الحج ركن من أركان الدين، وعبادة عظيمة شرَّعها الله سبحانه وتعالى للعباد، وشعيرة نزل في حقها قرآن كريم يُتلى آناء الليل وأطراف النهار، فخصصت سورة كاملة باسمها هي (سورة الحج)، دلالة على أهمية هذه الفريضة لما لها من المنافع العظيمة والمقاصد الجليلة التي جُمع فيها خير الدنيا والآخرة.
تعريف الحج
الحج لغةً هو القصد، ورجل مَحْجوجٌ، أي مقصود، ونقل العلامة ابن منظور عن ابن السكيت قوله: يُكْثِرُونَ الاختلاف إِليه، هذا الأَصل، ثم تُعُورِفَ استعماله في القصد إِلى مكة للنُّسُكِ والحجِّ إِلى البيت خاصة؛ تقول حَجَّ يَحُجُّ حَجّاً»، وقال الخليل: «الحج كثرة القصد إلى معظم».
أما في الاصطلاح فعرَّفه العلماء بأنه القصد إلى بيت الله الحرام (الكعبة المشرفة) بمكة المكرمة، لأعمال مخصوصة هي العمرة في طول السنة أو الحج في زمن مخصوص هو شهر ذو الحجة الحرام، في وقت مخصوص يبدأ من يوم زوال يوم التاسع إلى زوال يوم الثاني عشر من الشهر نفسه، بشرائط مخصوصة كالوقوف بعرفة والمزدلفة والمبيت بمشعر منى ورمي الجمرات وذبح الهدي والحلق أو التقصير والطواف والسعي وغيرها من الأعمال.
الحج في القرآن الكريم
قال الله العزيزإِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} (آل عمران/ 96). ذكر المفسِّر العظيم العلامة المرحوم الطباطبائي أعلى الله مقامه في الجنان، في تفسيره الميزان أن هاتين الآيتين جواب عن شبهة كانت اليهود توردها على المؤمنين من جهة النسخ بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، الحدث الذي كان له بليغ الأثر في حياة أهل الكتاب، خصوصاً اليهود. فيقول سماحته: «إن الكعبة موضوعة للعبادة قبل غيرها كبيت المقدس، فلقد بناها إبراهيم (ع) من غير شك ووضعها للعبادة، وفيها آيات بيّنات تدل على ذلك كمقام إبراهيم، وأما بيت المقدس فبانيه سليمان (ع) وهو بعد إبراهيم (ع) بقرون».
والبيت معروف، والمراد بوضع البيت للناس وضعه للعبادة والتوسل والاستعانة والقصد والسير به إلى عبادة الله سبحانه وتعالى. وأما بَكَّةَ فقيل فيها العديد من الأقوال من أهمها: أنها مَكَّةُ وهو أحد أسمائها، وسميت ذلك لأنها كانت تَبُكُّ أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم، أو لأن الناس يتباكّون فيها من كل وجه أي يتزاحمون. وقيل هي ما بين جبلي مَكَّة لأن الناس يبكُّ بعضهم بعضاً في الطواف أي يَزْحَمُ. وقال آخرون إنها سميت بَكَّة لأن الناس يبُكُّ بعضهم بعضاً في الطرق أي يدفع. وقيل هو اسم بطن مَكَّة سميت بذلك لازدحام الناس. قال الزجَّاج: «إن بَكَّة موضع البيت وسائر ما حوله مَكَّة».
المباركة على وزن المفاعلة وهي الخير الكثير، وكونه هدى إلى سعادة الدنيا والآخرة بجميع مراتب الهداية، فضلاً عن كشفه للناس سعادة آخرتهم، وبلوغهم درجات القرب والكرامة والزلفى. وفي هذا يقول العلامة في الميزان: «إفاضة البركات الدنيوية وعمدتها وفور الأرزاق وتوفر الهمم والدواعي إلى عمرانه بالحج إليه والحضور عنده والاحترام له و إكرامه»، وهذا وغيره مستفاد من الأحاديث الشريفة كحديث الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) في قوله: «حُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، تَصِحَّ أَجْسَامُكُمْ، وَتَتَّسِعْ أَرْزَاقُكُمْ، وَيَصْلُحْ إِيمَانُكُمْ، وَتُكْفَوا مؤونة النَّاسِ ومؤونة عِيَالاتِكُمْ «. والحمد لله رب العالمين.
أحمد عبدالله
قال تعالى: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً» (آل عمران: 97).
يقول أحد كبار علماء العالم الإسلامي (رحمه الله): «لبّوا لله، تبرأوا من الأنداد بجميع درجاتهم، وهاجروا من أنفسكم فإنّها المنشأ الأكبر للشرك، والجأوا إلى الله جل وعلا».
