استبعد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أن يكون التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب يهدف بالأساس إلى إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد ، ورفض أن يتولى العماد ميشيل عون سدة الرئاسة ولو لعامين فقط ، مشددا على أن عون ليس الأصلح للبلاد في المرحلة الراهنة.
وقال جعجع في حوار عبر الهاتف أجرته معه وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) من القاهرة :"التحالف يستهدف داعش بالأساس لا إسقاط نظام الأسد كما يردد البعض .. ولو كان هذا هو الهدف الحقيقي لما استحت أي من الدول المشاركة في التحالف أن تقول ذلك علانية ، خاصة وأن هناك بالفعل العديد من الدول المشاركة في التحالف تعلن منذ زمن أنها تقوم بجهدها لإسقاط نظام الأسد".
وحول تقييمه لما يثار عن أن الدول الداعمة للمعارضة السورية ستستغل الحرب على "الدولة الإسلامية" (داعش) ذريعة لإسقاط نظام الأسد أو حتى إجباره على التفاوض ، قال جعجع "لا أرى تعارضا أو مؤامرة في انضمام تلك الدول للتحالف بهدفه الأساسي وهو القضاء على داعش ، وأعتقد أنه سيكون في سياق القضاء على داعش ضرورة لترتيب الأوضاع والمناخات التي أدت لظهوره بسورية".
وتابع :"وبطبيعة الحال ، سيكون من ضمن هذه الترتيبات الوصول لنظام حكم جديد لأن بقاء الأسد يعني استمرار الأزمة والعسكرة والتطرف ، وبالتالي إذا قضينا على داعش اليوم سنجد داعش جديدة بعد عام أو عامين".
وحول أسباب عدم ضغط الولايات المتحدة ، إذا كانت حقا جادة في محاربة داعش والتطرف بالمنطقة ، على تركيا مثلا لضبط حدودها خاصة وأن أغلب المقاتلين الأجانب ممن انضموا لتنظيمات مسلحة متشددة في سورية وصلوا إليها عبر الحدود التركية فضلا عما يتردد عن دعمها لهم بالمال والسلاح ، قال :"هناك ضبابية في الموقف التركي .. وأرى أن إمكانية ضغط الطرف الأمريكي على تركيا له حدود معينة .. ولكني أعتقد أن هذا الضغط قد زاد في الفترة الأخيرة .. وتركيا ستكون مضطرة إلى الانسجام مع أهداف التحالف ، وأعتقد أن ضبط الحدود هو الحد الأدنى".
ورفض جعجع ما يتردد حول أن نظام الأسد لا يتحمل وحده مسؤولية ظهور داعش وأن هناك دول إقليمية دعمت على مدار عمر الثورة الثورية سواء بشكل رسمي أو عبر مواطنيها تنظيمات داعش والنصرة وغيرهما ماليا وعسكريا ، وقال :"إذا صح ذلك فيجب إيقاف هذا التمويل فورا .. ولكني لا أعتقد أنه يوجد في الوقت الحاضر أي طرف عربي يساند داعش وهذا طبقا لمعلوماتي .. ومن يملك الدليل القاطع على عكس ذلك فليقدمه".
كما رفض جعجع ما يطرح حول أن دعم وتدريب المعارضة السورية المسلحة كجزء من مهمة التحالف الدولي للقضاء على داعش هي أشبه بالمستجير من الرمضاء بالنار خاصة وأن أغلب الفصائل العسكرية النافذة على الأرض هي تنظيمات إسلامية متشددة ، وقال "هذا ليس دقيقا ويجب عدم التلاعب بهذا الأمر .. وليس حقيقيا أن كل من يملك السلاح قادر على الوصول إلى السلطة في النهاية والبقاء فيها ، خاصة وأن ونسبة تأييد هذه الفصائل المتشددة بين السوريين لا تتعدى 10% .. وإذا كان نصف مجموعات المعارضة المسلحة بسورية أصوليون بشكل أو بآخر فهذا لا يعني أن نصف الشعب السوري هم أصوليون بالضرورة".
ودافع جعجع عن موقفه الرافض لمشاركة إيران في التحالف الدولي ، موضحا :"إيران لا تستطيع المشاركة في التحالف الدولي للقضاء على داعش في نفس الوقت الذي يوجد لديها وحدات مقاتلة بسورية سواء من خلال حزب الله اللبناني أو غيره ، وهي بذلك تساعد في تكوين دواعش جديدة .. فكما قلت أحد أسباب ظهور داعش هو الوضع القائم بسورية ، وكان الوضع في العراق هو أيضا سبب ظهور داعش هناك ، ولكن بالأخير بدأت معالجات نتمنى أن تستمر من تشكيل حكومة جامعة نرجو أن تأخذ في الاعتبار مطالب كل الفرقاء".
ويرى أن "سورية تحتاج لعملية مماثلة ، أي أن يترك الأسد السلطة كما تركها نوري المالكي في العراق ، وأن تأتي حكومة جامعة تتسلم مقدرات البلاد لإعادة ترتيب أوضاعها" ، مشددا على أن "هذا هو السبيل الرئيسي لمواجهة داعش وليس فقط مواجهتها عسكريا".
وبالرغم من إقراره بإمكانيات لبنان "المحدودة جدا" طبقا لوصفه ، يؤكد جعجع على ضرورة "وجود دور له في التحالف بغض النظر عما يمكن ان يقدمه".
