العدد 4403 - الجمعة 26 سبتمبر 2014م الموافق 02 ذي الحجة 1435هـ

«رعايا» الدَّاعشية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

واحدٌ وخمسون بلداً «كانت» تدعم داعش. هذا الكلام لم يقله محللٌ سياسي، بل قاله الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. لا أحد يعلم كيفية الدعم المتدفق من تلك الدول، لكنه حتماً دعمٌ مباشرٌ وآخر غير مباشر، إلى الحد الذي جعل من التنظيم يُقلق الدنيا.

القلق ليس في الصورة الإجمالية لذلك لـ «داعش»، بل هي في تفصيلاته: أعداد المنتمين إليه (واحد وثلاثون ألف مقاتل)، وأمواله (مليارا دولار من بيع النفط)، ويتأمَّر على ملايين الناس من سوريين وعراقيين (ثمانية ملايين إنسان)، في مساحة شاسعة يهيمن عليها في كلٍّ من سورية والعراق، والتي قدرها مراقبون بأنها تضاهي مساحة بريطانيا!

وإذا ما عَلِمنا أن مساحة بريطانيا تقارب 243 ألف كم، فهذا يعني أن الموضوع أكثر من مقلق. حتى ولو لم نأخذ بذلك الافتراض، لكننا قد نصدق أنه يستولي على 62 ألف كيلومتر من الأراضي في سورية، في دير الزور والرقة وحلب وحمص وحماة وريف إدلب والحسكة، وهي المناطق التي يستولي عليها بشكل كامل أو جزئي وبنسب مختلفة.

أما في العراق، فإنه وبالتقدير يستولي على 106 آلاف كيلومتر من أراضي محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار (أكبر محافظة عراقية من حيث المساحة) وصولاً إلى حزام بغداد، وهو ما يعني أنه يستولي عملياً على 168 ألف كيلومتر من الأرض. وإذا ما وصلنا إلى هذه النتيجة، فمعناه، أنه يدير شبكة من الأنفس ممتدة وتُدار عبر سياسة تشكيل نفسي وفكري تتعلقان بالهوية الجماعية والفردية لمن هم في هذه الأرض.

لقد بدأت الولايات المتحدة الأميركية ومعها تحالف دولي بضرب معاقل تنظيم «داعش»، وتشتيت قواته. وهو أمرٌ لا يكفي لإنهاء هكذا ظواهر متغلغلة في أوساط اجتماعية، وبدأت تمارس دور الحاكم عليها، وتقيم لها جماعات موالية أو مأسورة لعقل جَمْعي ونفسي تعيش فيه وعلى ما يمنحه التنظيم لها من مال وخدمات وهوية. وقد ورد قبل فترة أن «داعش» أصدرت لغاية تلك الفترة 11 ألف جواز سفر لمن اعتبرتهم رعاياها.

إذاً، الخطورة هنا ليست في مظهر التنظيم (عسكريته) بل في جوهره، حيث تأثيره على المحيط الذي كان يتحكَّم فيه. وإذا ما قلنا أن ثمانية ملايين إنسان هو تعداد مَنْ يعيشون تحت رحمة التنظيم، فهذا يعني أن نسبة كبيرة من الفتوَّة السورية والعراقية بات ضحية له، خصوصاً وأن 65 في المئة من المجتمع السوري هم من الشباب، ومثله في العراق!

وبالتالي فنحن أمام أكثر من خمسة ملايين سوري وعراقي تتراوح أعمارهم ما بين 18 و40 عاماً مستهدَفون من التنظيم، سواءً عبر التجنيد أم بزجّهم في أفكار دينية متطرفة، مع وجود كافة القابليات السياسية (أنظمة حكم فاسدة) وحياة اجتماعية قاسية (فقر وبطالة) والجو المذهبي المسيطر على المنطقة بأسرها، فضلاً عن فتوَّتهم واندفاعاتها.

أمام ذلك، يصبح العلاج مزدوجاً مع مثل هذه المجتمعات. وربما نتذكر هنا، كيف أن المجتمع الألماني بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كان متشرّباً بالنازية حتى مع سنة انهيارها. بل إن الباحثين كانوا يذكرون بأن المجتمع الألماني كان عصياً على الدخول في ثورة داخلية ضد النازية ولغاية آخر محاولة قامت بها الاستخبارات البريطانية للإطاحة بالحكم النازي في العام 1944، أي قبل عام واحد فقط من هزيمة هتلر المحققة في برلين.