لكي تتم لنا الهجرة إلى الله سبحانه وتعالى وترك النفس والانزلاق نحو الحياة الدنيا وملذاتها يجب علينا (التلبية الإلهيّة)، وهذا هو أهم أبعاد الحجّ الأعظم، وفي قول مهم لأحد كبار علماء العالم الإسلامي: «بيت الله هو مركز إقامة التوحيد، ومظهره وما يرمز إليه»، إذاً نحن نكون في أهم مركز ومظهر للتوحيد الإلهيّ المُعظّم، ولا فائدة لأداء مناسك الحجّ دون الالتفات لهذا البعد المهم والمفيد فعدم الاهتمام بهذه التلبية العظيمة دليل ابتعاد هذا الإنسان عن خالقه وربه، ودليل على فراغ قلب الإنسان المسلم من محبة الله تعالى، وكثرة الأصنام الموجودة في قلبه التي يجب عليه كسرها بيده وبقوة لأننا أمام بيت الله الحرام مركز كل التوحيد ومظهره الواضح والصريح، وهناك لا مجال للتهرب من الاختيار بين الله سبحانه وتعالى وهذه الأصنام والطواغيت الكبيرة أو الصغيرة، وكأننا أمام موضع اختبار إما أن تكون تلبيتنا لأنفسنا ولملذاتنا الزائلة أو تكون تلبيتنا لله تعالى فقط لا غير، نكون فيها مخلصين له في كل حركة أو قول، وبذلك نكون فعلاً أمام هذه التلبية العظيمة التي أسميها (التلبية الإلهيّة) ونحن في أهم مركز نمر عليه كل عام لأداء مناسك الحجّ، وفي قول لأحد كبار علماء العالم الإسلامي: «ليبحث أصحاب القلوب المؤمنة في أيّام الحجّ عن الآثار والذكريات، ويربطوا أنفسهم بمركز المعنويّة والنور»، فهي إذاً مركز للمعنويّة والنور الإلهيّ المتدفق نحو من يملك مثل هذا القلب السليم والمؤمن، فنحن بحاجة ماسة لأن نملك مثل هذا القلب لنشعر فعلاً بالفيض الإلهيّ ونحن نؤدي مناسك الحجّ الأعظم لنكون بعد ذلك قد خلصنا أنفسنا من السعي خلف الأصنام والطواغيت واللذات الزائفة، وملأنا قلوبنا بالإيمان الصادق والتوحيد الناطق في كل حركة وقول يصدر منا، فما أحلى هذه البركة الإلهيّة التي نحصل عليها كل عام عندما نزور البيت الحرام ونؤدي مناسكنا بالطريقة المُثلى التي لا فائدة من دونها ومن دون الشعور بالفيض الإلهيّ المُتحقق بوجود القلب المؤمن السليم.
إذاً هذا البعد (التلبية الإلهيّة) جزء أساسي لأداء المناسك بالصورة المُثلى التي تنعم على الإنسان بالخير والبركات.
حسين علي عاشور
يوجد في «هرم ماسلو للحاجات» (تحقيق الذات) يحتاج الإنسان لتحقيق ذاته، والوصول لها حتى يكون ما يود أن يكون والوصول لتحقيق الذات ليس بالأمر البسيط وليس أيضا بالشيء الصعب.
في لب الحياة ندور ونعمل، نسعى لتحقيق ما يطلب منا على مستوى الدراسة والعمل وحتى على مستوى الحياة الزوجية والعائلية، في آخر اليوم نصاب بالإرهاق الشديد وحين نتأمل في اليوم وما فعلنا به لا شيء يشد الذهن يذكر فننام لنعيد اليوم في تاريخ آخر.
لقد اعتدت تناول الكتب حتى في أيام امتحاناتي، فبعد أن أكمل مراجعة الامتحان أغفو على قراءة كتاب، في خضم امتحانات منتصف الفصل لسنتي الأخيرة في الثانوية راودتني فكرة وطرقت رأسي بشدة، أن أقوم بعمل محاضرة عن العقل الباطن لأنني آنذاك كنت اقرأ كتابا عن قوة العقل الباطن، لم أفكر البتة في المتاعب التي سأجنيها حين أقوم بعمل اضافي على عملي، ومن غير مقابل لكنني اقدمت على اول خطوات إعداد المحاضرة في برنامج «البوربوينت» وحين وصلت إلى منتصف الكتاب، انحذف الملف، ولم أستكن، ففعلت مجددا وأصابتني مشاق عدة ولم أترك ما بدأته، اصررت على فعل أمر وفعلت ومقدار ما حصلت عليه من السعادة لم ينفذ حتى الآن، مازالت النتائج مدونة لديّ وأفرح بها، لمست عتبة تحقيق الذات في ذلك اليوم وعلمت حينها انك لن تسعد بما تعمل بل بالعمل الاضافي الذي قمت به.
حوراء جعفر
العدد 4410 - الجمعة 03 أكتوبر 2014م الموافق 09 ذي الحجة 1435هـ