقطعة عن المشكلات التي يفرضها الواقع العربي.

4 - اختفاء الاهتمامات بقطاعات جادّة، ويضرب هنا مثلاً يتصل أيضاً بعلم الاجتماع في مجال دراسة سوسيولوجيا الأديان، أو سوسيولوجيا تأثير وسائل الاتصال بالجماهير أو المدارس أو التنظيمات السياسية والمدنية أو العائلية.

5 - اختفاء وجود تيار ثقافي ملتزم يأخذ في تحليله بجدية قيم ومُثُل المجتمع العربي الإسلامية التي تعتبر أساس عملية التحليل والفهم المنشودة.

إشكالات أسْلَمة العلوم الاجتماعية

في الفصل الثاني من الكتاب، يتناول باقادر الدعوات في العالم الثالث عموماً، وعالمنا (العربي والإسلامي) لتأسيس علوم محلية تنطلق من البيئة الخاصة، منها مثلاً دعوات ما يسمى بـ «علوم إنسانية عالم ثالثية».

من بين تلك الدعوات هنالك محاولات قبل أكثر من ربع قرن تقريباً، وتحديداً الرؤية المنهجية التي طرحها إسماعيل راجي الفاروقي، وما اصطلح عليه «أسْلَمة المعرفة، أو إسلامية المعرفة»، وإسهامات عبدالحميد أبوسليمان، وطه جابر العلواني، وما قدّمه في هذا المضمار الشهيد السيد محمد باقر الصدر، وخصوصاً في كتابه «اقتصادنا»، وهو عمِل على ما عبّر عنه باكتشاف المذهب الاقتصادي الإسلامي، وتمييزه هناك بين علم الاقتصاد والمذهب الإسلامي، وكيف أن مهمة العلم هي مهمة تفسيرية، بينما مهمة المذهب مهمة تغييرية ومعيارية.

بالرجوع إلى العناصر الخمسة يمكن للقارئ أن يقف على المداخل والمعايير والاشتراطات التي قد تؤدي إلى مشروع أسْلَمة العلوم الاجتماعية، ويناقشها باقادر الواحدة تلو الأخرى، ويفصّل في ذلك أكثر بانتقاله إلى التمييز بين علم اجتماع عربي، وعلم اجتماع العالم العربي، طارحاً السؤال المباشر: من هو الدارس؟ ما العناصر التي يجب أن تتوافر لديه؟

يجملها باقادر في ثلاثة: الدهشة، تلك التي تقود إلى المراقبة المنظمة. ومن خلال الدهشة تلك تتولّد الأسئلة، لأنها نتيجة مباشرة لها. وتلك الأسئلة يجب أن تحرص على الارتقاء، إذ في ذلك ارتقاء بالتنظير، فيما يكون الانتقال من المحدود إلى اللامتناهي، هو ثالث تلك العناصر، وهي ما تعرف بالفلسفة.

الرؤية المُتبادلة من زاوية الإناسة

تأسست العلاقات الثقافية مع العالم مع تمدد الإسلام إلى الجغرافيات المجاورة. لم يتخذ المسلمون «التنويريون» وقتها - إذا صح التعبير - موقف القطيعة مع الثقافات من حولهم. حدث الانفتاح والفهم والتفهّم أيضاً لتلك الثقافات ضمن سياقاتها الزمكانية. حدث الحوار والنقد والإضافة، وذلك هو المهم. ذلك التأسيس هو الذي تم البناء عليه وطال أثره الأصعدة جميعها.

العملية التبادلية اليوم للثقافات لم تعد ذات مردود على البنية العامة للمجتمعات، قد يكون في الظاهر منها. في العميق من تلك البنية هي في انشداد للموروث في صورة أو أخرى.

الإضاءة التي يثيرها باقادر في هذا الفصل تتحدد في أن «الأنثروبولوجيا - أو علم الإنسان - من العلوم ذات التاريخ الغربي الحديث، بل اقترنت رغم أهمية منجزاتها العلمية بسمعة سياسية سيئة، وذلك لارتباط عدد من كبار العلماء المتخصصين فيها بإدارة الاستعمار أو على الأقل بمعونته»، بحسب ما يذهب إليه طلال أسد في كتابه «Anthrobology and the Colonial».

برز عدد من النظريات المبكرة، ومنها ما يعرف بالنظرية الانقسامية التي طوّرها وأبدعها إيفانز برتشارد في دراساته على مجتمع النوير في جنوب السودان، وهي قبيلة نيلية وثنية، وهي تجسد بملاحظة برتشارد فكرة البناء القبلي العاجز عن تشكيل مجتمعات غير قرابية «وقد فسر إيفانز برتشارد التركيبة السياسية الاجتماعية لأمثال هذا المجتمع بنموذج المجتمع المنقسم دائماً على نفسه بعد الوصول إلى مرحلة قرابية معينة ليكوّن منها مجموعة سياسية مستقلة بذاتها».

