مهمة هي الإصدارات التي توثق لزمن ومكان وبشر كل قرية ومدينة. تتطلب مثل تلك الإصدارات وطبيعة الكتابة فيها ليس إحاطة فقط بما بعد التفاصيل، كي يتم فهم تلك العلاقة الجدلية بين المكان والإنسان. التفاصيل لدى كثيرين، لكن القدرة على توظيف تلك التفاصيل في سياقات محددة ومعمّقة في الوقت نفسه، هو ما يفتقد اليوم.
أحسب أن كتاب «من ذاكرة بني جمرة» لمحمد طيب الجمري، في جزئه الأول (ذلك يعني انتظار جزء آخر) يقدم نفسه باعتباره اشتغالاً على الذاكرة فقط. هل يكفي ذلك؟ طبعاً لا. الذاكرة بطبعها في كثير من الأحيان ليس شرطاً أن تكون مرتبة ومنتظمة. حتى الإخلاص في الجهد والتفرغ لها لا يمنح الذاكرة قدرتها على ذلك الانتظام؛ وخصوصاً إذا لم تُحكم بمنهج.
الكتاب مهم في معلوماته. الأهم فيه رصد سنوات الفقر والجوع وتكفين الذين لا يملكون ما يرافقهم إلى القبر، بالخيش. تلك صورة لضراوة وشراسة تلك السنوات العجاف التي طالت بشراً كثيرين.
المعلومات والتفاصيل الواردة في الكتاب مهمة للذين لم يعاصروا الفترات التي تناولها. جهد يحسب لكاتبه من دون شك. المشكلة في ذلك الجهد أنه في جزء كبير منه «تجميعي»، بعض ذلك التجميع يعود من مصادر سبقت المؤلف (نشرات) من دون تفحص أسلوب كتابتها، علاوة على أنه كتب بركاكة في مساحات منه، ولا منهج محدداً اتبعه. هو خليط لا يوصلك في النهاية إلى منهج؛ علاوة على الأخطاء اللغوية والطباعية الكثيرة التي اكتنفته ليس هنا مجال حصرها وإيرادها.
هل نبخس الجهد حقه عموماً؟ ليس ذلك دور الاستعراض. لكل جهد ضوء وعتمة في الوقت نفسه. إيراد الملاحظات تتوخّى تقدير الجهد الذي بذل في الوقت نفسه، سعياً وراء تجاوز ما ورد من أخطاء، وخصوصاً أن المؤلف أوحى بأن جزءاً ثانياً ينتظره القراء بتثبيت ذلك إشارة إلى الجزء الأول من الإصدار، موضوع المراجعة.
يبدأ الكتاب بالتعريف بقرية بني جمرة، ومن مصادر تاريخية ثابتة، منها «لسان العرب» لابن منظور في جزئه الثاني، و»القاموس الإسلامي» في مجلده الأول، ومدونة الشيخ حسن الغسرة الذي لم يبتعد عن المصدرين المذكورين، وهو من قام بالتقديم للكتاب.
ترد شهادات في باب التعريف بالقرية، لكل من الشيخ محمد علي التاجر، الشيخ إبراهيم المبارك، كتاب العلامة الشيخ عبدالأمير الجمري، محمد علي الناصري، الشيخ عبدالعظيم المهتدي، الحاج حسن بن إبراهيم، إضافة إلى ما جاء في مقدمة ديوان «الجمرات الودية»، ومجلة «المجتمع الجديد». الخلط هنا في وضع كل من ابن منظور وياقوت الحموي، إذا استثنيا تأكيد المعلومة وترسيخها من قبل مشتغلين بالمبحث التاريخي، بشخصيات بعضها لم ينل حظاً من العلم والمعرفة، والاستناد إلى الشفهية، وما نقل عن تسمية القرية.
