يكون قد مرَّ عامان على صدور «الديمقراطية في البحرين... الاستفتاء والانتخابات» (صدر في العام 2012)، وجاء بعد عشر سنوات من انطلاق أول انتخابات نيابية في مملكة البحرين. يهدف الكتاب إلى توثيق العملية الانتخابية في المملكة، وتحليل النظام الانتخابي، وإبراز إجراءاته؛ فضلاً «عن تعريف الرأي العام الداخلي والخارجي بالديمقراطية في المملكة».
المقدمة كتبها رئيس هيئة التشريع والإفتاء القانوني، عبدالله البوعينين، تناول فيها بداية الدور الذي تقوم به الهيئة في وضع الخطط المستقبلية التي تعزز من التجربة الانتخابية، والإمكانات لدعم دور إدارة الانتخابات التي تم إلحاقها بالهيئة، مسلطة الضوء على الأهداف من صدور الكتاب.
الكتاب يتناول التاريخ الانتخابي في المملكة منذ بدايات القرن الماضي، ويغطي الفترة الزمنية الممتدة من العام 2001 إلى 2012.
ثالث بلدية عربية والأولى خليجياً
في الفصل التمهيدي من الكتاب والذي حمل عنوان “البيئة السياسية والدستورية في ملكة البحرين والعملية الديمقراطية، مبحثان، يتناول الأول الخلفية التاريخية ويتضمن مطامع القوى الأجنبية في البحرين و “مبايعة أسرة آل خليفة”، ومن ثم تجربة المجلس البلدي في البحرين الذي تم إنشاؤه العام 1919، ثم الاستفتاء على عروبة البحرين، والاستقلال، والمجلس التأسيسي، والدستور، وانتخابات العام 1973، وتجربة مجلس الشورى، وصولاً إلى تولي عاهل البلاد مقاليد الحكم.
في المبحث الثاني من الفصل التمهيدي، يتم تسليط الضوء على بيئة العملية الانتخابية، ضمن نقطتين، الأولى، التهيئة السياسية والاجتماعية للانتخابات، والثانية، التهيئة الدستورية والقانونية لها.
يتطرق الكتاب إلى تجربة المجلس البلدي، من حيث تأسيس بلدية المنامة في العام 1919 “كثالث بلدية عربية وأول بلدية في منطقة الخليج العربي، وكذلك دائرة الجمارك ودائرة الشرطة التي تأسست في 21 ديسمبر/ كانون الأول 1921، وكذلك المحاكم وغيرها من الدوائر الحكومية التي اعتبر تأسيسها ريادة بالنسبة إلى كثير من الدول المجاورة؛ بل ولعدد من الدول العربية”.
يشار إلى أنه في 20 يوليو/ تموز 1920، صدر أول قانون مكتوب في البحرين، وهو قانون البلدية والذي اشتمل على عدد من القوانين الخاصة بالنظافة والرفق بالحيوان وقوانين مرورية، على رغم أن عدد السيارات في ذلك الوقت في البحرين لم يتجاوز 6 سيارات!
في الفصل نفسه، إضاءة تاريخية على استفتاء عروبة البحرين، والأطماع الإيرانية التي تحدّدت في الطلب الرسمي الذي تقدمت به إلى الأمم المتحدة في مارس/ آذار 1970، وما أعقب ذلك من وصول مبعوث الأمم المتحدة السير وينسبير في الشهر والعام نفسه، مع فريق مكوّن من فرنسي وأيرلندي وأردني وهندي، ليغادر إلى جنيف في 19 أبريل/ نيسان 1970 بعد أن أنهى مهمته، وما تلا ذلك من الاستفتاء الذي عكس إجماع الشعب على تمسكه بانتمائه العربي.
انتخاب المجلس التأسيسي
وضمن الإضاءة التاريخية لتجربة الانتخابات، يفرد الكتاب مساحة لانتخاب المجلس التأسيسي الذي صدر بشأنه مرسوم بقانون رقم (13) لسنة 1972؛ إذ توافد المواطنون في الأول من ديسمبر 1972، على صناديق الاقتراع لانتخاب 22 عضواً من بين 58 مترشحاً لعضوية المجلس، وتعيين الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة ثمانية أعضاء بالإضافة إلى الوزراء بحكم مناصبهم.
بعد الانتخابات التي أسفرت عن فوز كل من: إبراهيم العريض، رئيساً للمجلس، وعبدالعزيز الشملان نائباً للرئيس، وقاسم فخرو بمنصب أمين السر، عقد المجلس أولى جلساته يوم الثلثاء (19 ديسمبر 1972)، لإعداد الدستور الذي تمت المصادقة عليه من قبل الأمير الراحل في 6 ديسمبر 1973.
