العدد 4410 - الجمعة 03 أكتوبر 2014م الموافق 09 ذي الحجة 1435هـ

المفتاح: ما لحق بالمسلمين من أزمات يعود لتمزُّقهم وتشتُّت أفكارهم

الشيخ فريد المفتاح
الشيخ فريد المفتاح

قال وكيل وزارة العدل والشئون الإسلامية، الشيخ فريد المفتاح، في خطبته بمركز أحمد الفاتح الإسلامي، أمس (الجمعة): «إن ما لحق بالمسلمين من فتن وأزمات، وخلاف وعداء وتشرذم وابتلاءات، وما مسّهم من لغوب وضنى، وما منوا به من انكفاء وانحطاط، وتراجع واستكانة في كثير من المجتمعات، إنما يعود إلى تمزق عراهم وتفرق وتشتت أفكارهم».

وقال المفتاح: «إن يومكم هذا يوم عرفة، والأيام المقبلة - يوم العيد وأيام التشريق - أيام شريفة مباركة عظيمة، فضّلها الله وشرّفها وجعلها أيام عبادة، وأيام فرح وسعادة لأهل طاعته، يفيض عليهم فيها من جوده وكرمه وفضله وإحسانه، فاشكروا الله تبارك وتعالى، واذكروه وكبّروه على ما حباكم به من نعمة الإسلام، وهداية الإيمان واتباع سيد الأنام (ص)».

وأضاف «ها هم الحجيج يجتمعون في بيت الله العتيق، وافدين إلى مكة، مُحْرمين ملبّين، قاصدين ربّاً واحداً، لابسين لباساً واحداً، مرددين شعاراً واحداً: لبّيك اللهم لبّيك... إنها أجواء مفعمة بالإيمان والروحانية والرحمة، في أجل مناسبة إسلامية عالمية، فللّه درهم من إخوة متوادّين متراحمين، وأحبّة على رضوان الله متآلفين متعاونين، وصفوة لنسائم الإيمان متعرضين، ذوت في جليل مقصدهم زينة الأثواب، وعزة الأنساب، وزخارف الألقاب والأحساب».

وذكر المفتاح أنه «في هذه المواكب المهيبة، والحشود المباركة، التي اتحدت زماناً ومكاناً، شعائر ومشاعر، يعقد الإسلام، مناط الوحدة الجماعية، والروحية الإيمانية، التي تنحسر دونها كل المحن والمآسي والابتلاءات، ولئن تبصّر المسلمون أحوالهم في هذا المنعطف من تأريخ أمتهم، في ظل الظروف العصيبة التي تعصف بالأمة، وفي خضم المتغيرات المتسارعة والأحداث المتلاحقة التي يعيشها العالم اليوم - لئن تبصّر المسلمون ذلك لأيقنوا بأن ما لحقهم اليوم من فتن وأزمات، وخلاف وعداء وتشرذم وابتلاءات، وما مسّهم من لغوب وضنى، وما منوا به من انكفاء وانحطاط، وتراجع واستكانة في كثير من المجتمعات، إنما يعود إلى تمزق عراهم وتفرق وتشتت أفكارهم وتبعثر قواهم وتشقق صفوفهم، وتشرذمهم وتجزئهم في طوائف مذهبية، وتجمعات طائفية مغلقة، تعادي بعضها بعضاً، وتقاتل بعضها بعضاً، وتناحر بعضها البعض الآخر».

وأشار إلى أن «شعيرة الحج في مجمعها العتيد، وجوهرها المنيف؛ إلا دعوة للمسلمين إلى وجوب الوحدة والاجتماع، ونهيٌ لهم عن التقاطع والتدابر والانكفاء، والضعف والتراجع والاختلاف؛ بل وثنيٌ لهم لنبذ التعادي والتصادم والتكاره الطائفي والمذهبي، والتقاتل وسفك الدماء، لقد آن الأوان أن تجعل أمة الإسلام من هذا الموسم الوحدوي؛ فرصةً لاجتماعها، ومناسبةً لاتحادها واجتماع كلمتها، ولمّ شملها».

وأوضح المفتاح أن «الحج مشهد جليل مهيب، يجتمع فيه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، وإن الناظر في أحوال الحجيج يقف على صورة جلية تحكي واقع الأمة الإسلامية بحلوه ومره، ولذلك فإن من المنطلقات المهمة أن تستثمر الأمة هذه المناسبة العظيمة لإصلاح واقعها ومحاسبة ذاتها قبل محاسبة غيرها في جميع جوانبها. وإن أبشع أمراض الأمة تلك الفئات الخارجة على إجماع وثوابت الأمة، والجاهلة بدينها، حيث التشدد والتطرف والإرهاب، وانكفاء الفكر، واجترار التاريخ، وتسيس الدين، واختطافه من قبل فئات خارجة مارقة، لها سلوكيات وظواهر متطرفة عنيفة غريبة على ثقافة وسماحة مجتمعاتنا، وممارسة صنوف من الوصاية الدينية، والإيذاء الفكري، والمروق الثقافي، وخروج وظهور الرويبضة، كخفافيش الظلام ممن في نفوسهم غرض، وفي قلوبهم مرض، ممن يثيرون الفتن والفوضى والعنف والإرهاب، وسلب هوية الأمة، وتنامي فكر الغلو والإقصاء، ولم تسلم البلاد الآمنة، والأوطان المستقرة، من غوائل العنف والطائفية والإرهاب، وتصفية الحسابات باستهداف أمن المجتمعات، وتغليب مصالح الفئات على مصالح الدول والبلدان والمجتمعات، وانتشر قتل وتفجير الأفراد، والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، وهتك سيادة الدول بالتدخلات الخارجية، وتزييف الحقائق، ولا نقول إلا حسبنا الله تبارك وتعالى ونعم الوكيل».