ضمن الاستشهاد ترد في الكتاب إحالات إلى قوافل التبشير (بني جمرة وقوافل التبشير)، استناداً إلى كتاب «القوافل» للباحث البحريني خالد البسام، رحلات الإرسالية الأميركية في مدن الخليج والجزيرة العربية العام 1901 - 1926، وتحت عنوان «المبشرة كورنيلا داليتبيرج تتجول بالسيارة في قرى البحرين 1925»: «في المحطة الأولى زرنا قرية بني جمرة التي تتكون من مجموعة من الأكواخ الملتفة حول ثلاث عيون تروي البساتين البعيدة بعض الشيء عنها والمحيطة بها، كذلك، وعندما وصلنا إليها كان علينا ترك الفورد والسير في طريق ضيّق وعر يؤدي إلى داخل القرية مشياً على الأقدام، وبالطبع أخذنا معنا حقائبنا الطبية، وتركنا اثنين من المساعدين عند السيارة لتوزيع الأدوية على المرضى الذين نرسلهم بعد انتهاء الفحص، ويبدو أن القرية عرفت بوصولنا، لذلك جاء إلينا عدد من الرجال لمقابلتنا وقادونا إلى بيتين غير مسكونين يستخدمانهما ناسجو القماش، وأعطى الطبيب ومساعده أحدهما لمعالجة الرجال فيه، بينما ذهبنا إلى البيت الثاني المخصص لفحص النساء». هذه الشهادة في ترتيبها أيضاً مربكة من حيث التصنيف والمنهج؛ إذ بدأ بإحالات معجمية وتاريخية، اختلطت بشهادات العوام - ضمن الذاكرة - قفزاً - إلى كتاب «القوافل». مبعث الإرباك هنا هو التصنيف والترتيب، وذلك ما سيحدث مباشرة بعد «القوافل» بالإحالة إلى مقال طويل نشر في مجلة «صوت البحرين» في عددها الحادي عشر، لم يتم ذكر السنة! ولا مصدر لكاتبه (أخذت مقعدي)، هكذا يرد في الشهادة عن القرية أثناء زيارة لها ضمن حديث عن أبوصيبع والدراز أيضاً!
في المقال المجهول كاتبه، يطرح مشكلتين تعاني منها صناعة النسيج في القرية، يجملهما في: عدم وجود رؤوس أموال لدى المشتغلين بهذه الصناعة، ويضع حلها في تكوين إدارة تتعاون مع النساجين ومهمتها تزويدهم بالأموال أو الغزل أو استيراد ما يحتاجون إليه من آلات خفيفة. والمشكلة الثانية، وردت في جزء من الحل للمشكلة الأولى، وهي عدم توافر الكثير من أنواع الغزل اللازم لهذه الصناعة. «لقد أثبت هؤلاء القرويون أيام الحرب أن باستطاعتهم نسج أنواع كثيرة من الأقمشة لو توافرت لهم خيوط الغزل. ولست أدري ما الذي يمنع الحكومة من جلْب كميات كبيرة من الغزل من الهند والعراق لبيعها لهؤلاء الصناع بأسعار معقولة ليستطيعوا أن ينتجوا الأقمشة الرخيصة التي لا تقل جودة عن مثيلاتها من الأقمشة الهندية ما يسد حاجات الطبقات الفقيرة؟».
في الكتاب تثبيت للعوائل التي تقطن بني جمرة ويصل عددها إلى نحو 30 عائلة، تفرعت عنها عوائل كثيرة منها: آل عبدالرسول، آل محفوظ، آل إبراهيم، آل الغسرة، آل زيد، آل فتيل، آل يحيى، آل جواد، آل هارون، آل الجمري، آل آدم، آل الخير، آل إسماعيل، آل سبت، آل الكيس، آل السرح، آل عجرة، آل الطريفي، آل الغانمي، آل الموسوي، آل مسباح، آل مرزوق، آل العرب، آل عمران، آل الشيخ يوسف، علي محمد، آل طارش، الأدرج، آل سالم، حجي حسن، وآل نصيف.
الواقع المعيشي
سنوات الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى مطلع الستينيات من القرن الماضي، كانت أحوال الناس المعيشية في البحرين عموماً، والقرى خصوصاً، على درجة من البؤس والفقر والشقاء، وندرة مصادر الرزق وشح العمل، باستثناء العمل الزراعي وبعض الحرف التي كان الوصول إلى مواقع بيعها وتسويقها هو الآخر له متطلباته وعناؤه والشقاء الخاص، لندرة وسائل المواصلات، إن لم يكن انعدامها في القرية على وجه التحديد.
يقول الجمري: «كان الواقع المعيشي في السنين العجاف سنوات الحرب العالمية الثانية، وما بعدها حتى سنة 1960 سنين اتسمت بالشح والإقلال في كل شيء، في المطعم والملبس والمسكن وحاجيات الحياة الضرورية من صحة وتعليم وكهرباء، وكانت توجد هذه المقومات في بعض الأماكن، وتنعدم في أماكن أخرى، وبكلمة، إنها ليست على نطاق واسع مثل هذا اليوم. كان معظم سكّان قرية بني جمرة من الشباب هم من العمّال في الشركات، والباقي إما من النسّاجين يحيكون الأقمشة أو من صيادي السماك أو المزارعين،ولا يكاد مدخولهم يكفي لإطعام عائلاتهم، ويلجأون إلى السلفة والدّين، وينعدم في القرية في تلك السنين جيل الموظفين والكسَبة الكبار إلا القليل منهم وكان ذلك قبل 1960...».