وفيما يتعلق بالشأن اللبناني وتحديدا أزمة الشغور الرئاسي ، أعرب جعجع عن أسفه لعدم وجود أفق لحل تلك الأزمة ، قائلا :"طالما حزب الله وحليفه العماد عون على موقفهم من مقاطعة الانتخابات فللأسف لا يوجد أفق للحل ".
وتابع :"ما زلت مرشح حركة 14 آذار للرئاسة ، ولكني في نفس الوقت أعلنت وحركتي الاستعداد للتباحث حول إيجاد مرشح توافقي إذا أراد الفريق الآخر ذلك ، ولكن للأسف هذا الفريق يرفض مجرد البحث عن مرشح آخر غير مرشحه".
وشدد جعجع على رفضه اقتراح بعض الوسطاء في الدوائر السياسية بتولي عون رئاسة البلاد ولو لمدة عامين فقط ، وقال " أرفض هذا بشدة ، لسببين : الأول أنني أرفض التلاعب في مدة ولاية رئيس الجمهورية ، والسبب الثاني هو أني لا أعتقد أن عون هو الرئيس الأصلح للبنان في المرحلة الحالية انطلاقا من المشروع السياسي الذي يحمله ".
أما فيما يتعلق بمدى قبوله بترشيح دوائر لبنانية عدة شخص قائد الجيش العماد جان قهوجي كمرشح توافقي للخروج من الأزمة ، قال جعجع :"نحن نميل بشكل قوي إلى الحياة السياسية الدستورية السوية وبالتالي لا يمكن أن نلجأ دائما لتدابير استثنائية".
وجدد جعجع استنكاره لإعلان حزب الله عدم انسحابه من سورية ، وأوضح :"هذا الإعلان يتعارض مع الدستور اللبناني ومع إرادة أكثرية من الشعب اللبناني .. حزب الله يجر كل الشعب اللبناني للتورط في الأزمة السورية ويجر بطبيعة الحال المعارضة السورية لاستهداف الداخل اللبناني كما ظهر في الاعتداءات الأخيرة".
وأضاف متسائلا : "لماذا لم يذهب الإرهابيون للأردن بالرغم من معرفتنا الأكيدة عن شعورهم السلبي تجاه الحكومة هناك .. الإجابة تكمن في أن حزب الله تدخل وساعد نظام بشار ولذلك ردوا باستهدافه على أراضي لبنان ، وهذا يكذب ما يردده حزب الله من أنه قد حمى لبنان بتدخله في الحرب في سورية".
وشدد جعجع على تمسكه بضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرر في تشرين ثان/نوفمبر المقبل "لما ستؤدي إليه من إنعاش للحياة السياسية وضخ دماء جديدة للبرلمان قد تؤدي لحلحلة المواقف" ، معربا في الوقت نفسه عن تفهمه وتقديره لمطالبات قوى سياسية عدة في مقدمتها حليفته كتلة المستقبل للتمديد للبرلمان الحالي وإرجاء الانتخابات تحسبا لاحتمالية الطعن على شرعيتها بسبب الشغور في سدة الرئاسة ، فضلا عن إعطاء الأولوية للوضع الأمني واحتمالية عدم جاهزية المؤسسات الأمنية لتأمين الانتخابات في ظل الظروف الراهنة.
ورفض جعجع تقييم جهود السلطات اللبنانية للإفراج عن العسكريين المختطفين منذ آب/أغسطس الماضي لدى داعش والنصرة ، مكتفيا بالقول :"لدي العديد من الملاحظات في هذا الشأن ، ولكني أستنكف عن الإدلاء بها الآن لأننا في ظل أزمة وطنية كبرى .. ولكن أقول إنه منذ بداية الأزمة وحتى الآن كان بالإمكان فعل أكثر مما يتم فعله حاليا بكثير".
ودعا جعجع للإسراع في ملف محاكمة الموقوفين الإسلاميين بسجن رومية ، والذين يطالب تنظيمي داعش والنصرة بالإفراج عنهم مقابل الإفراج عن الجنود المحتجزين لديهما ، وقال :"بمعزل عن أزمة الجنود .. أقول إنه قد حصل تأخير في محاكمة هؤلاء ، وليس مقبولا أن يظل شخص حبيسا لخمس أو سبع سنوات دون محاكمة".
وإزاء مطالبة البعض بترحيل كافة اللاجئين السوريين تخوفا على أمن لبنان الداخلي ، خاصة بعد أحداث عرسال الأخيرة ، دعا جعجع إلى ما أسماه بضرورة غربلة ملف اللاجئين السوريين ، مشيرا إلى أنه "من بين المليون والمئتي ألف سوري الموجودين حاليا بلبنان لا يوجد سوى ما بين 600 ألف إلى 700 ألف لاجئ فعلي اضطرته الأوضاع في سورية لترك بلاده وهؤلاء لا مفر حتى إنسانيا من استضافتهم ، ولكن عليهم التقيد والالتزام بقوانين لبنان ، أما الباقي اللاجئين ممن اختاروا البقاء بلبنان لسهولة الحياة بها فيمكن مطالبتهم بالعودة لبلادهم" .
وأيد جعجع مطالبة البعض بإجلاء اللاجئين السوريين من بلدة عرسال حتى لا يكون البعض منهم شوكة في ظهر الجيش اللبناني خلال خوضه لأي معارك عسكرية ، ولكنه رفض نقلهم للعمق اللبناني واقترح فقط نقلهم لمكان آخر مواز ببعده عن الحدود.