وواصل حديثه «كفانا - معاشر المسلمين - حروباً، كفانا خلافاً، كفانا انشقاقاً طائفياً، كفانا تشرذماً دينياً، ونزاعاً مذهبياً، كفانا تنافساً عرقياً، وتناحراً ثقافياً وتشدداً فكرياً وعقدياً وفئوياً، كفانا تفككاً وانحلالاً، كفانا تعادياً، كفانا انكفاءً وتراجعاً وانحباساً في أحداث ووقائع التاريخ، كفانا اجتراراً للماضي وانغلاقاً في أحداثه واجتهاداته ومآسه. فيا معاشر المسلمين، يا علماء الإسلام؛ يا عقلاءها يا حكماءها؛ إننا نناشدكم الله تعالى أن تكونوا في طليعة الأمة إلى إصلاح أحوالها، وتحقيق أمنها وأمانها، واستقرار بلدانها، وعمارة أوطانها، وتنمية مجتمعاتها، وكونوا في الصدارة إلى استقامة واستقرار أوضاع بلدانكم وتنمية فكرها، ورقي ثقافتها وتطورها ولمّ شملها واتحاد كلمتها، وتحضرها، فلتستقبلوا أيامكم بصفحة ناصعة، مفعمة بالآمال، مليئةً بجلائل وصالح الأعمال، بالبشر والبر والسماحة والانفتاح على العالم، والعمل والبناء والنماء والتسلح بسلاح العلم، وتحصيل المعارف، والمهارات الصناعية والتقنية والاقتصادية والتكنولوجية، وحفظ مصالح وثوابت المجتمعات، وتحضّر الأوطان، والعمل على تحقيق أمن وأمان واستقرار الأوطان».

وذكر أن «هذا الاجتماع المبارك، إبّان هذا النسك العظيم، ليعد فرصةً سانحةً لاستشعار هذا التوافق الفريد، واستلهام الحكم العظيمة التي شرع الحج لأجلها، فما أحرى بالحجاج وبنا وبكم وبالمسلمين بعامة أن يأخذوا هذه العبرة من هذا المشهد العظيم، فإن مثل ذلكم الاستشعار، من أعظم الدواعي إلى التآلف والتكاتف والرحمة والرفق والوحدة، وشيوع ثقافة المحبة والتواضع والتعاون والتكاتف، لا شعارات طائفية، ولا هتافات عصبية، ولا رايات حزبية، إنما هي راية واحدة، هي راية: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله»، التي تزرع المحبة والسعادة، وتدحر الكراهية والحقد والتعاسة، ألا فلتكن مثل هذه المناسبة العظيمة درساً يراجع فيه المسلمون أنفسهم، ويتبصّرون فيه أحوالهم، ليقيموها على منهج الوسط والاعتدال والسلام، بفهم صحيح حضاري راق سليم دقيق لدين الله تعالى، متفاعلين مع حاجات زمنهم مراعين معطيات واقعهم وتطور مجتمعاتهم وتحضّر أوطانهم».

وبيّن المفتاح أنه «في ظل هذه الأجواء الإيمانية الروحية من موسم الخير العظيم، الذي منحنا الله تعالى إياه؛ فلنتضرع إلى الله تبارك وتعالى بأن يديم على أمتنا ومجتمعنا وأوطاننا؛ نعمة الأمن والأمان والرخاء والاستقرار. ولنستثمر موسمنا هذا العبادي العظيم في اجتماع كلمتنا، ووحدة صفنا، ولمّ شملنا، لنستغلّ ولنستثمر هذا الموسم الوحدوي الجليل في الالتفاف حول قيادتنا، وتعزيز ما دعوا إليه، وحرصوا على تحقيقه، وحثوا الشعب على المشاركة فيه، لدعم مسيرة وحدتنا الوطنية، والحفاظ على نسيج الأسرة البحرينية الواحدة، ولنقف صفّاً واحداً، ولنتجاوز خلافاتنا، ولنمسك بيد بعضنا بعضاً، يداً بيد؛ معاً لإنجاح مسيرتنا الإصلاحية والديمقراطية من خلال المشاركة الإيجابية الفاعلة في الانتخابات التشريعية القادمة، ولنجعل منها ملحمةً وطنيةً تعكس وحدة شعبنا، ولنثبت للعالم أن البحرين بأهلها، وأنهم جميعاً من أجل وطنهم؛ قد توحّدوا واجتمعوا على عمل وطني جليل، يسهم في أمن واستقرار وتقدُّم ورقيّ وتحضّر وطنهم وبلادهم».

العدد 4410 - الجمعة 03 أكتوبر 2014م الموافق 09 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:14 ص

      يا هلا بالشيخ الجليل .. بودنا لكن ما يصير

      كلمة تحمل مبادئ عظيمة لكنها تدعو الى الوصول اليها عبر القبول بدخول مجلس عقيم والقبول بالولاء للعائلة على حساب حرية الناس وارادتهم ومستقبلهم . والحال انه يستحيل أن تتحق المبادئ من خلال حشر الجسم الكبير في قنينة صغيرة ضيقة سرعان ما تنكسر.

اقرأ ايضاً