ستركّز المحور الأساس في استعراض الكتاب على تلك السنوات التي اجتاح فيها الفقر والجوع حياة الناس، ربما لأنها مما لم يسمعه أو يقرأه كثيرون؛ أو بات طي النسيان بالنسبة إلى كثيرين بحكم التحولات والتغيرات التي طرأت على المجتمع البحريني عموماً، وقرية بني جمرة خصوصاً.
شبح الجوع
في الأربعينات من القرن الماضي، عرفت جزر البحرين الجوع في معظم مناطقها، وخصوصاً مع اشتداد وطيس الحرب العالمية الثانية، وندرة عبور مراكب الشحن والسفن إلى المنافذ البحرية والموانئ في المنطقة، علاوة على أن عمليات التصدير توقفت بشكلي شبه كلي، تحرزاً من البلدان المصدّرة، واحتفاظها بالفائض مما يمكن تخزينه، لأنها متأثرة بالحرب تلك. وما يتم تصديره يكون استغلالاً لظروف العالم وقت الحرب، بالمضاربة في الأسعار والوصول بها إلى مستويات قياسية، لا يقوى الفقراء وذوو الدخل المحدود على مجاراتها وتحمّلها. القرى نالها النصيب الأعظم من ذلك الجوع، ومن بينها قرية بني جمرة.
شهادة لأحد وجوه القرية ممن عاصر تلك الفترة «قال محمد مهدي الغسرة الجمري الذي عايش تلك الفترة كان الناس لا يجدون ما يأكلون حتى الجريش اختفى من الأسواق، وأكل الناس تمر الحويل الذي كان يستورد من البصرة لإطعام الحيوانات به، وهذا التمر يكثر فيه السوس والدود والبقر الحشري». وأضاف «حصل أحد الجمريين على (قفّة) سلة من الخوص مملوء نصفها بهذا التمر المخلوط بالسوس والدود، فقام هو وعائلته بأكل الصالح منه في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني، قام هو وعائلته بأكل الأحسن منهن وفعل ذلك في الأيام التالية».
وضمن الفترة تلك يعود محمد طيب الجمري إلى الإحالات التاريخية، على لسان أحد رجالات القرية، الحاج عبدالرسول سلمان الغسرة «في أثناء تفشي المجاعة في سنوات الحرب العالمية الثانية، أمر مستشار حكومة البحرين السيد تشارلز بلجريف بتوزيع التمور على القرى لدرء الجوع الذي ضرب المجتمع، وكان الناس في أمس الحاجة لهذه المساعدة، وكانت بني جمرة قد أصابتها موجة الجوع مثل باقي القرى من هذه المساعدة 6 قلات من التمر (يلاحظ هنا خلط إصابة الجوع بإصابة النصيب، ذلك واحد من الإشكال في الأسلوب، سواء كان نقلاً دون تصحيح، أو تحريراً كما جاء من الكاتب نفسه)، كان وزن القلّة يساوي 30 كيلوغراماً، وقد أحضرت تلك الكمية من التمور ووضعت في مسجد الخضر، ووزعوها على كل عائلة حسب أعداد أفرادها».
تحوّل الأكفان إلى خيش
في الصورة العامة للفتك الذي أحدثه الجوع في تلك السنوات، يمكن الوقوف على أكثر من صورة تعطي جانباً من هول وفظاعة ما عاناه الناس في سنوات الحرب العالمية الثانية.
«كانت البحرين من الدول التي أصابتها بعض شظايا هذا البركان الذي تفجّر فكان الجوع والمرض والبؤس، فكانت الجنائز في كل وقت وكل يوم من جرّاء الجوع والمرض، وكانت الأكفان التي يلف بها الموتى من الخيش عند المعدمين، واختلت البيوت من كل شيء تقريباً، حتى الأثاث لأن من طحنه الجوع مع عائلته لم يجد طريقاً للحصول على المال إلا ببيع ما يملكه من أثاث وثياب وأواني ليشتري بثمنها طعاماً لأسرته المتضوّرة جوعاً، وحينما ينتهي بيع الأثاث يدير رب العائلة نظره إلى مكونات البيت من أبواب ونوافذ وسقوف، فكان صاحب البيت يخلع الأبواب ودعائم السقف من خشب الجندل والمنكرور والنوافذ والبواري ليبيعها ويشتري الطعام...».
