أدان القضاء السعودي، أمس الثلثاء (16 سبتمبر/ أيلول 2014)، خلية إرهابية يتزعمها رئيس المجلس العسكري في تنظيم القاعدة بالسعودية، خططت لاختطاف طائرات ركاب أجنبية وضرب محطات كهرباء ومواقع نفطية في الداخل والخارج، والشروع في تنفيذ عمليات إرهابية داخل المملكة بالتنسيق مع خالد شيخ محمد، المتهم بأنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وفتح جبهات لـ«القاعدة» في اليمن ودول غربية، وشروعها في شراء 3 حقائب بها قنابل «نووية»، فيما تراجع أحد منظري الفكر التكفيري بالخلية عن توبته بعد أن أقسم بطلاق زوجته ثلاثا، وشارك بالتخطيط لأكثر من عملية إرهابية.
وأصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض، أمس بحسب صحيفة الشرق الأوسط، أحكاما ابتدائية بالقتل تعزيرا لسعوديين، وسجن 13 آخرين بين 18 و35 سنة، بينهم مغربيان ويمني، كانوا ضمن خلية تتكون من 29 شخصا. وعلق المدان الثالث الذي حكم عليه بالقتل تعزيرا بعد النطق بالحكم عليه: «لا فرق بين الشهادة في سبيل الله في ساحة المعركة أو ساحة القصاص، فالموت واحد».
وأقر المدان الأول الذي حكم عليه بالسجن 35 سنة والمنع من السفر لمدد مماثلة لسجنه، بتزعمه الخلية بعد مقابلته القتيل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، خلال وجوده في أفغانستان، وبايعه على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وكوّن ما يسمى المجلس العسكري بعد اجتماعه بعدد من أعضاء التنظيم، وتنصيبه من قبلهم أميرا عليهم، وقيامه بتشكيل خلية داخل السجن للقيام بأعمال تخريبية عسكرية فور خروجه من السجن ضد دولة أجنبية، وتجنيده في سبيل ذلك عددا من الموقوفين داخل السجن.
واعترف المدان الذي سلم نفسه لمكتب وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية (آنذاك)، بعد أن أدرج اسمه ضمن قائمة الـ19 مطلوبا أمنيا، برصد مبالغ كبيرة مقابل إعداده برنامجا للقيام بالعمليات الإرهابية في الداخل والخارج، يتضمن اختطاف طائرات أميركية وبريطانية وإيطالية وأسترالية، وذلك بعد تبني المتهم فكرة استهداف محطات كهرباء ونفط في أميركا من خلال طائرات ركاب بريطانية وإيطالية وأسترالية.
واجتمع المدان الأول مع القتيل أسامة بن لادن في أفغانستان عقب أحداث 11 سبتمبر بـ3 أشهر، وطلب منه مواصلة قتال الأجانب والأميركيين، وفي ضوء ذلك خطط لاختطاف القنصل الأميركي في محافظة جدة، واختار المتهم 3 أشخاص ليكونوا منفذين للعملية، ودعمهم بنحو 50 ألف ريال.
كما اتفق المدان الأول مع العقل المدبر لأحداث 11 سبتمبر عندما كان في باكستان، على الشروع في تنفيذ عمليات انتحارية داخل السعودية وخارجها ضد المستأمنين والمعاهدين، ووصف الجهاد ضد الغرب، خصوصا الأميركيين، بفرض العين، حيث توجه المدان إلى سوريا بعد أن أمره خالد شيخ بذلك حتى يتمكن من إزالة الأختام من جوازات سفر المغرر بهم، ثم دخول المملكة.
وارتبط المدان قبل أن يسلم نفسه للسلطات السعودية في 2003 بعدد من أعضاء «القاعدة» بالخارج، من أبرزهم: سيف العدل الذي تعرف عليه في أفغانستان بحكم أنه مدرب، وكان يراسله عن طريق شبكة «البالتوك» عبر الإنترنت، حيث تستر على ما أبلغه به سيف العدل من أنه لا مانع من العمل في أي مكان طالما أن الهدف هو «الصليبيون»، وكان المدان يراسل أبو محمد المصري من مكانه في أفغانستان على البريد الإلكتروني.
ووافق المدان الأول على ما عرضه عليه المطلوب في قائمة الـ19 سلطان جبران القحطاني (لقي حتفه في شقة بإسكان الملك فهد بجازان في سبتمبر 2003)، من شراء 3 حقائب نووية من اليمن، وبلغت قيمتها نحو 1.5 مليون دولار، وجرى تجهيز المبلغ من قبل يوسف العييري (قتل على طريق حائل البري في 2003)، لكن العملية لم تجر لعدم مصداقية الطرف الآخر في اليمن.
وحاول المدان، قائد المجلس العسكري بالتنظيم، مرات عدة صناعة صاروخ، لكنه لم ينجح، واضطر إلى الحصول على معلومات التجربة من مواقع الإنترنت، وأحضر مواسير وحشوات تستخدم في صناعة الصاروخ نفسه، واستأجر أحد عناصر التنظيم وكنيته «مبارك» بعد تكليفه من المتهم، ورشة لخراطة الحديد، وصنع أجرام صواريخ لحفظها بها، لا سيما أنه قام بتجارب للتوصّل إلى وقود لمدفع الصاروخ بواسطة إحدى المواد الأولية التي تستخدم لهذا الغرض.
