ماذا لو لَمْ يُولد نات تيرنر؟ بالتأكيد، لن تنطبق السماء على الأرض لو لم يأتِ إلى الدنيا، كوَلَدٍ ذَكَر لعائلة زنجية مُستَعبَدَة في إحدى الولايات الأميركية، لكن الأكيد، أن الرجل الأبيض في ذلك العالم الشاسع لم يكن ليتنبَّه إلى أنه في خطر مُحدِق من عمله المَشِين ضد العِرق الأسوَد، ليدفعه ذلك نحو التفكير ملياً في سياساته العنصرية ضدهم.
في مثل هذا اليوم، الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول، وُلِدَ نات تيرنر. سَنَة ولادته كانت قبل مئتين وأربع عشرة عاماً من هذا الأوان، أي بالتحديد في العام 1800. بدأ هذا الشاب الزنجي تمرَّده المسلح عندما بلغ الحادية والثلاثين من عمره، بعد بَيعِهِ لسيِّدٍ أبيض سامَهُ سوء العذاب. كانت الشرارة الأولى التي أطلقها تيرنر هي في الحادي والعشرين من أغسطس/ آب 1831.
أرعَبَ تحرُّك العبيد المجلوبين قسراً من إفريقيا بقيادة تيرنر الإقطاعيين البِيْض السلطويين والجشعين، كونهم لم يتعوَّدوا ممن يتأمَّرون عليهم من السُّود إلاَّ على التسليم المطلق منهم وعدم قول كلمة: لا. بل وصل الحال ببعض الأسياد في أماكن أخرى لأن يُهدّد أقنانه بأنه سيكشطهم بالمشط ذي الأسنان الحديدية مثلما يُكشَط جلد الحصان.
لكن ونتيجة لاختلال ميزان القوى، حيث العدد والعِدَّة والسلطة في أيدي الإقطاعيين، فقد حالَ ذلك دون استدامة تمرُّد تيرنر ضد العبودية. فبعد ستة أسابيع من القتال والكر والفر في السهوب، حُوصِر الرجل وقُبِضَ عليه، ثم شُنِق بعد محاكمة صورية خلال شهر تقريباً، لا لكي تنتهي قضية الزنوج في أميركا بل لتبدأ مرحلة أخرى من نضالهم.
قضية ثورة العبيد في الولايات المتحدة بل وفي عموم العالم، لم تكن مجرد بطولات ولا عنتريات، سواء تلك التي قام بها تيرنر أو غيره، بل هي جزء من متطلبات إنسانية واجتماعية ونفسية تجعل من البشر لا يقبلون بالذُّل ولا الاستضعاف. وربما كان الزنوج هم الفئة التي وقَعَ عليها الحيف أكثر من غيرها على مر العصور والحقب.
وقد تطرَّق محمد إبراهيم نقد في كتابه الثمين «علاقات الرق في المجتمع السوداني»، إلى أن الوثائق (وبالتحديد خلال صولة البرتغاليين) أظهرت أنه وخلال قرن واحد فقط، وبالتحديد بين عامي 1580 و1680، تم شحن مليون ونصف المليون من الرقيق إلى الأميركيتين! مضافاً إليها الجزر المحاذية للساحل، وجزر الكاريبي والبرازيل قبلاً.
بل إنه وخلال ثلاثة قرون من تاريخ البشرية البائس، سُرِقَ من القارة الإفريقية أربعون مليون زنجي، كي يلتحقوا بقوافل الرِّق الظالمة، جُلُّهم من فئة الشباب (90 في المئة). وهو ما يعني ضياع أجيال إفريقية كاملة. ولا تجاوز إذا قلنا بأن تداعيات ذلك، قد أثَّر على صورة هذه القارة لغاية الساعة، من حيث الفقر والتعليم والحالة الاجتماعية.
كانت دفوع تلك الثورات الزنجية عبارة عن تراكمات نفسية ولاإنسانية مارسها الرجل الأبيض (والمستعمِر بصورة عامة) ضد السُّود ومحاولة تحقيرهم. لقد ظلت أجيال وأجيال تعيش في العبودية قسراً وعبر إرهاب الإقطاع. وكان الأكثر إيلاماً عند هؤلاء، هو ما كان يقع على النساء من حَيْفٍ (رغم ضعفهم) أمام أبنائهم، ليخلق لديهم شعوراً خاصاً.
ولأن العبودية والرِّق، كان قد تأصَّل في ميزان القوة والضعف، فقد أنتج ذلك مصطلحات قاموسية خاصة به، وبالتحديد في توصيف النساء. وكان أولادهن يَرَوْن ما يقع على أمهاتهم من إهانة، فيزداد لديهم الاستعداد نحو رفض تلك السلوكيات، والرغبة في استرجاع الحقوق.
