العدد 4397 - السبت 20 سبتمبر 2014م الموافق 26 ذي القعدة 1435هـ

مقومات النظام السياسي الدستوري الديمقراطي

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

من المعلوم لدى الجميع، أن الدولة المدنية الحديثة، هي مجتمع بشري، يحويه وطن معلوم الحدود بموارده المعلومة والمطمورة، وهذا الجمع البشري، متعدد مستويات التمكن، من المعرفة بالعلوم الإنسانية والطبيعية، فتتعدد فيه المعتقدات الدينية والفكرية، وهو أيضاً متعدد الأصول الطبيعية السَوِيِّة، للخريطة المواطنية، باختلاف بعضٍ من نطق اللغة واختلاف اللون لدى أفرادها، وبأساسها الجنسي ما بين أنثى وذكر.

ومعلوم أنه من الضروري أن تدار هذه الدولة كمجتمع بشري، عبر سلطات متعددة في الأساس بثلاث سلطات أو أكثر، حسب التطور الحضاري البنائي للدولة، بما في ذلك التطور الفكري والتجريبي للقاعدة البشرية، كما يتطور نظام إدارة الدولة، تبعاً للصراعات المطلبية، التي تتلمس الجموع الشعبية ضرورة تحققها، تساوياً للجميع ودون تمييز أو تفريق.

وتحقيق هذه المطالب من عدمها أو إرجاؤها، مرهون بالعلاقة السياسية والحقوقية والنفعية، ما بين أفراد السلطات وأفراد الجموع الشعبية، المرتسمة في العلاقة الأعم، بإحدى شكليها، أما التوافقية وإما الخلافية.

مع العلم بأن السلطات على رغم قلة عدد أفرادها، إلا أنها تتحكم بالتصرف في القرارات والثروات العامة، المتحققة للدولة جراء الجهد والعمل الشعبي الجمعي، وتتحكم في فعل وردات فعل أفراد المؤسسات التنفيذية وأجهزتها، من الموظفين المدنيين والعسكريين، وفي تلُّمس مواقف الدعم اللحظية غير الإرادية، تحت ضغط الرهاب غير المباشر لدى الأفراد، المرتبط بالتبعية المصلحية، لبعض أفراد الفئات الشعبية مثل أولئك التجار ورجال المال والصناعة والعقار... إلخ، ممن يستفيدون من رضا السلطات لرواج أعمالهم ونمو ممتلكاتهم، فمتى ما عادتهم السلطات، منعن عنهم الأعمال الإنشائية والتوريدية وأعمال البيع والشراء، بما يؤثر في أعمالهم بالتقهقر، فإذا لم يحظى واحدهم بدعم السلطات، فهو مغلول اليد كما السجين.

مع الأخذ في الإعتبار أيضاً، أن هناك فئة من هؤلاء، ومن عامة الناس، لهم في أصل موقفهم، بما هو متبلور في مقياس فكرهم، أنهم جزء من أية سلطة حاكمة، فهم في المواقف المفصلية مع السلطات القائمة إلى أن تضعف، لهم ما لها وعليهم ما عليها، وبهذا هم منسلخون عن انتمائهم الشعبي، في ظل الأنظمة الاستبدادية.

أما القوة الشعبية فهي الغالبة عدداً، ولها من العِدَّة والأدوات، ما يجعل الشعب حقاً مصدر السلطات وسيدها، متى ما تمأسست هذه الجموع الشعبية في مؤسسات المجتمع المدني، غير الحكومية، بالتقابل مع الأجهزة الحكومية لمراقبتها ومحاسبتها، وبالتوازي مع الأحزاب والجمعيات السياسية، وعبر علاقات التكامل والتواصل والشفافية فيما بينها.

ومن العِدَّة والأدوات والوسائل الشعبية، لتقويم أداء سلطات الحكم، بما يصل إلى إبدال أفرادها، سواءً جزءًأ أو كلاً، في بعضها أو كلها، في حال عدم انصياعها للإرادة الشعبية، فإن هناك أولاً الصفة العامة الأساسية، لتلك العدة والأدوات، في وجوب اتصافها بالسلمية، وعدم الجنوح إلى العنف، بأي حال من الأحوال.

