يمعن بعض البشر في عبوديتهم وكأنها كنزٌ وإرثٌ ثمينٌ يجب عليهم الحفاظ عليه لإيصاله لأبنائهم كاملاً لا تنقصه أنملة، من خلال رفضهم لأي شكل من أشكال الحرية البسيطة بما هو متوفر في بلادنا العربية المكتنزة بالقيود والأغلال الحقيقية والمجازية.
هذه الحالة أمرٌ مُلاحَظٌ منذ القدم، وقد عبّر عنه أفلاطون في مقولته الشهيرة: «لو أمطرت السماء حرية، لرأيت بعض البشر يحملون المظلات». تلك العبودية لا تقتصر على استعباد السلطات للرعية، لكنها تتمثل في أشكالٍ شتى من الإذعان: إذعانٌ للمال، للجاه، للمشقة، للضعف، للاستعباد والجهل، ومنها العبودية للأهواء والرغبات.
ومن المؤسف أن تجد بعض البشر يختار عبوديته بعد مساحة يسيرة من الحرية؛ اختارها بنفسه، وربّاها بجهده وجهد من هم معه في ذات الحيز. يتنازل عن حريته ويطلب العبودية؛ لأنه وجد فيها خلاصاً من مشقةٍ، واقتراباً من راحةٍ جسديةٍ وهمية لن تجلب له راحة ضميرٍ أو تضمن له بالاً مطمئناً بكل تأكيد حين يكون واحداً ممن يمتلكون حساً بشرياً فطرياً لم يستبدله بتحجرٍ وتصحرٍ مكتسبين.
أن يسعى مواطنٌ بسيط أو جاهلٌ للقيد برجليه فذلك أمر قد يُفهم على مضض، ولكن من غير المفهوم أبداً أن يسعى بعض المحسوبين على الثقافة إلى كتابة صكوك عبوديتهم وهم الذين قال سارتر عن وظيفتهم الأولى: إنها «إزعاج السلطة»، إزعاجٌ يفهم منه المعنى الإيجابي للرغبة في التغيير، في نيل الحرية والكرامة، واستعادة الحقوق.
لكن بعض المثقفين آثروا المشي «جنب الحيط»، والتزموا الصمت في زمنٍ صار الحياد فيه جريمة؛ لشدة وطأة الظلم، معللين ذلك بخشيتهم من أن يكونوا ضحايا للسلطة القامعة في بلدانهم، ومنهم من آثر بيع صوته وقلمه وشعره ومقالاته وحنجرته ودينه أحياناً، بإصداره فتاوى تتناسب ومزاج السلاطين؛ كي يضمنوا ابتعادهم عن غضبهم، متناسين أنهم بذلك سيكونون عبيداً لهم، وهل هنالك أقسى من العبودية شعوراً؟
الأحداث الأخيرة في الدول العربية أفرزت وأوضحت الكثير، حين انقسم الناس بين الحرية والاستعباد، كلٌ بحسب إيمانه ومبادئه وغاياته. وجدنا بعض المثقفين يتنازلون عن كثيرٍ من مبادئهم في مختلف شئون الحياة، لأنهم وجدوا في السهل والمتوفر من نتاج استعبادهم فسحةً للحياة، وفسحةً للرزق والأمان، وأي حياة هذه المبتغاة حين تكون بعيدةً عن قول كلمة الصدق وتحقيق الحرية وحفظ كرامة البشر؟
وفي المقابل نجد بعض البشر مازالوا مصرين على سجن أنفسهم وضمائرهم وقلوبهم وأجسادهم داخل زنازين استطاعوا تزيينها بكل براعة كي لا تبدو كذلك، ولهم من مريديهم خير حرّاس ومدافعين ومحامين يبرّرون عبوديتهم ويجعلون منها درساً قد يطبقونه يوماً ما.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4401 - الأربعاء 24 سبتمبر 2014م الموافق 30 ذي القعدة 1435هـ
صحيح
المال والبنون وحب الشهوات في هذه الدنيا جعلت الناس عبيد... هؤلاء عبيد لأن فيهم مصالحهم لا يهمهم من هو مالكه .. هو وراء من يدفع له فقط..يعني متعود ينباع ويشترى .. عبد ... الله خلقه حر هو يختار لنفسه العبودية...بلاء في بلاء.. هذا ليس له ولاء مع مالكه يتركه اذا مالكه أصبح فقير..راح لغيره، الحمد لله الذي جعلنا أحرار في دنيانا.
صك العبودية يختصر الطريق عليهم
مؤسف جدا، وموقف يثير الغثيان ان نرى كتابا ومثقفين واعلاميين وقد اختاروا العبودية بمحض إرادتهم وهم من يفترض ان يكونوا في طليعة المطالبين بالحرية والديمقراطية. هل المال والجاه أغلى من الحرية والكرامة؟ يبدو كذلك في نظر هؤلاء الحالمين من المفكرين الذين يحلّقون في فضاء معزول عن بيئتهم. كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون. أصبح التوقيع على صك العبودية يختصر الطريق لما يريد الحالمون من جاه.
مسعود محمد
احسنت الختيار ... تحياتي لك
العبودية في الدول العربية واصلة ألف
لذاك الدول العربية بعيدة عن الديمقراطية والعدالة
الغريب ليس من الطغاة
الغريب من العبيد