الإسلام والخطاب الأنثروبولوجي المعاصر

في هذا الفصل يستعرض باقادر عدداً من الأنثروبولوجيين والمشروعات التي اشتغلوا عليها في عدد من الدول العربية والإسلامية، وقصور نظرهم وتناولاتهم إما تحيّزاً إلى البيئات التي جاؤوا منها أو إغفالاً عن تفاصيل هي من صميم موضوعة الاشتغالات تلك.

في الفصل نفسه يعرج باقادر على ما أسماه التقويم الأخلاقي للخطاب الأنثروبولوجي الذي قدّمه أكبر أحمد، وهو على «خطى تحليل إدوارد سعيد للاستشراق، يؤكد فيه تواطؤ وارتباط التحليل الأنثروبولوجي بالاستعمار من ناحية، وإلى ازدراء أو حقد على الإسلام من ناحية. ومن ناحية أخرى فرض نوع من الوصاية والتحدث باسم هذه المجموعة البشرية (المجتمعات) التي لا يمكنها وربما لا تمتلك، في نظر الأنثروبولوجيين الغربيين، القدرة على تقديم نفسها، ويشمل أكبر نقده جيلنر وإن كان مركّزاً نقده على فريدريك بارت».

أحمد نفسه الذي قدّم تصوراً شخصياً أنثروبولوجياً لدراسة المجتمع الإسلامي، يرى أنه «من المهم أخذ البعد التأريخي في المجتمعات الإسلامية»، ويرى أن مثل تلك الدراسة يمكنها التعرف على ستة نماذج مثالية للمجتمع المسلم تتلخص في:

- الإسلام في صورته المثالية في عهد النبي صلى الله عليه وآله والخلفاء الراشدين.

- الخلافات العربية (الأموية والعباسية والدويلات).

- الإمبراطوريات الإسلامية الثلاث.

- الإسلام الهامش (إسلام أطراف العالم الإسلامي).

- الإسلام في ظل الحكم الأوروبي (الإسلام تحت حكم الاستعمار).

- الإسلام المعاصر.

يبحث الفصل الخامس من الكتاب «(العلماء) من الدراسات التاريخية إلى الدراسات الأنثروبولوجية»، وفي السادس «المجتمع المدني في المجتمعات العربية المسلمة... مقاربة أنثروبولوجية»، ويتناول فيه، مفهوم المجتمع المدني، المجتمع المدني في المجتمعات المسلمة في الكتابات الغربية، هل وُجد مجتمع مدني في التاريخ الاجتماعي السياسي العربي؟، ماذا عن المجتمع العربي الإسلامي الحديث؟، سلطة المثقف ووسائل الاتصال الجماهيري، المراقبة والتدخل الدولي في قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية.

أما الفصل السابع فتناول «العالم العربي والنص الأنثربولوجي الجديد»، وفي الثامن «السجلّات العدلية وأهميتها في دراسة الخطاب الأنثروبولوجي والتاريخ الاجتماعي - الثقافي المبكر في العالم العربي»، ويبحث الفصل التاسع «الباحث: كائن اجتماعي ثقافي يبحث عن هوية»، ويتقصّى فيه، النشأة والتكوين، الوسط المكّي، الوسط المدْرسي، الوسط الجامعي، الوسط الجامعي الأميركي، والتدريس والحياة الجامعية. فيما يتناول الفصل العاشر «الإسلام والغرب»، مفصَّلاً بالموضوعات الآتية: المواجهة الأولى، المواجهة الثانية، المواجهة الثالثة: أوروبا الحديثة، عصر النهضة، عصر الأنوار، المواجهة الرابعة: الغرب والإسلام (موجة ما بعد الحداثة). أما الفصل الحادي عشر الذي حمل عنوان «صورة العرب في بعض الكتابات الغربية» فجاء في: مقدمة، الدراسات الاستشراقية وصورة العرب والإسلام، الدراسات الاجتماعية وصورة العرب، دراسة جمعية دراسات الشرق الأوسط، دراسة كيني، إياد القزاز، القزاز وعفيفي وشباص، زيادة وأكسن (1976)، جلين بيري (1975)، ماسكل سليمان (1974)، سليمان (1977)، توسعة للدراسة السابقة دراسة يعقوب أبوحلو. وفي الفصل الثاني عشر «تأملات في أطروحات فرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ، وفيه: خطاب النهاية أو الكمال، الانتقادات الأميركية والأوروبية لأطروحة فوكوياما، والانتقادات السوفياتية.

أما الفصل الثالث عشر والأخير، فيتناول «سوسيولوجيا الرياضة»، وتتفرع منه المعالجات الآتية: الرواد وعلم اجتماع الرياضة، ظهور علم اجتماع الرياضة، أهم إسهامات علم اجتماع الرياضة، الرياضة وصلتها بالمجتمع، الرياضة في المجتمع الحديث، السياسة والسلوك السياسي والرياضة، الاقتصاد والرياضة، الطبقات الاجتماعية والرياضة، الأندية الرياضية: المؤسسات النموذج، الرياضة والإعلام، الرياضة والعنف في الملعب، الرياضة واللغة، النوع (الجندر) والرياضة.

العدد 4410 - الجمعة 03 أكتوبر 2014م الموافق 09 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً