ينحني آفاق الساعاتي إلى تلك الطاولة بداخل محله الصغير لتصليح الساعات بالعاصمة المنامة، فقد اكتشف فيما يبدو موقع الخلل في إحدى الساعات التي من المطلوب منه تصليحها لأحد الزبائن. وبعد أن غفل عنها بأمر ما، ها هو الساعاتي يمسك طرف واحدة من أكوام تلك الأجزاء المتناثرة للساعات على امتداد طول الطاولة.إنها الخبرة التي اكتسبها الساعاتي وأسرار تصليح الساعات بمختلف أحجامها وأنواعها التي ورثها أباً عن جد، فلا عجب أن تجده يقضي جل يومه يتنقل من ساعة لأخرى، فتلك الساعات بمثابة الأنيس والمؤنس له في عمله.
ويوضح الساعاتي قائلاً: «لا يمكنني تفسير سر التعلق بهذه المهنة غير أني عشقتها حتى أدمنت وجودها بحياتي».
ثم يستطرد بالقول «توارثت عائلتي هذه المهنة لأجيال، حتى وصلت لي وتعلمتها تدريجياً وأتقنتها بعد أن عرفت سرها وأسرارها مع مرور الوقت».
بينما كنت مع الساعاتي، دخل أحد الزبائن إلى المحل، مستفسراً عن ساعته التي أودعها من يومين إثر خلل أصابها، وسألناه عن مدى رضاه بالخدمة المقدمة إليه من قبل الساعاتي، فأجاب قائلاً: «أقتني عدداً من الساعات الثمينة، وعندما يصيب إحداهن العطب أو الخلل، أقوم باللجوء للساعاتي لأنني على يقين من قدرته على إصلاح هذا الخلل».
ويتفهم الساعاتي غضب البعض، في بعض الأحيان، جراء الانتظار لاستلام الساعات المناط به تصليحها.
يقول الساعاتي: «أنا مؤمن أنني عندما أقوم بإمساك تلك الساعات بيدي، فذاك يعني أن أحس بصلة وثيقة تنبئني عن موقع الخلل، وهذا عادة يتطلب الوقت والانسجام في العمل».
وتتفاوت أسعار الساعات بين الواحدة والأخرى، هناك ساعة يتجاوز سعرها 100 دينار، وأخرى لا يصل سعرها 5 دنانير، ولكن قد يكون لها ذكرى معينة يضطر الزبون معها إلى البحث عمن يقوم بإصلاحها.
وعن ذلك يقول الساعاتي: «بالفعل، بعض الساعات يفوق سعرها 100 دينار، والبعض الآخر قد يكون سعرها دينارين وأقل، ولكنها قد تحمل ذكرى معينة للشخص، أي قد تكون هدية من شخص عزيز، أو لها قصة معينة، لذا تجد صاحبها يحاول قدر الإمكان إصلاح أي خلل قد يطرأ عليها».
وكباقي المهن لا يزال الساعاتي محافظاً على مهنة ورثها عن عائلته، ويحاول قدر الإمكان المواصلة فيها، إثر عزوف الكثيرين من أبناء الجيل الحالي عن لبس الساعات والاقتصار على الهواتف والأجهزة الذكية.
العدد 4396 - الجمعة 19 سبتمبر 2014م الموافق 25 ذي القعدة 1435هـ