وفي دراسة قدمها المهندس فؤاد الصادق، أشار إلى أن «قانون التحرُّر من النازية» قد صدر سنة 1946، واستطاع أن يستقطب ثلاثة عشر مليون ألماني من المنضوين تحت الفكر النازي، ثم أفاضوا على ذلك ببرنامج تأهيل سياسي عبر إغلاق كافة الصروح التعليمية في ألمانيا، وإعادتها إلى العمل بعد تغييرات بنيوية في مجال التربية والمناهج الدراسية.

كان الهدف الأساس هو إعادة إنتاج للأجيال الألمانية، بعيداً عن التطرف النازي، الذي استغل الشباب الألمان، وكرَّس فيهم نشوة الانتماء للعرق الآري المناهض للأممية والمعادي لبقية الأعراق. وقد أفلَح الألمان بعد الحرب في تلك السياسة، واستيعاب مَنْ كانوا نازيين لسنوات طويلة، حتى ولو بقيت جيوب صغيرة لكنها في نهاية المطاف مُطوَّقة وغير قادرة على الانتشار في محيط مغاير تماماً، سواء عبر الإعلام أو التربية والتعليم.

هذا الأمر هو ما تحتاج إليه المنطقة الخاضعة لمثل هذا الفكر والتنظيم. لكن وفي الوقت نفسه، يجب أن لا تكون المعالجة من الخارج، سواءً عبر الأميركيين أو غيرهم، بل من خلال المجتمع الأكبر الذي تنتمي إليه تلك الأرض، باعتبار أن التجانس التاريخي والنفسي هو ما يجمعها ضمن هوية مشتركة مستدامة، في مواجهة هوية طارئة وهلامية في آن واحد.

فالمجتمعات عادةً ما تكون حسّاسةً جداً تجاه الأفكار المُسقَطَة عليها، سواء في السياسة أو الفكر، لكنها قد تكون مستوعبة لها من داخل التكوين الاجتماعي الذي تنتمي إليه في نهاية الأمر.

تاريخياً، فإن المجتمعيْن السوري والعراقي قد ابتَنَت عليهما أكبر وأهم حضارات الإنسانية، التي كانت متصالحةً مع نفسها ومع غيرها، سواءً مع حضارة الفراعنة في مصر أو دلمون في البحرين أو مجان في عُمان، وبالتالي فإن من الظلم أن يتقهقرا أمام ثقافة الموت والإلغاء، التي تُشِيعُهما هذه التنظيمات المتطرفة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4403 - الجمعة 26 سبتمبر 2014م الموافق 02 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:48 ص

      غريب عقليت البعض

      ادا ايران من اسس داعش فلمادا دول خليجيه بعينها تمد داعش واخواتها ومازالت متمسكه بتدريب بما يسمى المعارضه المعتدله على اراضيها توهمن منها بعد حين القضاء على الجيش السورى علما انها على اختلاف مع الايرانى مما يمثل جبهه المقاومه فى اعتقادى فيه كثير من الكدب والنفاق السياسى العالم يعلم من اين اتت هاده الحثاله وعلى اى طيران وفتح الحدود من اوسع ابوابها وللتدكير شراء بشت العرور المهرج الارهابى التكفيرى البغيض 15000 الف دينار من البعض رجال الاعمال هل هو من اصول ايرانيه

    • زائر 3 | 3:36 ص

      نازيون

      هؤلاء نازيون جدد

    • زائر 2 | 2:44 ص

      ايران و داعش

      ايران أسست داعش لتشويه الثورة السورية

    • زائر 6 زائر 2 | 5:01 ص

      صدأ قاتل

      لكل من لم يرى صدأ العقول والقلوب

    • زائر 1 | 11:54 م

      كيف لهم وهم يرغبونها حربا سنية شيعية ولا زالوا

      كلامك عين الصواب بداية إغلاق تلك الدولة لمدارس للفكر المتشدد سواء الرسمي منها او الاهلي تلك الدولة هي الراعية والممولة والحاضنة لتلك الأفكار المتشدد ومواطنيها هم راس الحربة كان ذلك رسميا أوغير رسمي وبعدها سترى التغيير ماحدث انهم راس الربة هدفها إشعال فتيل أزمة حرب سنية شيعية لم يعطهم الطرف الثاني الفرصة لإشعالها حقنا لدماء حرم سفكها

اقرأ ايضاً