فيما كفّر المدان 14 الذي حكم عليه بالسجن 31 سنة والمنع من السفر لمدد مماثلة لسجنه، القيادة السعودية، وأصر على منهجه بعد أن أظهر تراجعه عنه خلال برنامج معه بالتلفزيون السعودي، وإقراره بندمه الشديد على هذا التراجع الذي سماه «تراجع التراجع، والتوبة من التوبة الكاذبة». ووصف ظهوره في البرنامج بأنه لم يكن حقيقيا وإنما مداهنة للدولة لتعفو عنه، وأنه لم يزدد في كفر الدولة إلا بصيرة، وأقسم بالله ثلاثا أنه لن يغير موقفه أبدا مهما كانت النتائج.
وكان أحد القضاة الذين نظروا في قضية المدان 14 اختلف في الحكم عليه، وكان قراره الحكم بالقتل تعزيرا بسبب أن المدان داعية إلى فتنة وبدعة من خلال كتبه ورسائله وخطاباته حتى داخل السجن، وإصراره على ذلك بعد إعلان توبته، وافتخاره بهذه الكتب والمؤلفات التي تدعو إلى التكفير والفتنة، وأنه لن يرجع عن ذلك، بل أقسم على عدم الرجوع ثلاث مرات، وأنه إن حنث فزوجته طالق بالثلاث، ما يدل على أن الشر متأصل في نفسه ولم يردعه السجن الذي أمضى فيه ما يقارب 10 سنوات، بل لا ينقطع شره إلا بقتله.
وأيّد المدان 14 الذي حضر إلى المحكمة بالقوة الجبرية وكان على كرسي متحرك، القتيل أسامة بن لادن، وبين أنه نادم على عدم علاقته الشخصية به، حيث أرسل رسالة إليه بواسطة المدان الأول مبديا فيها محبته ودعاءه وتشبيهه بالإمام أحمد بن حنبل، حيث استقبل في منزله بالرياض زعيم الخلية رئيس المجلس العسكري في التنظيم، وأعلن انضمامه إلى عناصر الخلية، واستجاب إلى طلبه في التخفي لديه، وانتقل بعد ذلك إلى مقر الخلية في المدينة المنورة الأول متخفيا في عباءة نسائية بعد أن جرى الإعلان عن قائمة المطلوبين، وقيامه بعد أن علم بأنه مطلوب أمنيا بالانتقال إلى مقر تلك الخلية في المدينة المنورة حتى لا يجري انكشاف أمره.
وتستر المدان 14 على زميله زعيم الخلية وقام بإعداد مجموعة من الشباب للقيام بعمليات إرهابية في دولة أجنبية، من بينها خطف طائرات، وتكوين خلايا، وأنه سيقوم بتسليحهم بأسلحة لا يُعلم عنها، عبارة عن كاميرات وفلاشات وساعات يجعلها قنابل، وسيتولى تدريبهم على طريقة التشريك، وتستره أيضا على الأول عندما أخبره بتمكنه من الحصول على 3 حقائب نووية من مخلفات اليمن الجنوبي بعد أن فشل في الحصول عليها بالمرة الأولى، وأنهم سيقومون بعملية هائلة تتضاءل أمامها هجمات 11 سبتمبر 2001، وتستره على أحد المنحرفين من الجنسية اليمنية يدعى «وحيد» عندما زارهم في المدينة بعد أن علم من الأول أن هذا الشخص جرى تعيينه ممثلا لـ«القاعدة» في الخليج بدلا من «الملا بلال»، وأنه سيكمل بعض العمليات الإرهابية في مياه الخليج العربي على غرار عملية «كول».
وحضر المدان 14 الجلسة ولم ينطق بكلمة واحدة، بل وضع «طاقية» الرأس على عينيه من أجل ألا يرى أحدا، وأدين باشتراكه في إصدار ونشر بيان يحتوي على مناصرة وتأييد 19 مطلوبا أمنيا ممن نشرت أسماؤهم عبر وسائل الإعلام في 2003، بعد العثور على متفجرات بأحد المنازل في حي الجزيرة بالرياض مارس (آذار) من العام نفسه، وورد فيه تزكية هؤلاء المطلوبين وحرمة خذلانهم أو التبليغ عنهم أو تتبّعهم، كما اشترك في إصدار فتوى بعنوان «رسالة إلى رجل المباحث» وصف فيها رجال قطاع المباحث العامة بالاشتراك في الحرب الصليبية ضد الإسلام وأهله.
ووزع المدان، وهو يعد المنظر الشرعي للتنظيم، خطابا كتبه داخل السجن ونسخه بقلمه على أكثر من 30 نسخة، على بعض السجناء وحرض على نشره وطباعته، ليضمن وصوله إلى العالم الخارجي، وانتشاره على الشبكة المعلوماتية، حسب اعترافه، وما تضمنه الخطاب من وصف الدولة بأن منهجها تكفيري، والتعبير بأن ذلك من الصدع بالحق، وقيامه أيضا داخل السجن بتوزيع مجموعة من القصائد والمقالات المنحرفة بقصد نشرها.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة أن نجل المدان 14 قبض عليه الأسبوع الماضي للتحقيق معه حول تورطه في التنظيمات الإرهابية التي ظهرت أخيرا في سوريا والعراق.
وحكم القضاة بالإجماع على المدان الثاني والثالث بالقتل تعزيرا لانضمامهما إلى خلية رئيس المجلس العسكري في التنظيم، واشتراكهما في مواجهات أمنية مع رجال الأمن نتج عنها مقتل رجل أمن وإصابة 12 آخرين.