أجد صعوبة في معرفة وفهم ما يحصل في إيران. في كل مرة أرجع فيها إلى شبكة الإنترنت وأطّلع على مواقع إخبارية معتمدة، أجد إيران على رأس عناوينها.
ولكنني مازلت مرتبكة وعلى قدر من الجهل حول ما إذا كانت نتائج الانتخابات شرعية أو غير شرعية، وما إذا كانت غالبية الإيرانيين ضد الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، أو إذا كانت الجماهير المتظاهرة تشكّل أقلية في السكان البالغ عددهم 70 مليون نسمة.
ورغم كثرة مصادر الأخبار حول الوضع الراهن في إيران فإن الصورة التي يعكسها الإعلام الغربي غير موضوعية بشكل عام، وتتخذ جانب المعارضة الإيرانية فيما يصوَّر أحيانا على شكل دراما للصالح مقابل الطالح.
لست متأكدة ما الذي أفكر به فيما يتعلق بأحداث تظهر في الإعلام الغربي على أنها ثورة ضد الثورة الإسلامية. يخبرني المنطق الذي أتمتع به أنه ليس غريبا أن تعبّر المعارضة المهزومة عن الاحتجاج ضد نتائج الانتخابات، فالأمر يحصل في الكثير من الانتخابات في دول ديمقراطية وغير ديمقراطية.
عُرِف عن الانتخابات الإيرانية خلال العقود القليلة الماضية كونها «عادلة».
ورغم المحدّدات المفروضة من قبل النظام عندما يعود الأمر إلى الترشّح للانتخابات البرلمانية والرئاسية، فإننا نشعر بشكل عام أن هؤلاء الذين ينجحون في الوصول إلى مرحلة الترشيح بشكل رسمي يتنافسون فعليا في انتخابات تتسم بالعدالة.
نعم، هناك احتمالات تزوير أو عدم دقة واسعة النطاق، ولكن لا توجد دلائل ثابتة على أن هذه هي الحالة حتى الآن، ولا ينتج عن ذلك ترويج غربي بأن المرشح الخاسر مير حسين موسوي هو ضحية لمؤامرة. ولا يعني كون الجماهير تتظاهر دعما لموسوي بالضرورة أنه أكثر الزعماء الإيرانيين شعبية، أو أن حقوقه انتهكت من قبل الرئيس المرشح محمود أحمدي نجاد والمحافظين في إيران. لقد تظاهر الآلاف لصالح أحمدي نجاد كذلك في مناسبات أخرى. وينطبق الأمر نفسه على الزعماء السياسيين ممن لا يصادقون الغرب، أمثال السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله الذي يتظاهر مئات الألوف من اللبنانيين لصالحه.
والآن، يشتعل غضب الإعلام الغربي حول مصادمات بين الشرطة الإيرانية والمتظاهرين، الأمر الذي كان متوقعا على الأرجح إذا أخذنا بالاعتبار الإنذارات التي وجهتها السلطات الإيرانية ضد التظاهر احتجاجا على نتائج الانتخابات. قد تتراوح معدلات العنف، ولكن الشرطة تصطدم مع المتظاهرين في كل مكان في العالم، في كوريا الجنوبية والباكستان والمملكة المتحدة... إلا أنه عندما يحصل ذلك في إيران، يستشيط العالم غضبا.
يزيد عدد شرطة أمن الدولة في مدينتي القاهرة عادة على عدد المتظاهرين بكثير، ويقومون بقمعهم بسهولة. يقومون بإزعاج المتظاهرين جنسيا، وعندما تشارك صديقات لي في مظاهرة، يلبسن سراويل طويلة تحت تنانيرهن لكي يجعلوا من الصعب على الشرطة السرية إزعاجهن جنسيا. رغم ذلك، فإن التقارير الإعلامية العالمية لأحداث شائنة من قمع المظاهرات في مصر محدودة. تلك قصص بسيطة في قسم الشرق الأوسط في هيئة الإذاعة البريطانية على المواقع BBCNews.com و CNN.com.
قامت قوات الشرطة يوم خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة بإخلاء الشوارع وقمع المصريين الأبرياء العابرين الذين حاولوا المشي أو قيادة السيارات في شوارع عادة ما تكون مزدحمة. مُنِع والد صديقتي من الوقوف على شرفة منزله قرب جامعة القاهرة. إلا أن ذلك لم يشكّل تقريرا إخباريا رئيسيا في وسائل الإعلام الغربية.
كانت مصر في يوم من الأيام تناسب الصورة التي يرغبها الإعلام الغربي، وذلك في العام 2005 وفي خضّم انتخابات رئاسية خلافية، حيث كان الأمر مناسبا لسياسات الرئيس السابق جورج بوش في تشجيع الديمقراطية. كنا وقتها نقرأ ونسمع عمّا أسماه الإعلام «رياح التغيير» التي كانت تعصف بمصر، حسبما هو مفترض.
ولكن عندما حصلت الانتخابات البرلمانية بعد شهور قليلة بحريّة وعدالة أكبر نسبيا من الانتخابات السابقة، وأصبح 88 من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أعضاء في البرلمان، وقتها فقط توقفت «رياح التغيير» عن العصف، وتوقف الإعلام عن إعطاء أولوية لمصر. عندما تعمّقت حملة قمع شديدة غير قانونية ضد المعارضة، أرسلت الانتخابات البرلمانية المصرية إنذارا بالخطر إلى الغرب وأطلقت الخوف من تزايد الإسلام السياسي.
لذا دعونا لا نحتفل بعد. قد لا يكون المتظاهرون الإيرانيون قادرين على قلب النظام. بدلا من ذلك يتوجب على الإعلام اتّباع المزيد من الدقة وعدم التحيز. لا تبرر المحددات التي تضعها إيران على الإعلام الغربي أخذ جانب المعارضة، حتى إذا كان العنف ضد المتظاهرين غير مقبول.
*صحافية مصرية. وينشر المقال بالاتفاق مع خدمة Common Ground الإخبارية.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2489 - الثلثاء 30 يونيو 2009م الموافق 07 رجب 1430هـ