احتوى الكتاب في فصله الثاني، التعليم في القرية، وكانت مصادره، الحوزة العلمية للشيخ محسن العرب، بيت المعلِّم، مدرسة البديع الابتدائية، جمعية الإرشاد، وصولاً إلى تعليم البنات. كما تناول الفصل الثالث منه، العادات والتقاليد والتراث، ليبحث الفصل الرابع، المقتنيات العصرية، من دراجة هوائية وباصات خشبية، والسيارة الأولى في القرية، والتي اقتناها المرحوم الملا يوسف بن عطية الجمري، وكان ذلك في العام 1952، وهي من نوع «فورد» (بِكَب)، زرقاء داكنة اللون، ثم الدراجة البخارية والجرس المنزلي وجهاز الراديو (المذياع) وغيره. أما الفصل الخامس والأخير فيتناول المهن القديمة وشخصيات من القرية
ونحن نتحدث عن التجربة الأولى في النشر، كان لزاماً -على أقل تقدير- أن يتم تمرير الكتاب على أكثر من طرف ممن لهم تجارب سابقة في النشر والتأليف، للوقوف على أسلوب الكتاب ولغته وترتيب أبوابه وموضوعاته، وسلامة لغته، والمنهج الذي من المفترض أن يتبعه في ترتيب كل ما تم ذكره.
ويبدو من الأسلوب واللغة وتفاوتهما بين فصل وآخر وموضوع وما يليه، أن الكاتب استعان بعدد من المصادر، وخصوصاً في ذهابه إلى التفصيل في موضوع يبتعد عن المحلي، من دون الإشارة إلى المصادر في هوامش الفصول والصفحات، ولا حتى في نهاية الكتاب، وذلك إشكال ضمن مجموعة إشكالات لم يخل منها الكتاب.
الإشارة إلى أن الكتاب جزء أول يوحي بأن جزءاً ثانياً في الطريق، ولعل في ذلك فرصة لتفادي كثير مما ورد في الجزء الأول، من حيث منهجيته وأسلوبه والأخطاء اللغوية التي امتلأ بها.
للكاتب جهده الذي بذل. ولا تنفي كل تلك الملاحظات هدفه النبيل، وسعيه إلى تأريخ وتثبيت جزء من ذاكرة المكان، برجالاته وزمنه والحِرَف التي سادت وامتازت بها واحدة من أعرق القرى في مملكة البحرين (بني جمرة).
العدد 4408 - الأربعاء 01 أكتوبر 2014م الموافق 07 ذي الحجة 1435هـ
الفقر !!
احين (الآن ) زياد الفقر و الجوع... أكثر وأكثر :(
إلى متى سكوت ... يا شعب البحرين !!
وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تأخذ الدنيا بالعقلانية والطريق الصيحيحة
كنت في زمن لا يعلم به إلا الله. قال تعالى (لان شكرتم لا ازيدنكم) وما شعرت دلمون بالخير إلا بعد ممتدا رابط الخير من ضفة الجزيرة العربيه وتحديد بعد عام 95 وما بعده تدريجيا الى ان اصبحت معظم عوائل القرى في رغد من العيش ووفرة القوة اليومي له وعائلته،وانتم لا شكرت ولا حمدت الله الا منكم القليل جدا فلذلك احذر قد ياتي بكم يوما تُخسف بكم هذه الجزيرة مِن مَن في انفسكم وقلوبكم ومن مافي الجزيرة من فسق وفجور وانحلال.لذلك لا تجدوا بركة ولا فائدة في رواتبكم وثرائكم. الرباء ينهشكم نهشاً. اعيد حساباتكم
ضريبة الولاء
كان أمير المؤمنين علي عليه السلام يخصف نعله و يرقع مدرعته
فلا عجب و لا ضير أن نلبس الخيش
قصة رواها والدي رحمه الله
والدي من مواليد المنامة 1922
قال بأن الحاج عباس الشوّاف و هو من كبار تجار الكويت
بكى يوما و هو يمشي مع أصحابه في احدى أزقة العاصمة
فسأله أحدهم عن سبب بكائه؟!
فقال: متسائلاً و متعجّبا شفتو اللي أنا شفته؟!
قالوا: لا وش شفت؟
قال: رجّال لبس خيشه
فلا عجب حتى لو عاد الزمن
فهناك من يصر على إلباس الناس "الخيشه"
لكن هؤلاء سيلبسون ثيابا من نار عند لقاء الجبار
أن الله يرزق من يشاء
الله كريم
محمد
الله كريم يا مواطنين
زائر
نفس الواقع الآن الفقر وقلة الرواتب وديون الموطنين لكن من يسمع الناس أنظر إلى دول الخليج وإلى مملكة البحرين ؟؟؟؟؟
اتقي الله عن ماذا وبماذا تقارن؟!
قل الحمدلله
والدتي رحمها الله
قالت لي يوما انها واخواتها لبسوا الخياش في ذلك الزمن ولكن مع الاسف غادرت ولم اسألها عن الكثير من تفاصيل حياتهم الصعبه والمؤلمه
نتاج ظروف محيطة محلية وعالمية
كثبر من كبار السن في سترة تحدثوا عن هذه السنين الصعبة وما حصل لأسباب وظروف محلية وعالمية وقد سمعنا من المرحوم الحاج منصور بن حمد كان يصعب عليه إيجاد قطعة قماش لتكفين الأموات حتى من الأطفال.