أعلن المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، في الدوحة يوم الثلاثاء نتائج استطلاع المؤشّر العربيّ لعام 2014، والذي نفّذه في 14 بلدًا عربيًّا: موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، ومصر، والسّودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعوديّة، واليمن، والكويت، كما شمل عينةً من المُهجّرين واللاجئين السوريين في تركيا ولبنان والأردن وداخل الأراضي السورية المحاذية للحدود التركية. شمل الاستطلاع 26618 مستجيبًا أجريت معهم مقابلات شخصيّة وجاهية، ضمن عيّناتٍ ممثّلة لتلك البلدان، وبهامش خطأ يراوح بين 2-3%. ويعادل مجموع سكّان المجتمعات التي نُفّذ فيها الاستطلاع 90% من عدد السكّان الإجماليّ لمجتمعات المنطقة العربيّة. وقد نفِّذ هذا الاستطلاع الميداني في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يوليو/تموز 2014.
وأوضح منسق وحدة الرأي العام في المركز العربي، الدكتور محمد المصري، أنّ استطلاع المؤشر العربي الذي ينفذه المركز، للعام الثالث على التوالي، هو أضخم مسحٍ للرأي العام في المنطقة العربيّة، وتمثّل بياناته مصدرًا مهمًا لصنّاع القرار والباحثين والمهتمين بشؤون المنطقة العربية. وأظهرت نتائج مؤشّر هذا العام انقسامًا في تقييم الثورات العربيّة، فقد أفاد 45% من الرأي العامّ بأنّ الثورات العربيّة والربيع العربيّ تطوّرات إيجابيّة، مقابل 42% عبّروا عن تقييمٍ سلبيّ لها. وقد أرجع الذين قيّموا الثورات بأنها سلبيّة، السبب إلى الخسائر البشريّة الكبيرة، وعدم تحقيق الثورات أهدافها، وحالة الاستقطاب السياسي الحادّ، وتدهور الأوضاع الاقتصادية. ولم تكن نسبة الذين قيّموا الثورات بطريقةٍ سلبيّة انطلاقًا من موقف معادٍ للثورات نفسها نسبةً ذات بال؛ إذ إنّ 5% فقط ترى الربيع العربيّ مؤامرة خارجيّة.
ومع أنّ هنالك انقسامًا في تقييم الثورات العربيّة، فإنّ الرأي العام العربي ما زال متفائلًا بالربيع العربي، ولديه ثقة بمآلاته، إذ ترى أغلبية الرأي العام (60%) أنّ الربيع العربي يمرُّ بمرحلةِ تعثرٍ، لكنه سيحقق أهدافه في نهاية المطاف، مقابل 17% يرون أنّه انتهى، وعادت الأنظمة السابقة إلى الحكم. وذكر مواطنو المنطقة العربية التدهور الأمني في بعض البلدان، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، والتدخل الخارجي، وظهور الحركات المتطرفة، وتحريض قوى الأنظمة السابقة، وتحريض وسائل الإعلام، بوصفها عوامل رئيسة ساهمت في تعثّر الربيع العربي.
ينحاز الرأي العامّ العربيّ لتأييد الثورة السوريّة؛ إذ أيّد 68% من المستجيبين تنحّي بشّار الأسد عن السلطة، مقابل معارضة 16%. وبرَّروا موقفهم هذا بعوامل عديدة، أهمها أنّ الأسد ارتكب مجازر وقتل الشعب السوري وشرّده، وأنه حاكم مستبد، وأنه سبب الأزمة السورية الحالية، ويمثل رحيله حلًا لها. وانقسم الرّأي العامّ العربي بشأن قرار عزل الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، إذ رأى 41% من المستجيبين أنّه قرارٌ سلبيٌ، لأنه يعدّ انقلابًا عسكريًا على إرادة الشعب، وجاء للحيلولة دون التحول الديمقراطي، وأنه اعتداء على شرعية الانتخابات وانتهاك للدستور.
وفي المقابل، أفاد أقل من ثلث المستجيبين أنّ القرار كان إيجابيًّا، لأنه جاء لإنهاء الأزمة، وتحقيق الأمن والاستقرار، أو نتيجة فشل مرسي في الحكم، أو لأنه جاء تلبية لرغبة الشعب المصري، أو للحدِّ من سيطرة الإخوان المسلمين على السلطة. وعبّر مواطنو المنطقة العربية عن مخاوف محدودة، أو كبيرة، من زيادة نفوذ الحركات الإسلامية السياسية، ومن زيادة نفوذ الحركات غير الإسلامية العلمانية. وأفاد 43% من المستجيبين بأنّ لديهم مخاوف من الحركات الإسلاميّة السياسية، في مقابل 40% قالوا إنه ليست لديهم مخاوف منها. وأفاد 37% من المستجيبين بأنّ لديهم مخاوف من الحركات العلمانية في مقابل 41% أفادوا بأنْ ليس لديهم مخاوف منها.
