في إطار سعيه المتواصل إلى نشر ثقافة السلام، عقد المعهد الدولي لأبحاث السلام خلال الأسبوع الماضي، مؤتمراً في مقرّه بالمنامة تحت عنوان: «دروس الماضي ورؤى المستقبل: الشرق الأوسط بعد 1914»، وذلك بمناسبة مرور مئة عام على اندلاع الحرب العالمية الأولى. وقد كان المعهد قد اختار العاصمة المنامة لفتح مقرّ إقليميّ لمعهد السلام الدولي بالشرق الأوسط في أبريل/ نيسان الماضي، وهو ما يؤكد المكانة المرموقة التي تتمتع بها مملكة البحرين عالميّاً.
ومعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام هو معهد دولي مستقل يَعنَى بأبحاث النزاعات، و الحدّ من التسلّح، ونزع السلاح. تأسّس المعهد العام 1966، ويقوم، معتمداً على مصادر مفتوحة، بتقديم تحليل البيانات والتوصيات لصانعي السياسات، والباحثين، والإعلام والجماهير المهتمة. ويحرص المعهد الدولي لأبحاث السلام على العمل بموضوعية من خلال الحوار وتقديم الأفكار الجديدة التي من شأنها أن تسهم في تحقيق السلام والأمن والاستقرار في العالم، وهي السمة المميزة للمعهد على مدى العقود الأربعة الماضية من حيث توفير البحوث وتقديم المشورة لتعزيز السلم والأمن الدوليين من خلال المؤسسات المتعاونة في كل منطقة ودولة. ويؤكد المعهد أنّه لا يملك الحلول الجاهزة لجميع مشاكل العالم، وإنّما يمكن أن يوفر مساحةً للتفكير في تلك المشاكل وتقديم الأفكار عن كيفيّة تنفيذها في سبيل نشر ثقافة السلام.
وشهدت العقود الثلاثة الأخيرة اهتماماً كبيراً من قبل الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، بأمر ثقافة السلام وصناعة السلام وحراسة السلام. وصار مصطلح «ثقافة السلام» متداولاً، تتجاوز فيه الثقافة معناها الفلسفي (مجموعة القيم والمعتقدات والمعايير والرموز والأيديولوجيات)، إلى تعريف ديناميكي حركي واجتماعي، يركّز على جملة العلاقات بين الناس والنمط الكلي لهم، ومن ثَمَّ يغدو البحث في ثقافة السلام، على الرغم من إطاره النظري، بحثاً أيضاً في معرفتنا بتلك العلاقات ومعتقدات هؤلاء الناس في إطار مشروع فلسفة التنمية الاجتماعية. وقد ظهر مصطلح «ثقافة السلام» في نهاية القرن العشرين في أدبيات الأمم المتحدة ومنظمة «اليونسكو».
وتعرّف أدبيات ومنشورات اليونسكو «ثقافة السلام» بأنّها تلك التي «تتكوّن من القيم والمواقف، وطبيعة السلوك الإنساني التي ترتكز على عناصر عدم العنف وتحترم الحقوق الأساسية للإنسان وحريات الآخرين»، وقد تم تحديد هذه الحقوق في ميثاق حقوق الإنسان. وقد تبنّت المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عناصر ثقافة السلام الآتية: احترام الحياة بكل أنواعها، نبذ العنف، التشارك والعطاء، الإصغاء سبيل التفاهم، صون كوكبنا وتضامن متجدد.