لقد كانت الهَبَّة التمرديَّة التي قام بها السُّود في الأميركيتين متدحرجة، ولم تقف في منطقة دون أخرى، لذا، رأينا أن بلداً كهايتي، انتفضَ السُّود فيه ضد الفرنسيين، الذين حوَّلوا هذه الأرض الغنية بالسكر والبُن والتَّبغ، إلى أرض استنزاف إلى الحد الذي جعل فرنسا مكتفيةً من خلال الثروات الهايتية، في الوقت الذي كان فيه الهايتيون فقراء وبؤساء بشكل مريع.
وعندما قامت الثورة في هايتي تبيَّن أن هذا الشعب البسيط، قد سَبَقَ غيره من الدول لنيل الاستقلال، والتي ظفرت به عبر ثورة الزنوج فيها قبل أكثر من قرنين من الزمان، لتصبح خيراتها وثرواتها لاحقاً حصراً لأهلها وشعبها، الذي كان يفوق تعداده البِيْض بخمسة أضعاف (كما يذكر البعض)، لكنهم لم يكونوا يتلمَّظون شيئاً من ثروات أرضهم.
نعم... تأبَى النفس البشرية أن تعيش في كنف العبودية بأي شكل من الأشكال. لكن، وفي هذا الزمن العجيب، لازال البعض يستأنس بعبوديته لغيره، صاغراً ذليلاً، رغم انتمائه لدين يرفض إلاَّ أن يقول: «لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حراً». وهي من المفارقات التي تحتاج إلى دراسة ونظر.
ومن الأشياء اللافتة هنا والتي يذكرها المؤرخون وجدير بنا أن نذكرها للعِظة، هي أن الأوروبيين، وعندما كانوا يشحنون الزنوج من إفريقيا إلى الأميركيتين للعمل كعبيد، كانوا لا يُميِّزون بين الزنجي الوثني والزنجي المسلم، حيث تجمعهم سَحْنَة وجوههم السَّوداء، لكنهم (أي الأوروبيين) بدأوا يتنبهون إلى هذا الفرز، بعد أن وجدوا بأن جزءًا من العبيد الذين يُحمَلون إلى الأميركيتين غير مطواعين، وهم في ثورة دائمة ضد أسيادهم.
وعندما درسوا الأمر تبيَّن لهم أن الزنوج المسلمين هم فقط مَنْ يتمرَّد على العبودية، ولا يرضى بها على نفسه وأهله. وعليه، بدأوا يتحاشون استقدام الزنوج المسلمين. هذا الأمر أكبر درس لأولئك المرتضين لأنفسهم أن يكونوا في منزلة العبودية لغيرهم في كل شيء. فالعبودية ليست ألوان وجوه، سوداء أو بيضاء، بل هي ألوان العقول والقلوب.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4408 - الأربعاء 01 أكتوبر 2014م الموافق 07 ذي الحجة 1435هـ
مقال رائع بأسلوب أدبي
أحرص دائما على قراءت مقالاتك الغنية بالفائدة
رزق البزازين عالمعثرات
أتعب يا شجي للنايم المنتجي
متهم بالطائفية
انا اعرف عبيد يدعي بعض السفهاء بأخوتهم، يتنفسون العبودية .......
بها.
العبودية
يعتبر الموالاة ف كل شيئ لاي جهة أو سلطة بشكل أعمئ شكل من أشكال العبودية.
انواع العبودية
العبودية انواع كعبودية العقل والعمل لكن أحطها وأدناها هو عبودية العبودية حين لا يرى المرء نفسه الا كعبد لا قدر له الا أن يكون كذلك فلا يحرك ساكنا
إسقاطات لا معنى لها
إسقاطات لا معنى لها و لا تخدم المجتمع
قول علي يكفي
لو أسقيتهم العسل المصفى لما ازدادوا فيك إلا بغضا . صدقت يا امير المؤمنين
احسنت
دائماً وانا أقرأ لك اتخيلك في منصب وزير للخارجية او سفيرا .. ربما لو كنت في بلد آخر
رائع
مقال رائع
موضوع جميل ياريت يقرأمن قبل الموجودين لدينا
قد يكون ثمرة اي حرك في اي اتجاه إنساني ياخد من الوقت الغير قصير لكن نتائجه ستظهر لكن المشكلة هي في البعض الذي يقبل بالعبودية والذل والتهميش فقط لتفكيره القاصر بانه سينتقم من المختلف معه مذهبيا فعليه يقدم خدماته بالمجان كي لا يرتفع بمستو اه الحقوقي وهو موجود لدينا هنا بوركت على هذا الموضوع الجميل