يفرق هاني فحص بين رجل الدين والمثقف الديني الذي يعتبر نفسه إليها أقرب، موضحاً أن الناس دون رجال دين قد يكونون أكثر قدرةً على التعايش المشترك بينهم.
غيّب الموت علمين فكريين ورمزين سياسيين بارزين في منطقتنا العربية، نحن أحوج إليهما في هذه المرحلة الزمنية المتوترة سياسياً وطائفياً وفكرياً؛ وأحوج إلى حكمتهما ونظرتهما المتزنة والواعية والمستقلة، هما السيدان إبراهيم الوزير من اليمن، وهاني فحص من لبنان.
تعرفت على السيد إبراهيم الوزير أثناء إقامتي في الولايات المتحدة الأميركية، وكنت أزوره وأحاوره دائماً، كما كنت أحضر الندوات واللقاءات التي كان يحييها هناك. الوزير الذي رفض رئاسة الجمهورية وعضوية المجلس الجمهوري في اليمن – حسب نقل أخيه قاسم الوزير – نذر شبابه وجلّ حياته مناضلاً ومطالباً بالإصلاح والعدالة والحرية في بلده أولاً.
يحثنا ونحن شباب حينها، على إعادة قراءة نصوص الدين، وفهمه بصورة حضارية واعية، ويركز على أخلاقيات التعامل حتى مع المخالفين وأصحاب النفوذ والسلطة، مستشهداً دائماً بتزكية القرآن الكريم ليوسف الصديق «إنا نراك لمن المحسنين»، و»قولوا للناس حسناً»؛ وبإبقاء العلاقة التفاعلية الإيجابية مع كلٍّ «حبل من الله وحبل من الناس»، التي يردّدها على مسامعنا دائماً.
والحرية لديه -حسب قراءة أخيه – تتضمن جميع الأبعاد، ومن أجل ذلك تبنى بقوة الشورى في الأمر واعتبرها الأساس الأخلاقي والقانوني للعملية السياسية برمتها. وخاض من أجل هذا معارك فكرية، وفقهية، ضد القائلين إن الشورى غير ملزمة، مثبتاً أنها ملزمةٌ وأنها أساس شرعية أي حكم، معطياً إياها القوة القصوى من منطقه وفقهه وجهده، ومتخذاً منها أساساً لنضاله السياسي.
يرى الوزير أن كرامة الإنسان التي أودعها الله فيه وحث على احترامها، لا يمكن أن تتحقق إلا بضمان الحرية والعدالة، كما يؤمن بالحق في الاختلاف على كل المستويات والإقرار به واحترامه. وأصَّل السيد الوزير – رحمه الله – أفكاره الإصلاحية والتنويرية ورؤاه السياسية من منطلقات إنسانية وشرعية معمقة، تناولها في إصداراته المتنوعة حول الشورى، ووحدة الأمة، وتنميتها، والمشاركة الشعبي. كما أنه نادى كثيراً بضرورة استقلالية الأمة من التبعية، التي تنطلق من حرية الفرد في فكره وممارساته، وترتقي إلى بناء منظومات وتكتلات اقتصادية وفكرية وتنظيمية تساهم في تعزيز جهود أبناء الأمة.
وعلى الضفة الأخرى، ساقتني الظروف لأن ألتقي الفقيد هاني فحص وأتتلمذ على يديه في دروسٍ عن الأدب في «نهج البلاغة»، ومن خلالها كانت تقودنا هذه الجلسات إلى حوارات ونقاشات متنوعة حول الدين والسياسة والفكر والمجتمع. هذا الرجل المعرفي والواسع الاطلاع وصاحب المواقف المستقلة والآراء المنفتحة، كنت أسترق أية فرصة للقائه سواءً خلال بعض المؤتمرات الفكرية والسياسية التي تجمعنا، أو خلال زياراتي المتكررة لبيروت.
تجربته السياسية كانت ثريةً ومتواصلة، تتميّز بالتنوّع والتنقل بين مختلف المسارات الثورية، يتمثل كل أشكال النضال الوطني وتتملكه روح ثورية إنسانية تهفو نحو التغيير والعدالة، ومناصرة المظلومين في كل مكان.
كان نصير الاعتدال دائماً، ولم ينحُ تجاه المواقف المتطرفة والمتشددة ضد الآخر المختلف سياسياً وفكرياً ودينياً ومذهبياً.
يفرق العلامة فحص بين رجل الدين والمثقف الديني الذي يعتبر نفسه إليها أقرب، موضحاً أن الناس دون رجال دين قد يكونون أكثر قدرةً على التعايش المشترك بينهم بعفويةٍ وإنسانيةٍ فطرية، ومنبهاً إلى أن كثيراً من الفتاوى محكومةٌ بمزاجيةٍ فقهيةٍ كبيرة.
انفتح فحص على مختلف التيارات الفكرية والسياسية، وتعاطى مع الشباب العربي بمختلف اتجاهاته وطوائفه وأديانه ومذاهبه. الأدب والفكر والثقافة والسياسة زاده اليومي، التي لا يخلو منها أي حديث معه، وبلغته العربية الفصحى يغوص في عالم الأدب والتاريخ، ويسجّل صولاته الحوارية بجرأةٍ غير مسبوقة تجاه مختلف القضايا والمستجدات.
يحق لنا أن نفخر بهاتين الشخصيتين الفذتين اللتين عملتا على تحرير العقل المسلم من أغلاله الفكرية، والفرد العربي من التشبث بواقعه وبدوائره الضيقة، وتعاطتا مع الواقع العربي بانفتاح متميز وعطاء متواصل.
رحم الله الفقيدين، وأسكنهما فسيح جنانه، وأثابهما على ما قدّماه للأمة من فكرٍ واع وتجربة سياسية ناضجة، وعسى أن يكتب لهذه الأمة وجود أمثالهما من حملة الرأي الحر، والفكر المستقل، والنضال المتواصل.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4408 - الأربعاء 01 أكتوبر 2014م الموافق 07 ذي الحجة 1435هـ
نحتاج نتعلم منهم
في البحرين الحرية والديمقراطية المفهومة عند المعارضة يامعي ياضدي وفكر منغلق اقصائي لابعد الدرجات
!!!
وماهو مفهومها عند السلطة؟ . ثم إن الفارق شاسع بين الناقد والمفكر ..الخ وبين التطبيق عند المفكر نفسه. أما رميك للمعارضة بهذه النعوت كلها على الإطلاق فناشيء من عدم اطلاعك على المعارضات العربية الاخرى.
السيد هاني فحص
كان علمآ بارزآ ومفكرآ مرموقآ لكن من الخطأ اعتباره مركزآ للحق والحقيقة ففكره له ماله وعليه ماعليه. وبالنسبة للمظلومين فمن حقنا أن نسأل لماذا أيد السيد "الثورة السورية" ولم نسمع عنه شيئآ عن هذا الشعب المظلوم متساوقآ مع حزب المستقبل ( وهو الحزب غير البريء من الطائفية والاستئثار).