وقد أكد الدكتور المصري، المشرف على تنفيذ هذا المسح، "أنّ وجود مخاوف من الحركات الإسلامية والعلمانية، في آنٍ واحدٍ، يعبِّر عن حالة انقسامٍ واستقطابٍ في الرأي العام العربي". وأضاف أنّ "القطاعات التي عبّرت عن مخاوف تجاه أحد التيارين فسَّرت ذلك بأسباب محددة وواضحة، إضافة إلى وجود قطاع من الرأي العامّ لديه مخاوفَ من الحركات الإسلامية والحركات العلمانية، في الوقت نفسه. ويشير ذلك، بحسب المصري، إلى أنّ عدم التوافق بين هذه الحركات سيكون معوِّقًا للتحوّل الديمقراطي، ويفسح المجال أمام أجهزة ومؤسسات غير ديمقراطية، لاستغلال هذه المخاوف والاتجاه نحو السلطوية".
وتُظهر نتائج المؤشّر العربي أنّ تغيّرًا مهمًّا طرأ على أولويّات المواطنين في المنطقة العربيّة؛ إذ أورد المستجيبون غياب الأمن والأمان باعتباره أهمَّ مشكلةٍ تواجه بلدانهم، وبنسبة 20%، وهذه أول مرّة يرى فيها المواطنون أنّ المشكلة الأهم ليست اقتصادية، فقد جاءت مشكلة البطالة، في المرتبة الأولى، في استطلاعَي المؤشر لعام 2011 وعام 2012/ 2013. كما أنّ تقييم مستوى الأمان والوضع الاقتصادي في بلدان المستجيبين كان سلبيًّا.
وهذا ينطبق على تقييم الوضع السياسي لبلدانهم؛ إذ إنّ 36% قيّموه بأنه إيجابيّ، مقابل 59% قيّموه بأنه سلبيّ. وكان تقييّم المستجيبين للوضع السياسيّ في بلدانهم في استطلاع مؤشر عام 2014 أكثر سلبيّةً منه في عام 2012/ 2013.
وكشفت نتائج المؤشر العربي أنّ الأوضاع الاقتصادية لمواطني المنطقة العربية غير مرضية على الإطلاق؛ إذ قال 42% إنّ دخول أسرهم تغطّي نفقات احتياجاتهم، ولا يستطيعون أن يوفّروا منها (أسر الكفاف)، وأفاد 32% من الرأي العامّ أنّ أسرهم تعيش في حالة حاجةٍ وعوز؛ إذ لا تغطي دخولُهم نفقات احتياجاتِهم.
وعلى صعيد اتّجاهات الرأي نحو الديمقراطية، هنالك شبه إجماع، إذ أفاد 73% من المستجيبين بتأييدهم النظام الديمقراطي، في مقابل 17% منهم عارضوه. فقد أفاد 82% من الرأي العامّ بأنّ النظام الديمقراطي التعدّدي ملائم ليطبَّق في بلدانهم، في حين توافَق ما بين 50% و62% على أنّ أنظمةً، مثل النظام السلطوي، أو نظام الأحزاب الإسلامية فقط، أو نظاماً قائماً على الشريعة الإسلاميّة، ونظام الأحزاب الدينية، هي أنظمةٌ غير ملائمة لتطبَّق في بلدانهم.
وعلى صعيد المحيط العربيّ، أظهرت النتائج أنّ 81% من الرأي العامّ العربيّ يرى أنّ سكّان العالم العربيّ يمثّلون أمّةً واحدةً، وإنْ تمايزت الشعوب العربيّة بعضها عن بعض، في مقابل 14% قالوا إنّهم شعوب وأمم مختلفة. كذلك قيّمت أكثرية الرأي العام سياسات الولايات المتحدة وروسيا وإيران تجاه المنطقة العربية بأنها سلبية، وكان تقييم سياسات تركيا والصين أكثر إيجابية. أمّا بشأن الأمن القوميّ العربيّ، فإنّ 66% أفادوا بأنّ إسرائيل والولايات المتّحدة هما الأكثر تهديدًا للأمن القومي العربيّ. ورأى 9% أنّ إيران هي الدولة الأكثر تهديدًا لأمن الوطن العربيّ. وجدير بالذكر أن اليمنيين والسعوديين والعراقيين واللبنانيين والكويتيين اعتبروا أن إيران هي الدولة الأكثر تهديدًا لأمن بلدانهم. وأظهرت النتائج أنّ 87% من مواطني المنطقة العربية يرفضون الاعتراف بإسرائيل، وفسّر الذين يعارضون الاعتراف بإسرائيل موقفهم بعوامل وأسباب، معظمها مرتبطة بالطبيعة الاستعمارية والعنصرية والتوسعيّة لإسرائيل.