لم يفصل بين التصديق على الدستور وإجراء انتخابات المجلس الوطني سوى يوم واحد (7 ديسمبر)؛ إذا تنافس فيها 114 مرشحاً للفوز بمقاعد المجلس وقتها والمؤلف من 30 عضواً، يرتفع العدد إلى 40 عضواً ابتداء من انتخابات الفصل التشريعي الثاني، بالإضافة إلى الوزراء بحكم مناصبهم.
الدوائر الانتخابية
يتطرق الكتاب إلى الدوائر الانتخابية وتوزيعها بحسب المناطق؛ إذا قُسّمت إلى ثماني دوائر هي: المنامة، جزيرة المحرق، المنطقة الشمالية، المنطقة الغربية، المنطقة الوسطى، المنطقة الجنوبية، الرفاع، وسترة. وجاءت على النحو الآتي: تنتخب المنامة عشرة أعضاء، وجزيرة المحرق ثمانية، والمنطقة الشمالية ثلاثة، وكل من المنطقة الغربية والمنطقة الوسطى ومنطقة الرفاع ومنطقة سترة، اثنين، وتنتخب المنطقة الجنوبية عضواً واحداً.
افتتح دور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الأول في مبنى بلدية المنامة من قبل أمير البلاد الراحل، وذلك صباح الأحد (16 ديسمبر 1973)؛ ليتم في 26 أغسطس/ آب 1975، صدور أمر أميري رقم (14) لسنة 1975 بحل المجلس الوطني “على إثر أحداث شهدتها البحرين آنذاك”، من دون أن يتطرق الكتاب إلى طبيعة تلك الأحداث لا من قريب أو بعيد.
تجربة مجلس الشورى
في 20 ديسمبر 1992، اصدر الأمير الراحل أمراً أميرياً رقم (9) لسنة 1992، بإنشاء مجلس الشورى، يهدف إلى معاونة الحكومة بالرأي والمشورة. وفي يوم السبت 16 يناير/ كانون الثاني من العام نفسه، افتتح الأمير المجلس، وأكمل فصله التشريعي في 31 مايو/ أيار 1996، حيث كان عدد أعضائه 30، تمت زيادتهم في الفصل التشريعي الثاني الذي افتتح في 11 سبتمبر/ أيلول 1996، إلى 40 عضواً.
في الكتاب تناول للمشروع الإصلاحي، منطلقاً من الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني الذي حظي بنسبة موافقة وصلت إلى 98.4 في المئة، وذلك في العام 2001. يتناول الفصل نفسه بيئة العملية الانتخابية بعد التصويت على الميثاق، والتهيئة السياسية والاجتماعية لها، مُبرزاً أهم ملامح تلك الهيئة، وذلك في ديسمبر 2000، حين “أمر جلالة الملك (أمير البلاد في ذلك الوقت) بمنح العاملين في القطاع العام راتب شهر كامل، وفي 16 ديسمبر أعلن جلالة الملك في كلمته بمناسبة العيد الوطني إسقاط 50 في المئة من القروض المستحقة على المستفيدين من قروض الإسكان والخدمات الأخرى، ومن ثم تملّك البيوت والشقق السكنية لمن دفع نصف قيمتها”.
تبع ذلك في 5 فبراير/ شباط 2001 “إصدار مرسوم بقانون رقم (10) لسنة 2001 بالعفو الشامل عن الجرائم الماسة بالأمن الوطني وذلك استكمالاً للمراسيم الصادرة بالعفو الخاص عن بعض المحكوم عليهم والأوامر الخاصة بإطلاق سراح أعداد من الموقوفين”.
النظام الانتخابي
يتناول الفصل الثاني من الكتاب، النظام الانتخابي في مملكة البحرين، وتتفرع منه عناوين وإضاءات منها، انتخاب أعضاء مجلس النواب، والإجراءات المتعلقة بجداول الناخبين، ومنها، طريقة إعداد جداول الناخبين، وعرض الجداول والاعتراض عليها، وشروط الترشح لعضوية مجلس النواب ومنها، أن يكون بحرينياً متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية كافة، أن يمضي على من اكتسب الجنسية البحرينية عشر سنوات على الأقل لاكتساب حق الترشيح، ألاّ يكون حاملاً لجنسية دولة أخرى، باستثناء من يحمل جنسية إحدى الدول الأعضاء بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، على أن تكون جنسيته البحرينية بصفة أصلية، وأن يكون اسمه مُدرجاً في جدول انتخاب الدائرة التي يرشح نفسه فيها، وألاّ يقل سنُّه يوم الانتخاب عن ثلاثين سنة ميلادية كاملة، وغيرها من الشروط التي نص عليها القانون، وحقوق المرشحين لعضوية مجلس النواب، والإجراءات المتّبعة قبل عملية الاقتراع، الفرز والنتيجة والجرائم الانتخابية، إجراءات إعلان النتيجة، والدعاية الانتخابية.
الانتخابات البلدية
في المبحث الثاني يتناول الكتاب قانون البلديات الصادر بالمرسوم بقانون رقم (35) لسنة 2001، مُعدّلاً بالقانون رقم (38) لسنة 2006، تشكيل المجالس البلدية بالانتخاب بحسب النظام الأمثل والمأخوذ به في “الدول الديمقراطية”، وقد تضمّن قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (58) لسنة 2010 تحديد المناطق البلدية الانتخابية وحدودها وعدد اللجان الفرعية اللازمة لانتخاب أعضاء المجالس البلدية، حيث قسّم مملكة البحرين إلى خمس مناطق بلدية انتخابية، وحدّد نطاق كل منطقة بحدود المحافظة التي تقع فيها، كما قسّم كل منطقة بلدية انتخابية لعدد من الدوائر، وجعل لكل دائرة انتخابية لجنة فرعية لمباشرة عمليتي الاقتراع والفرز، إلى جانب عشر لجان عامة للاقتراع والفرز على مستوى المملكة.
وضمّن المبحث، الإجراءات المتعلقة بجدول الناخبين، طريقة إعداد الجداول، عرض جدول الناخبين، الاعتراض على الجدول، شروط الترشيح لعضوية المجالس البلدية، عرض كشوف الناخبين، الاعتراض على كشوف المرشحين، حقوق المرشحين لعضوية المجالس البلدية، والإجراءات المتبعة قبل وأثناء عملية الاقتراع، الإجراءات المتبعة أثناء عملية الفرز، إجراءات إعلان الفرز، الجرائم الانتخابية والإجراءات واجبة الإتباع بشأن تلك الجرائم والدعاية الانتخابية.
الاقتراع في الخارج
يسلّط المبحث الرابع الضوء على إجراءات الاقتراع في الخارج لانتخاب النواب. ونص المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002، بشأن مباشرة الحقوق السياسية في المادة الخامسة والعشرين منه “على أنه لكل مواطن مقيّد في أحد جداول الانتخاب، وتواجد خارج مملكة البحرين أن يبدي رأيه في الانتخاب وفقاً للإجراءات التي يصدر بها قرار من وزير العدل والشئون الإسلامية”. وتتضمَّن ترتيبات وإجراءات الاقتراع في الخارج، قيام لجان الاقتراع والفرز، والإعلان عن الانتخابات، والإجراءات المتعلقة بكشوف الناخبين في الخارج، وتبعه بالإجراءات المتبعة أثناء عملية الاقتراع، والإجراءات المتبعة أثناء عملية الفرز.
الانتخابات التكميلية
أما المبحث الخامس من الكتاب فيتناول الانتخابات التكميلية، وذلك في حال خلو محل أحد أعضاء مجلس النواب أو أحد أعضاء المجالس البلدية.
فيما يتناول المبحث السادس “إجراءات الشفافية في النظام الانتخابي”، ومن العنوان نفسه يتفرّع، إشراف السلطة القضائية على العملية الانتخابية، وتحديد الجهة المنظمة للانتخابات؛ إذ تم إلحاق إدارة الانتخاب والاستفتاء بهيئة التشريع والإفتاء القانوني بموجب المرسوم رقم (91) لسنة 2007. وبشأن إشراف السلطة القضائية العام على العملية الانتخابية، تضمّن قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم (14) لسنة 2002 النص في المادة الثامنة عشرة منه على أن يرأس وزير العدل والشئون الإسلامية لجنة عليا للإشراف العام على سلامة الاستفتاء وانتخاب أعضاء مجلس النواب في أنحاء المملكة والبت في جميع الأمور التي تعرضها عليها اللجان المنصوص عليها في المادة السابعة من القانون.
يُشار إلى أن الكتاب تولى الإشراف العام عليه، عبدالله البوعينين، وتكوَّن فريق الإعداد من: جمال العسيري، دعيج خليفة البنجاسم، أحمد المدوّب، ومحمد المناعي، وتولى التدقيق اللغوي محمد مفتاح.
ومن أبرز مهام إدارة الانتخاب والاستفتاء، التخطيط والإعداد لتنفيذ الانتخابات والاستفتاء في مملكة البحرين، وبناء نظام متكامل من المعلومات يخدم العملية الانتخابية في المملكة.
كما تشمل مسئوليتها: بث الوعي الانتخابي بين المواطنين من أجل تعزيز فهم الجمهور وتوعيته، إعداد الدراسات والبحوث الداعمة لعمليات الانتخاب والاستفتاء، والسعي إلى تطوير الآليات المستخدمة فيها، إعداد أرشيف متكامل حول كل عملية انتخابية أو استفتاء، تدريب المسئولين عن العملية الانتخابية، التسويق والترويج للتجربة الانتخابية البحرينية.
العدد 4391 - الأحد 14 سبتمبر 2014م الموافق 20 ذي القعدة 1435هـ