الذين يُعوّلون على الحلول المؤقتة والسريعة للخروج مما هم فيه من اضطراب وقلق وعدم توازن، تماماً كالذين يروْن في الوجبات المؤقتة والسريعة أسلوب حياة، وطريقة مُثلى لتوفير مزيد من الوقت، ربما لمواصلة الانشغال والعمل والإجهاد، وأحياناً اللهو، بغضّ النظر عن فحواه ودرجاته، براءته أو جدّيته.
الحلول ليست كذلك ولن تكون. كثيراً ما يرافق الحلولَ المؤقتة والسريعة انهيار في كل ما تم الاتفاق عليه. نزوة السرعة في الحلول، تخلق نزوة الخروج عليها. يصبح الأمر بحكم العادة والإدمان الذي من الصعب على أي إنسان أن يتخلَّى عنه، ويعود إلى إيقاع حياته الطبيعية.
شَهِدْنا في منطقتنا العربية، ولأكثر من 60 عاماً من تكدّس الملهاة والمأساة، كيف كانت مآلات ومحصلات الحلول المؤقتة والسريعة والمُخدّرة، تتبخّر وتتلاشى مع ذهاب آثارها وجدواها، والأهم من كل ذلك، عدم قدرة تلك الحلول على الصمود مع الزمن وطبيعته ومتطلباته وشروطه، ناهيك عن البشر الذين يُولدون بعقليات ومستويات تفكير وطرق نظر قد لا تلتقي في كثير مع تفكير الذين أعدّوا وطبخوا ووزّعوا تلك الحلول المؤقتة للمشكلات المزمنة!
في مثل تلك الحلول، وفي مثل تلك المشكلات المزمنة، لا تضعها إلا أطراف تهيمن على الأسباب والقوة، بحيث تمنحها وقتاً لاستئناف ما كانت تمارسه في حين غفلة من الناس، أو في حين معرفة لكنهم مقيدون بأساليب سيتم تنشيطها، ومضاعفة جرعاتها في حال ارتفع صوت يطالب بوضع حد لتلك الممارسة التي تهين الإنسان وتحط من كرامته وتتعامل معه باعتباره شيئاً أكثر من كونه إنساناً.
تمنح مثل تلك الحلول الأطراف المهيمنة على أسباب القوة الوقت لإعادة ترتيب أولوياتها تحسُّباً لمرحلة جديدة من المشكلات والأزمات التي ستطل برأسها طال الزمن أم قصر؛ ما يستدعي ارتجال مزيدٍ من تلك الحلول المؤقتة والسريعة أيضاً. وبذلك الإجراء، ستطلّ برأسها لأن الأساس لم يُعالج، ولم يتم النظر في ما يحول دون عودتها وإرباكها للبشر والمحيط.
الأمر لا يقتصر على المشكلات والأزمات في القطْر الواحد، والحلول التي يتم ارتجالها، ومحاولة فرضها في كثير من الأحيان، وخصوصاً في الأفق المسدود، والاحتقان، وتبديد الطاقات والزمن والموارد. لذلك منشأ يشمل دائرة أكبر وأوسع. يشمل دولاً بأسرها، والتعاطي مع مشكلات بعضها نشأ وَوَفَد من خارج الحدود. وصار من اللائق والعادي للدول الكبرى والفاعلة التي تتصدّى لمشكلات كل قطْرٍ على حدة، أن تكون قادرة على تهيئة القبول بالحلول التي تُعدُّ وتُطبخ لتلك الأطراف، من دون أن تكون مُخيَّرَةً في الالتفات إلى مقادير وتكوين وأثر تلك الحلول على المدى البعيد. إنه عصر السرعة، ويتطلب طبخات وحلولاً مؤقتة وسريعة، تتناسب مع إيقاعه؛ وليست فلسطين وحدها الشاهدَ الأكبر في هذا المجال، الذي تعاقبت عليه حلول دول، ودورات في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات والهيئات الدولية التي تصدّت لتلك النوعية من الحلول، لتصير الأوضاع في أسوأ درجاتها وتعميق خطورتها، عدا الأثر الذي تجاوز تلك الجغرافية، ممتداً إلى المنظومة كلها، قلَّ أو كثُرَ ذلك الأثر.
كل ذلك انعكس في صورة أو أخرى في التعاطي مع ما ينشأ من مشكلات في كل قطْر على حِدَة. الذهاب، هكذا في ارتجال يفرض حلولاً على الأطراف لتقبل بما يُقدّم إليها، من دون الحديث عن تنازلات من طرف الذين يملكون القوة، فذلك يضع الهيبة على المحك! الهيبة التي مازالت منذ الجاهلية إلى اليوم هي المؤشر الذي يتم ضبطه على العصبيات وإرث غارق في الجهل والمكابرة والغرور والاستماتة في الاستئثار بالحياة.
لا كبير فرْق في الشاهدين. شاهد الحلول المؤقتة للمشكلات المزمنة التي تهبط بالإملاء والفرْض من قبل قوى، ليظل الحال على ما هو عليه، أو شاهد الوجبات السريعة، تلك التي لن تمنح الجسم حصانته وكفايته، وعدم اضطراب الجهاز الرئيسي المستقبِل لتلك الوجبات، وذلك ما يتوخّاه ويأمله الذين لا يجدون جدارةَ دورٍ لهم إلا بالحرْص على أن تكون عجَلة الاضطراب دائرة؛ ليبحثوا بعد ذلك عن حلول مؤقتة للتهدئة، وتعويد الناس على أن يكونوا مُدمنين على ذلك المخدّر اللعين!
يبدو أن الرهان على انهيار حصانة الناس لا يكسب مع تكرار تلك الممارسة. ويبدو أن قدرتهم على مقاومة ذلك الإدمان باتت الشاهد وجزءاً من الحل الذي يمكن التعويل عليه!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4394 - الأربعاء 17 سبتمبر 2014م الموافق 23 ذي القعدة 1435هـ