إلا أنه مباح رد العنف غير الضروري وغير القانوني، الرسمي وغير الرسمي، والدفاع عن النفس، في حدود عرقلة وقوعه منعاً استباقياً، وفي رده أو تحاشيه بما يمنع وقوعه فعلياً في حينه، دون التطاول فيه إلى أكثر من ذلك.

وهنا يأتي نظام الحكم الدستوري الديمقراطي، قبالة الحكم الاستبدادي، بمثابة الرافعة التي ترفع الناس على حدٍ سواء، للتمتع بالكرامة والعدالة والمساواة الإنسانية. فالدستور هو الوثيقة الاجتماعية، التي تنظم العلاقة بين الشعب وسلطاته مسبقاً، والتي يتوافق الشعب وفقاً لها، على آلية تأسيس السلطات، ويحدّد لها مهامها، وآليات مراقبتها ومحاسبتها، وحالات حلها وإبدالها، سواء عبر الانتخاب الشعبي العام الحر المباشر لكلها أو لبعضها، أو لبعض منها عبر الانتخاب غير المباشر، ربما من خلال تفويض مجلس منتخب مختص، أو تفويض سلطة من السلطات المنتخبة، للإختيار من بين ناشطي ومؤهلي مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والكفاءات الشعبية، من يتمثل في هيئة مستقلة لإدارة مهمة وطنية، دائمة أو وقتية، مثل الهيئة الوطنية المستقلة لإدارة الانتخابات البلدية والنيابية، ومثل الهيئة الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان، فمثل هاتين الهيئتين، لا يجوز لهما أن تتبعا الحكومة ولا الأحزاب السياسية، وذلك لكونهما يخدمان مصالح وحقوق الشعب بكامله، وبالمساواة بين أفراده، وتبعيتهما للحكومة أو الأحزاب السياسية، يجعلهما مغلولتي القرار لمنشئهما وحافظ كيانهما، وهما أولى أن يكونا من الشعب وله، عن أن يكونا لحكومة أو حزب، ناهيك أيضاً عن عدم التفريط، في الانتخاب الشعبي الحر المباشر، للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، والانتخاب الخاص غير المباشر للسلطة القضائية، فجميع هذه السلطات للشعب ومنه.

وذات الدستور، له أن يحدد بالإباحة، وينص على الوسائل ومبادئها العامة، التي تمكن الشعب من أداء دوره الدستوري، في الرقابة على السلطات، وتأسيسها ومحاسبتها وإبدالها. ومن تلك الوسائل الشعبية، الحرية المسئولة للرأي والتعبير، والتظاهرات والتجمعات، للتعبير الجماعي عن المطالب، بما يجعل أي سلطة معنية بتلك المطالب الشعبية، تبادر من تلقاء نفسها بترتيب التواصل والحوار مع ممثلي القوى الشعبية المطالبة، للتوصل إلى إصلاح الخلل، حسب الآليات الدستورية، فالخلاف هنا سياسياً بين الموكل أي الشعب، والوكيل أي السلطة، فلا شأن هنا لقوات الأمن، سوى حماية المتظاهرين السلميين العُزَّل، بحسب الدور المحلي المرسوم لهذه القوات في الدستور.

ثم هناك الانتخابات والاستفتاءات وأهمية نسبة المشاركة والمقاطعة فيها، والموقف الشعبي الغالب، سواء الموافق أو الرافض أو الممتنع. وهناك مبدأ استقلال القرار الوطني، دون السماح للتدخلات الخارجية الفارضة للقرار، سواء الإقليمية أو الدولية، مما سنتناوله في مقالتنا القادمة.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4397 - السبت 20 سبتمبر 2014م الموافق 26 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:55 ص

      60

      60 فى المئه من الشعب ماراح ينتخب الي بينتخبون 50 فى المئة من المجنسين الله ياخد الحق المسلوب وشكرا للكاتب

    • زائر 1 | 12:16 ص

      سلمت يا ابن بلدي الاصيل

      مقااال رائع

اقرأ ايضاً