«ستموت إن كتبت، وستموت إن لم تكتب، فاكتب ومت»، ذلك هو ما كتبه الطاهر جاووت، والكتابة ليست إلا مصارعةً للموت. الموت المؤجل لكل ما هو حي. موت المشاعر، موت الروح، موت الجسد، موت الرؤية، لذلك فهي ليست حلاً لممتهني الكتابة فقط -من صحافيين وشعراء وكتاب وأدباء- بل هي حلٌ لكثيرٍ من البشر، في كثير من منعطفات الحياة حلوها ومرّها.
حين تكتب فإنك تقرّر أن تغامر؛ تغامر لأنك لا تعرف إلى أين سيأخذك هذا الطوق وأنت في لجة طوفان؛ إذ تتعرى أمامك كل الأشياء: قلمك، حياتك الشخصية، أسرارك، حتى تلك التي لم تبح بها لنفسك. تغامر لأن روحك ستكون وحيدةً إلا مع نفسها، تحاكي ما بداخلها من غير شعور بالخوف، أو محاولة الهروب من متربصٍ يبحث عن أخطائك، لأنك ستكون في موعد مع تلك القصة القصيرة التي لم تدم طويلاً حين كنت في سن المراهقة، مع التهور والضعف، مع الرغبة والتمنع، مع الموت والحياة، مع المرّات الكثيرة التي تعثرت ولم تجد من تحب بجانبك، فأمسك بيدك عابر طريق وأوقفك وابتسم ثم رحل. مع الأصدقاء حين يظللونك غيمة فرح. مع الحبيب حين يلامس روحك لترفرف سعادة. مع العدو حين يسن خنجره ليطعنك وأنت تظنه يدس وردة في جيبك. مع القلب حين يضطرب ويعلن ضعفه أو حين ينهض ويشعل الكون نوراً.
الكتابة هي الحلّ لأنك ستتصفح حياتك سطراً سطراً، تضع الفواصل والنقاط، تخلق مجازاً هنا وكنايةً هناك، تكتب لتدير اسطوانة تمر منها أصوات من رحلوا قبل من يحيطون بك، تكتب لتكون على موعدٍ مع فيلم سينمائي بطله أنت وجميع من به مجرد كومبارس يقبضون الثمن في نهاية الفيلم ويبتسمون للكاميرا ويغادرون. تبقى مع المخرج والسيناريست ومهندس الإضاءة والصوت لتكون أنت كل من سبق، فيما يكون أصدقاؤك الحقيقيون القليلون بمثابة المونتير الذي يزيل كل مشهد لا يتناسب مع الحبكة ويضيف المؤثرات التي تخرج فيلمك بشكل أجمل.
الكتابة هي الحل... لأنك لا تنسى تفاصيل كان من الممكن أن تكون أجمل لو أنك زيّنتها ببعض الخيال، وتفاصيل أخرى كانت ستكون حياتك أروع لو أنك ألغيتها. تكتب لتهندس حياتك ولعل المنتج النهائي لما كتبت يروق لك فتسعى لتنفيذه في الواقع، فيكون طريقاً لغاية وهدف نبيلين.
الكتابة هي الحل حين تكون مشرقةً بالأمل، وتسعى لتغيير حقيقي يأخذك للأعلى مترفعاً عن العثرات والآلام والطعنات، حين تكون وسيلةً لرسم ابتسامة على وجوه من تحب بعد أن ترسمها على قلبك؛ فللكتابة سحر وغواية لا يعرفها إلا من جرّبها وجعل منها حلاً أو بدايةَ حلٍ لكل ما يصادفه من مواقف، ابتداءً من كتابة الأهداف لتحقيقها وصولاً لكتابة الأحزان لمسحها، مروراً بكتابة النجاحات لنقل التجربة.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4391 - الأحد 14 سبتمبر 2014م الموافق 20 ذي القعدة 1435هـ
التاريخ موجود ومسطر .
اين من يقرا اولا ثم يتعظ ويفعل ما هو مطلوب منه . الكلمة سلاح وهدف ورقي .وهو ابسط ما يستطيع الانسان فعله وعلى المجتمعات ان تعي ان حرية التعبير مكفولة لكل انسان على هده البسيطة .خاتون
رائع
معبّر جدا عزيزتي السوسن .. معبّر جداً