ولعلّ الاستعراض المفصل للمؤلفات والبحوث المتعددة في موضوع «ثقافة السلام» يكشف حقيقةً أساسية مفادها أن مفهوم «ثقافة السلام» تعدّدتْ مدلولاته بتعدد المدارس العلميّة، وأبعد من هذا، بتعدّد الثقافات الإنسانية، وخصوصاً ثقافات الشرق وثقافات الغرب. واجتهد العديد من الباحثين في صياغة مشروع رؤية عربية لـ «ثقافة السلام»، وتوصّل البحث إلى أنّ هذه الرؤية لا يمكن أن تتشكّل دون الأخذ بعين الاعتبار العناصر والمفاهيم الأساسية الآتية، وهي:
-»الهوية»: إذْ مثّل تحديدها أزمةً في العالم العربي؛ فمِن متمسّك بالهوية العربيّة، وما يترتّب عن ذلك من انعكاسات على مفهوم السلام، محلياً وإقليمياً وعربياً، إلى متمسّك بهويّة إسلاميّة ترى أنّ المسلمين جميعاً ينتمون إلى أمَّة واحدة تدين بالإسلام، بما يفرض، تبعاً لذلك، انعكاساتٍ مهمةً على مفهومهم للسلام، حيث يبرز مفهوم «الجهاد» والحرب الدينية بين المسلمين والكفار، وما يستدعيه ذلك، في كثير من الأحيان، من اقتضاءات على مفهوم السلام وممارساته، سواء محلياً أو إقليمياً أو عالمياً.
-»القومية»: مفهوم معقد للغاية؛ فقد يكون في إحياء القومية جوانب «إيجابية»، غير أنها قد تجرّ إلى صراعات خطيرة داخل الدولة الواحدة التي تعيش فيها قوميات متعددة أو بين الدول.
-»الذاكرة التاريخية»: وهي تلعب دوراً خطيراً في تشكيل مواقف كلٍّ من النخبة السياسية والثقافية وعامّة الناس تجاه الآخرين. ولا تزال الذاكرة التاريخية العربية تحتفظ بصور بشعة من ممارسات الاستعمار الغربي وعموم الاحتلال الأجنبي ضد بعض البلاد العربية. وبعد زوال حقبة الاستعمار العسكري، شرعت الدول الكبرى في فرض هيمنة جديدة على مقدَّرات الدول العربية، وبدا واضحاً انحياز العديد من الدول الغربية إلى الدولة العبرية وسكوتها عن ممارسات الكيان الصهيوني ضدّ الشعب الفلسطيني، وهو ما يخلّف آثاراً سلبيةً بالغة الخطورة في مفاهيم الشعوب العربية للسلام في المنطقة وفي العالم.
-»الذات»: وتبرز أهميّة مفهوم الذات حين ينتقل من مجال علم النفس الفردي إلى علم نفس العلاقات الدولية، في محاولة لتفسير الاتجاهات الأساسية لشعبٍ ما، حيث تتأثر نظرته إلى ذاته أو إلى الآخر بحسب مدى إحساسه بذاته.
-»رؤية العالم»: وتعني النظرة إلى الكون والمجتمع والإنسان.
ولعلّ تفاعل العناصر السابقة هو ما يشكّل رؤية الإنسان العربي إلى العالم؛ إذ لا يمكن عزلها عن ذلك السياق التاريخي والبناء النفسي والعامل الحضاري الذي تشكلت فيه.
إنّ الحاجة إلى بحوث معمّقة في مجال بناء ثقافة السلام في العالم العربي والإسلامي، والعالم عموماً، من الأهمية بمكان، اليوم أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً مع انتشار التيارات الدينية والقومية المتطرفة التي لا ترى إلى التغيير والإصلاح سبيلاّ إلا سبيل العنف والحرب، وهو ما يزيد في تشويه الصورة الحقيقية لثقافة السلام في الفكر العربيّ الإسلاميّ.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4392 - الإثنين 15 سبتمبر 2014م الموافق 21 ذي القعدة 1435هـ
أين هذا السلام؟؟؟؟؟؟
عن أي سلام تتحدث؟؟؟؟
هل هذه المنظمات إلا راعية مصالح غربية تكيل بسياسة المكيالين؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ذكرتني بمقال لك جميل
عنوان ذلك المقال
انشروا السلام ولو بغرس شجرة..
جعلك الله في خدمة قضايا السلام في العالم
نشر ثقافة السلام
السلام صار حلما عظيما صعب المنال
أحسنت هذا أكيد
إنّ الحاجة إلى بحوث معمّقة في مجال بناء ثقافة السلام في العالم العربي والإسلامي، والعالم عموماً، من الأهمية بمكان،